كرّس المؤرخ الفرنسي ايمانويل لوروا لادوري، الكثير من جهوده، لكتابة تاريخ المناخ. ورفع هذا المشرب من البحث إلى مصاف علوم الاقتصاد والتكنولوجيات والعلوم الإنسانية. وهو يختم سلسلة كتاباته السابقة العديدة عن المناخ، بكتاب أخير يحمل عنوان "تقلبات المناخ، من عام 1000 حتى اليوم". ويقوم المؤلف بدراسة تقلّبات المناخ، انطلاقا من مجموعة معطيات، ذات علاقة بالمناخ، مثل: "وفرة المحاصيل" "تواريخ القطاف"، "كمية الأمطار الهاطلة"، وأيضا غير ذلك من ظواهر طبيعية، تدل على حالة المناخ في زمنها.
ويستفيد المؤرخ ايمانويل لوروا لادوري، في هذا الكتاب، من مساعدة دانييل روسو، المدير السابق للمدرسة الوطنية الفرنسية للأحوال الجوية.، خصوصا وأن المؤرخ نفسه، أصيب بارتخاء في عضلات العين، بسبب تقدّم السن، وعليه أن يملي نصوصه على آخرين.
وبعد تقديم المؤلف على مدى عدة صفحات، مصادر بحثه وطرقه، يكرّس فصلا في الكتاب لدراسة المناخ في العصور الوسطى الأوروبية، قبل الحديث عن فترة العصر الجليدي الصغير، في القرن الرابع عشر، ثم عملية ذوبان الجليد وعصر الأحوال الجوية والحروب والسلام. والفصول الستة الأخيرة من الكتاب مكرّسة لدراسة تقلّبات المناخ، منذ عام 1500 حتى اليوم.
ويشرح ايمانويل لوروا لادوري، أن البشر، كانوا يولون دائما اهتماما كبيرا للمناخ، ذلك أن الكثير من جوانب حياتهم، وسبل معيشتهم مرتبط فيه إلى حد كبير، كما أن نشاطاتهم كلها، الاجتماعية منها أو الثقافية، تنتظم على أساس المعطيات المناخية التي يؤدي تقلّبها إلى تغيّر جذري أحيانا في نمط حياتهم.
ولكن كيف نعرف اليوم إذا كان الجو حارا أو رطبا باردا، عندما قامت مذبحة سان بارتيليمي التي راح ضحيتها عدة آلاف من البروتستانت على يد الكاثوليك؟ وكيف نعرف إذا كانت هذه المعركة أو تلك، من الحروب المسماة : "حروب المئة سنة"، جرت في يوم مشمس أو أثناء هطول الأمطار؟
للإجابة على مثل هذه الأسئلة، يقوم المؤلف بعملية جرد لجميع الوسائل المتوافرة، بغرض تكوين فكرة عن طبيعة المناخ وواقع درجات الحرارة في الماضي البعيد. ومن بين هذه الوسائل الأشجار العتيقة، والتي من السهولة بمكان، حساب عمرها، من خلال مقطع في جذعها. ذلك أن كل سنة تتناظر مع حلقة في المقطع، تدل سماكتها على طبيعة المناخ أثناءها.
فالجذع يتضخّم أكثر في المناخ الملائم، بينما يكون التضخم ضئيلا في المناخ غير الملائم. وتدل التجارب في هذا المضمار، على وجود أشجار بالمناطق الغربية من أميركا، يبلغ عمرها 1500 سنة.
ويولي المؤلف اهتمامه لتواريخ الحصاد والقطاف، المدوّنة بدقّة في سجلاّت البلديات، في مختلف أنحاء القارة الأوروبية. ويشير الى أنه، في ما بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، لم يكن قرار الشروع بقطاف العنف فرديا، بل كان هناك خبراء يقررون حالة نضج العنف، ثم يعطون الأوامر للشروع بالقطاف جماعيا. وهناك مثل ريفي شائع في أوروبا، يقول: "سنة حافة هي سنة جيّدة للنبيذ". والمثال الذي يضربه المؤلف على تلك الحالة، عام 1718، حيث تمّ الشروع مبكّرا، بقطاف العنب.
كما أن عائدات ضريبة ال 10 بالمئة، التي كانت تتعاطاها الكنيسة عن المواسم، والمدوّنة في دفاتر حساباتها، تبدي أيضا، سنوات المواسم الجيدة والسنوات السيئة. وهكذا مثلا، شهد العام 1654، تركيز رجال الكنائس على الصلوات من أجل هطول الأمطار الضرورية لنمو القمح. وهذا يعني أن تلك السنة كانت جافة. ويخلص المؤلف إلى أن الكنائس كانت تقوم بدور الشركات الكبرى، خلال العصور الوسطى والقرون التي تلتها، حتى عصر النهضة الأوروبي.
ومن خلال تقلبات المناخ، يلقي الكتاب، الضوء على تاريخ الأوروبيين، على مدى عشرة قرون.
الكتاب: تقلبات المناخ من عام 1000 حتى اليوم
تأليف: ايمانويل لو روا لادوري
الناشر: فايار باريس 2011
الصفحات: 332 صفحة
القطع: المتوسط
Les fluctuations du climat
Emmanuel Le Roy Ladurie
Fayard- Paris 2011
332 .p