سامر أبو هواش : الترجمة كتابة ثانية

سامر أبو هواش اسم يتردد في أكثر من منطقة إبداعية، صدر له في مجال الشعر سبع مجموعات شعرية، وفي مجال الرواية روايتين، وفي مجال الترجمة أصدر 35 كتابا مترجما عن الأدب الأميركية، إذ اختار العديد من الأعمال الهامة في مجال الشعر، والقصة، والرواية التي صدرت عن «كلمة» للترجمة، وهي إحدى مشاريع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ومن أبرز هذه الأعمال ترجمته لأعمال الكاتب الأميركي وليم فوكنر وفيما يلي هذا الحوار:

* كيف تلخص تجربتك في ترجمة الأعمال القصصية الكاملة للروائي والأديب الأميركي وليم فوكنر؟ ـ قسمت الأعمال إلى ثلاثة أجزاء قام فوكنر بنفسه بتوزيعها على الكتب، بشكل شبه روائي يضم كل أعماله القصصية خلال 30 سنة، مقسما إياها بحسب تصوره الخاص، ليشمل الجغرافيا الأميركية، بما فيها التاريخ الأميركي، والجغرافية الفعلية بما فيها من مناطق، وكأنه كان بهذا التقسيم، أو التوزيع، يقدم تصورا ما عن أميركا التي تخصه. وتأتي أهمية هذه الأعمال كونها لم تترجم سابقا، في حين ترجمت معظم أعماله الروائية الهامة، وإن كان تداولها قد انحسر عن السابق باستثناء روايته «الصخب والعنف». ومن أعماله القصصية نستشف أن «فوكنر» كان يولي فن القصة القصيرة أهمية كبيرة، وكان يعتبر أن السرد الروائي هو الأسهل على الكاتب، تليه القصة القصيرة، ومن ثم الشعر الذي يعتبره الأصعب، والأخصب بمعاييره.

* كمترجم لهذه الأعمال ما هو الجديد الذي اكتشفته عن «فوكنر»؟ ـ عن أعماله قال أحد النقاد: «أن كل واحدة من هذه القصص عالم روائي بحد ذاته». وبعض هذه القصص بالفعل كانت قاعدة أو أساس لأعمال روائية، خاصة تلك التي تتعلق بالجنوب الأميركي، لقد كانت القصص بذور لهذه التيمات، وتشكلت، وعالجها وتحولت إلى روايات، فهناك عدد من القصص التي طورها، أو نفس الشخصيات، التي اعتمد عليها في رواياته، هذا التنوع يكشف عن عالم الكاتب وكيف كان يفكر بأميركا، وبالنسبة لي كمترجم، الشغل على ترجمة كاتب مثل «فوكنر» كان صعبا إذ لا يوجد مجال للثرثرة، فالكلام محسوب في القصة أكثر من الرواية، وفي عملية الترجمة فهمت فكرته عن لغة الصورة، وكيف يقدم هذه الفكرة، وكيف كانت لغته مختلفة، عن لغته الروائية.

* ما الصعوبات التي واجهتك خلال ترجمة قصص فوكنر؟ ـ هناك صعوبات متعلقة بجمله الملتفة والطويلة، التي قد تستمر أحيانا لصفحة ونصف، إلى جانب وجود الكثير من الجمل الملتفة، المعترضة بقلب الجملة، إلى جانب صعوبة لغته الانجليزية، ومن هنا وجدت نفسي أمام تحدي، وهو كيف يمكن لي أن اخرج بشيء معقول. فالرجل يعمل على الأمكنة، ووقائع اليوم التي لم تعد متداولة، ومن حيث الأدوات، وصف أدوات وآلات لم تعد موجودة الآن، ومن هنا أجريت بحثا قاموسيا، لأصل إلى معرفة عن ماذا يتكلم بالضبط، خاصة وأنه يصف جزءا من الحرب العالمية الأولى، الطائرات، الأدوات وهذا العالم غاب الآن، ومن هنا نرى في الهوامش أنواع ماركات وغيرها.

