يستنتج كتاب «نانسي ليست كارل ماركس!»، لمؤلفه حازم صاغية، والصادر عن دار الساقي ـ بيروت 2010، أن المغنية الشهيرة (نانسي عجرم) تحتل مساحة كبيرة في قلوب وعقول الجيل العربي الصاعد، الذي لم يعد يبالي بنظريات (كارل ماركس)، أو بغيره من المفكرين والسياسيين، فالشارع العربي بمعظمه انحاز إلى نجوم الغناء بعدما أدار ظهره إلى الايديولوجيا بأنواعها، سواء التي سقطت بسقوط المعسكر الاشتراكي، أو تلك التي تنتظر دورها.
فالشباب العربي فقد هويته في زمن العولمة (الكوكبة)، حتى فقد الاهتمام بالمستقبل القريب، وفقد إحساسه بواقعه المثقل بالمعضلات، فاستسهل الرقص على أنغام الأغاني التي تخدر الفكر وتثير الأحاسيس، لهذا أصبحت أجساد النساء طبقا شهيا تقدمه شاشات التلفزة التي لا تولي عناية بالعقل، فزمن القنوات الفضائية هو زمن الشكل الخارجي، بعد أن أصبح المضمون عبئا يجب التخلص منه.يضم هذا الكتاب المثير للجدل، مجموعة من المقالات المتنوعة، ضمن رؤية خاصة لا تخلو من السخرية، التي لا تبعث على السرور بقدر ما تحرض على الشجن، ويحاول المؤلف تقديم المواضيع المتداولة من وجهة نظر مغايرة إلى حد ما.
فعندما يتحدث عن اللعبة الأكثر شعبية في العالم يقول إن كرة القدم لم تعد كما كانت من قبل، فقد بدأت كرياضة بريئة يناصرها الفقراء الذين كانوا يلعبونها في الأزقة الضيقة والساحات المتربة، ويشجعونها بجنون، حتى أن بعضهم كان مستعدا لارتكاب جريمة قتل أو فقدان حياته في أحداث الشغب، التي لا تخلو منها المباريات الكبيرة والمصيرية بالنسبة لهؤلاء الذين لم يكن يشغلهم غير تلك الكرة المطاطية العجيبة، حيث كانوا يسقطون كل أحلامهم وأمانيهم على هدف في شباك الخصم يحقق لهم انتصارات رياضية، بعد ما خسروا فرصهم في تحقيق أحلام أكبر وأكثر أهمية.
ولكن عقب أن تحولت الرياضة إلى صناعة رابحة، ولم يعد الفقراء هم الزبائن المفترضون، ففقد نجوم الرياضة حياتهم العفوية، وصاروا مراقبين من قبل وسائل الإعلام طوال اليوم، وهذا ما جعلهم مطالبين بنمط حياتي معين، فجمهورهم صار من الطبقة الوسطى التي تدفع النقود من أجل أن تعيش متعة ارستقراطية لا يعكرها رياضي يفعل ما يحلو له دون اعتبارات أخرى.
وعندما يتحدث صاغية عن السطوة الأميركية، لا يتطرق إلى الأسلحة بأنواعها، بل عن شطائر (ماكدونالد) التي اكتسحت المطاعم الأوربية، وما زالت تحقق نجاحات مستمرة رغم الاعتراضات الكثيرة من الأوروبيين أنفسهم، ويقرن ذلك بالاعتراضات التي كان يشنها الاتحاد السوفيتي على بنطال الجينز الذي انتشر بين الشباب الروس إثر انهيار النظام الشيوعي.
كما يتناول السياسيين الأميركيين الأكثر شهرة في العالم، ومنهم هيلاري كلينتون القوية والصارمة، التي لم تكتف بحمل لقب السيدة الأولى في البيت الأبيض، إضافة إلى طرحها الكثير من الأفكار الجريئة، كدفاعها عن حق البنات في الإجهاض دون مشورة ذويهم، وهذا ما استدعى حملات شنيعة ضدها، وتحدثت أطرفها عن أن من حق بيل كلينتون إقامة علاقات مع النساء لأن زوجته تفتقد إلى الأنوثة.ومن الطبيعي أن لا يخلو مثل هذا الكتاب من مقالات سياسية تحاول الخروج عن المعتاد في الشأن اللبناني.
فالكاتب يحاول أن يبقى على الحياد كي لا يحسبه القراء مع فئة دون الأخرى، وهذا لم يمنع بروز وجهة النظر الشخصية في الكثير من القضايا، ولم يعفه من انتقاد كافة الأطراف السياسية مجتمعة دون إفراط وفي الوقت ذاته، ودون الوقوع في مطب السطحية التي لا تستهوي القارئ الذي يبحث عن الجرأة كمطلب أساسي لا يمكن التفريط فيه.
لهذا استعرض الكاتب صاغية رموز السياسية اللبنانية في أسلوب كاريكاتوري يمارس خلاله النقد الجاد متقصدا الابتعاد عن التهكم والإسفاف، ولكن هذه المعادلة من المحال أن تنجح تماما في لبنان، ذات الانتماءات السياسية المتناقضة حتى العداء، والمتعددة حتى الدهشة.
الكتاب: نانسي ليست كارل ماركس
تأليف: حازم صاغية
الناشر: دار الساقي بيروت 2010
الصفحات: 374 صفحة
القطع: الكبير
سامر أنور الشمالي