يوضح مؤلف الكتاب أن هناك مجموعة من العوامل تسبّب الإخلال بالتوازن البيئي، وهذه العوامل هي: البشرية والطبيعية والحيوية، مشيرا إلى أنه تعدّ عملية تبادل المادة والطاقة السبب الرئيسي في حدوث العلاقات المتبادلة بين عناصر الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى حدوث حركة مستمرة لهذه العناصر، نتيجة تأثير العمليات الحيوية وغير الحيوية، بخاصة عمليات التركيب الضوئي، هذه العملية المستمرة في الماضي والحاضر والمستقبل.
وبفضل التوازن الدقيق لدورة العناصر والمكونات الطبيعية فإنّ جميع العناصر الموجودة في الطبيعة توجد في إطار دورة بيوجوكيمائية، بما في ذلك العناصر والغازات الموجودة في الهواء والماء والتربة، وكذلك النفايات المختلفة، فتتحول من حالة إلى حالة أخرى.أمّا الطاقة فلا تأخذ شكل دورات، لأن هناك مصدراً يمدّ الكرة الأرضية بالطاقة منذ بداية تكوينها وهو الشمس، ويمكن التمييز بين دورتين أساسيتين للعناصر الطبيعية، هما: الدورة الكبرى، وتسمى بالدورة الجيولوجية. والدورة الصغرى، وتسمى بالدورة البيولوجية، وأهم الدورات هي: الأوكسجين ـ النتروجين ـ الكبريت ـ الفوسفور ـ الماء.
إنّ تأثير البيئة في الإنسان قد يكون تأثيراً مباشراً أو غير مباشر، وبدرجات وأشكال مختلفة باختلاف العناصر البيئية، ومنها العناصر المناخية والموقع وشكل التضاريس والمياه والنبات والتربة، كذلك فإن الإنسان يؤثر في البيئة، وتأثيره فيها لم يتوقف منذ وجد الإنسان وحتى يومنا هذا.
وبالطبع ليست جميع تأثيرات الإنسان في البيئة تأثيرات سلبية، وإنما الكثير منها إيجابية وضرورية، مثل العمران واستغلال الموارد والثروات المعدنية والباطنية. إنّ الموارد الطبيعية المتجدّدة يتم استغلالها بشكل يفوق قدرتها على التعويض أو التجدّد، ما يسبب ضغطاً شديداً ومتزايداً على موارد الأرض.
ولقد وفرّ كوكب الأرض للكائنات الحية مستلزمات الحياة من خلال توافر الموارد الطبيعية، كالهواء والماء والتربة والنبات والحيوان والمعادن، وغير ذلك، من خلال نظام تبادل المنفعة، حيث يستمد كل عنصر وجوده من خلال بقية الكائنات الحيّة والعناصر غير الحيّة، بحيث يتحقق التوازن البيئي في الوسط الحيوي كله.
كما أن الموارد الطبيعية في البيئة التي تعود إلى الأنماط النباتية والحيوانية والصلبة والسائلة والغازية، تكوّن بشتى أنواعها نظاماً بيئياً متكاملاً، وقد تعرضت خلال فترات زمنية مختلفة إلى ضغوط وتأثيرات مختلفة ومتفاوتة، كالتلوث والاستنزاف وكوارث الانقراض.
ومن أجل حماية الموارد الطبيعية لا بدّ من اتخاذ الإجراءات المدروسة من قبل الحكومات والشعب، بهدف الاستغلال المنطقي والعقلاني للموارد والطبيعة بغرض حمايتها وإصلاحها والمحافظة على الطبيعة من التدهور والتلوث، بحيث يؤدي ذلك إلى خلق ظروف مثالية مناسبة لحياة المجتمعات البشرية والاستجابة لجميع احتياجاتها المادية والثقافية للأجيال الحالية والأجيال المقبلة.
وتولي الجغرافيا أهمية خاصة لدراسة التغيّر الذي يتعرض له النظام الجغرافي، وشدّة هذا التغيّر ومقياسه ودراسة عواقب التأثير البشري المصطنع، ومعرفة مصادر الملوثات ونوعيتها وتركيبها وانتقالها.
وتساعد الجغرافيا في تقديم الحلول المناسبة للكثير من المشكلات البيئية المعاصرة، بخاصة تلك المشكلات التي يتعرض لها الغلاف الجغرافي، لأن تلك المشكلات لا يمكن حلها إلا من خلال دراسة العلاقة المتبادلة المباشرة وغير المباشرة بين مختلف عناصر الغلاف الجوي وأخذها بالحسبان.
إنّ التنبؤ والاستشراف له أهمية قصوى بالنسبة للجغرافيين، لأنه يساعدهم في تقديم تصورات معينة لمستقبل أية مشكلة تواجههم، والجغرافي يستطيع عن طريق استخدام المعطيات المختلفة المتوافرة، تطوير أساليب علمية للتنبؤ بالمشكلات التي تتعرض لها البيئة، والعواقب الناتجة عن ذلك، واقتراح الحلول المناسبة للحد من هذه المشكلات وأخطارها، ومن المفترض أنّ تأخذ مثل هذه الدراسات الطابع الهرمي، أي تبدأ من مستوى الأقاليم ثم الدول فالقارات وأخيراً العالم.
وإن أية مشكلة عالمية لا يمكن إيجاد حلّ مناسب لها من دون تحضير تمهيدي لها على مستوى الإقليم، والبحث عن طرائق متخصصة لحلّ هذه المشكلة في الظروف المحلية: الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه الإجراءات تعد جزءاً مهماً من عملية التنظيم المكاني الذي يعد من أهم وظائف الجغرافيا المعاصرة.
الكتاب: الجغرافيا والبيئة
تأليف: د. محمد محمود سليمان
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة دمشق 2009
الصفحات: 360 صفحة
القطع: المتوسط
فيصل خرتش