كما استعنت بدراسة عن فوكنر حتى أفهم بعض الأمور التي يشير إليها مثلا أن أجد مكان البيت الجنوبي سابقا، والذي يشيد الآن بمواصفات مختلفة عن أيام فوكنر الذي استعان أيضا بأشياء تعود إلى القرن التاسع عشر، وكل هذه الأمور مرتبطة بالسرد، وليست تفصيلية، أو هامشية.

عملت أيضا على ترجمة الشعر الأميركي ما المجموعات الصادرة في هذا المجال؟

بقيت أعمل على ترجمة الشعر الأميركي تسع سنوات، و صدرت السلسلة مكونة من 15 مجموعة لأهم الشعراء الأميركيين، بالتزامن مع أعمال فوكنر ، وضمت الترجمات العديد من تجارب الشعراء الأميركيين بدءا من العقد الأول من القرن العشرين، لتمثل كل الأعمال صورة مكتملة لتجربة الشعر الأميركي.

ما هو جديدك في مجال الترجمة؟

انتهيت من عمل أفتخر به وهو ترجمة أعمال الكاتبة الأميركية «مارلين روبنسون» التي لديها ثلاثة أعمال فقط، وهي «تدبير منزلي، وجلعاد، والبيت» وأنا فخور أن أقدمها للعالم العربي فهي مقلة لكنها أثارت ضجة كبيرة من خلال إصداراتها، وستصدر الروايات عن «كلمة» بحيث تتواجد في معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته العشرين.

يقال أحيانا هناك ترجمة جيدة وأخرى لا برأيك ما هي صفات المترجم الجيد، وما الأساسيات التي تستند عليها أثناء عملية الترجمة؟

برأيي الأداة الأولى التي يجب أن يمتلكها المترجم هي أن يكون متشككا بنفسه، أي أن لا يثق ثقة مطلقة بصحة معلوماته، ولا أقصد هنا مهاراته، مثلا عندما ترجمت «فوكنر» اعتقدت أنه لا يوجد من بعده أي عمل صعب، لكني عندما اكتشفت «مارلين روبنسون» وجدتها صعبة جدا، لا يوجد ما يمكن قوله أتقنت اللغة بالمعنى المباشر للكلمة، أهم شيء أني دائما ما أضع الخطأ أمام عيني واحتمالات الخطأ كثيرة فهناك أخطاء مرئية، وأخرى غير مرئية، وهي التي تحتاج مني أن أقرأ مرة واثنتين، لأجل التأكد من معرفتي بالخطأ، وكيف لي أن أمسكه وأضع له حلا، وكيف يمكنني أيضا أن أقدم العمل.

ممكن أن نجد نصا خالٍ من الأخطاء ولكنه ليس بجميل، فهذا يخضع أحيانا للغة المترجم، ولضائقة القارئ، ولكن بالدرجة الأولى يجب توفر قدر من النزاهة عندما لا يكون هناك شيء واضح أمام لغة أخرى، فأحيانا يضع مؤلف الكتاب «اسم نبته» بشكل يتماشى مع منطقته، ومن النزاهة والتشكيك بالنفس، للتقليل من خسارة الترجمة يجب البحث للاقتراب من الحقيقة، بكل نزاهة وتواضع.

هل قمت بترجمة الكتب غير الأدبية وما هي؟

لقد ترجمت كتاب «الشاي» ولدي كتاب سيصدر حديثا بعنوان «عودة الدين» لمؤلفين صحافيين قاما بجولة حول العالم ليرصدا مظاهر «عودة الدين» بالأرقام والإحصائيات والبعد الثقافي، وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر، وهي دراسة مفيدة جدا.

ذات مرة قالوا للشاعر التركي ناظم حكمت أن أشعارك ترجمت إلى لغة غير لغته التركية «فعلق إنها أشعار المترجم» ما رأيك هل الترجمة كتابة جديدة للنص؟

بالفعل النص يتحول إلى نص آخر وهذا جزء من الخسارة التي نضطر أن نقبلها خاصة في كتاب أمثال فوكنر، روبنسون.

أو عند ترجمة الشعر باعتبار أن اللغة مكون أساسي به، وليس صوت الكاتب أو كيف تكون الشخصية، أو أن هناك فكرة معينة، والكثير من النصوص في بال الكاتب كيف يقرأها بصوته وليس عندما يكتبها، فاللغة هي جزء محوري، وهو الجزء الأول فيها الخسارة.

أنحاز إلى فكرة أن الترجمة كتابة ثانية، والذي يقرأ سيقرأ للكاتب والمترجم، وإذ أراد قراءة الكاتب عليه هنا أن يقرأه بلغته، فالكتب المترجمة أعمال تجمع الكاتب والمترجم معا.

ما هو جديدك في مجال الشعر؟

مجموعة جديدة بعنوان «تخيط ثوبا لتذكر» وستصدر عن دار الغاوون.

أصدرت روايتين هل لديك خطة لإصدار رواية جديدة؟

للأسف نحن في بيئة ثقافية لا يمكن للكاتب أن يأخذ جوابا على تجربته، في وقت يريد فيه هذا الجواب، والآن ليس لدي خطة لعمل روائي جديد.

مجموعات الشعر

ضمت مجموعات الشعر الأميركي التي ترجمها سامر أبوهواش الوريقات تطير من الأشجار كالعصافير لـ «آيه.آر.آمونز» ليل ينبت تحت الأظافر لـ «تيد كوزر» مستعمرات صغيرة من الناجين لـ «روبرت بلاي» أكثر من طريقة لائقة للغرق لـ «سليفيا بلاث» تقضمنا الحياة بثغورها الصغيرة لـ «دنيس ليفرتوف» أوزة الشتاء تنبح في السماء لـ «بيلي كولينز» وقت المايه، وقت الأشجار لـ «آن ساكستون» أنا أيضا أغني أميركا لـ «لانغستون هيوز» العودة إلى مكان مضاء بكوب حليب لـ «تشارلز سيميك».

سوداء كليلة البارحة لـ «فلورانس أنطوني (آي)» الحب كلب من الجحيم لـ «تشارلز بوكوفسكي» وحيدة في غرفة أمسح الغبار لـ «دوريان لوكس» خاسران على الناصية لـ «كيم أدونيزيو». وبهذا التنوع، يقدم أبو هواش تجارب متنوعة لشعراء وشاعرات ينتمون إلى أساليب شعرية مختلفة مثل الشعراء الإعترافيين، مثل كولينز وكووزر.

اللتان تنتميان إلى شعرية الواقع والحياة المدنية، مع اعتمادهما وسائل تعبير على مسافة من المباشرة ودرجة من العمق. في حين ينضم بلاي إلى شعر اللاوعي والميتافيزقيا، وغيره يناهض العنصرية مثل هيوز، وهو ما يمكن قوله أن كل شاعر يمثل اتجاها ما يمكن أن يشكل جزءا من تاريخ الشعر الأمريكي.

نقد المجتمع

هاجم الكثير من النقاد الأوائل كتابات «فوكنر» لتركيزها، على العنف والشذوذ حيث قوبلت قصة الملاذ عام 1931 لما فيها من اغتصاب وقتل، بنقد حاد، واعترف الكثير من النقاد فيما بعد بأن «فوكنر» قام بتسليط نقده على هفوات ومثالب المجتمع بإظهارها في تقابل مع ما كان يسميه الحقائق الخالدة مثل الحب والشرف والشفقة، والكبرياء، والحنو، والتضحية.

سامر أبو هواش في سطور

ولد الكاتب والمترجم الفلسطيني سامر أبو هواش في العام 1972 في صيدا في لبنان درس الإعلام والصحافة في الجامعة اللبنانية 1996 له العديد من الأعمال الشعرية مثل «الحياة تطبع في نيويورك، وتحية الرجل المحترم» له روايتان «عيد العشاق، و السعادة» والكثير من الكتب المترجمة مثل رواية حياة باي لـ يان مارتل، و بوذا الضواحي لـ حنيف قريشي.

التأثير بالروائيين

كان لـ «فوكنر» تأثير كبير في الروائيين على مستوى العالم باعتراف روائيين معاصرين مثل «توني موريسون» حاملة جائزة نوبل للآداب لعام 1993 والتي تخرجت من جامعة «هوارد» في واشنطن بعدما قدمت أطروحتها العنونة «الانتحار في روايات فوكنر وفرجينا وولف كما في روايتي «الجاز» و«الفردوس».

عبير يونس

الأكثر مشاركة