يبين كتاب "لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم ؟"، للمفكر الإسلامي الراحل شكيب أرسلان، ان ما حدث حدث، حيث وضحت ورسخت ركائز الضعف والانحطاط في جسد وفكر الأمة الإسلامية، وبذا لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب، لكن وجب علينا أن نبحث في الأسباب التي أوجدت هذا التقَهقُر في العالم الإسلامي، بعد أن كان منذ أربعة عشر قرنا هو الصدر المقدم، والسيد المرهوب المطاع.

ويرى أرسلان أن أسباب ارتقاء المسلمين في الماضي، إنما ترجع إلى الإسلام، ويبين أنه إذا فحصنا ذلك، وجدنا أن السبب الذي استقام به المسلمون سابقًا، قد أصبح مفقودا بلا نزاع، وإن كان بقي منه شيء، فهو كباقي الوشم في ظاهر اليد.

ويؤكد المؤلف، انه، وفي حال قُمنا بعمل مقابلة بين حالي المسلمين والإفرنج اليوم، سنجد أن المسلمين، فقَدوا الحماسة التي كانت عند آبائهم، وقد تخلق بها أعداء الإسلام الذين لم يوصهم كتابهم بهذا، فترى - حسب قول المؤلف- أجنادهم تتوارد على حياض المنايا سباقًا وتتلقَّى الأسنة والرماح عناقًا، فلقد فقَدوا الغالي والنفيس، وضحوا بأغلى ما عندهم، ألا وهي نفوسهم - في سبيل نشر دينهم الباطل، أما نحن فهل ينصرنا الله - عز وجل - بدون عمل؟ بالطبع لا.

ثم يجمل أرسلان أسباب تأخر المسلمين، فيحصرها في عدة أمور، وهي: الجهل والعلم الناقص، فساد الأخلاق،الجبن والهلع، اليأس والقنوط، نسيان المسلمين ماضيهم المجيد، شبهات الجبناء والجهلاء، ضياع الإسلام بين الجامدين والجاحدين.

كما أطال أرسلان في الحديث، ضمن كتابه، عن الرجعية والتقدم والجمود والجحود، وذكر ضمن كلامه، مثال اليابان ورقيها. فجعَلها عبرةً للعرب وسائر المسلمين.

وأما عن شبهة مدنية الإسلام، فأفرد المؤلف بحثا خاصا في جوابه بهذا الشأن، ورد على زعم من زعم، أن الإسلام لم يتمكن من تأسيس مدينة خاصة، ثم ساق ارسلان الاستدلال على ذلك بحالته الحاضرة، وقال ان هذا الكلام خرافة يموه بها بعض أعداء الإسلام من الخارج وبعض جاحديه من الداخل، ولكل منهم هدفُهم، فالأعداء يريدون أن يصبغوا المسلمين بالصبغة الأوروبية. وأما الجاحدون فيريدون أن يزرعوا في العالم الإسلامي بذور الإلحاد.

وبعد ذلك، رد أرسلان على حساد المدنية الإسلامية المكابِرين، والذين نسوا فضل الإسلام وحضارته وتراثه. وضرب أمثلة على الأمم الأخرى لأجل المقابلة، فذكر اليونان والرومان، قبل النصرانية وبعدها. وهو يرى أن القائلين بأن الإسلام قد كان سبب انحطاط الأمم الدائنة به، لا مفر له من القول بأن النصرانية قد أدَّت إلى انحطاط اليونان، وكذلك كانت روما في عصرها الدولةَ العظمى التي لا يذكر معها دولةٌ، ولم تزل هكذا إلى أن تنصرت لعهد قسطنطين، فبدأت في الانحطاط .. أيعقَل أنْ نقول أيضا: إن تدينها هو سبب تخلفها؟

ثم ذكر المؤلف أن سبب تأخُّر أوروبا واليابان في الماضي، وسبب نهضتهما الحاضرة، ليس الدين، فما من داع لإدْخال الأديان في هذا المعترك، ومن ثم جعلها هي وحدها معيار التقدم والرقي والتردي.

وشدد ارسلان في كتابه على ان الإسلام، وبلا جدال، سبب نهضة العرب وفُتوحاتهم المدهشة، وهو ما أجمع على الاعتراف به المؤرخون شرقًا وغربا، ولكنه لم يكن سبب انحطاطهم في ما بعد، كما يزعم المفترون الذين لا غرض لهم سوى نشر الثقافة الأوروبية بين المسلمين، دون ثقافة الإسلام، وبسط سيادة أوروبا على بلدانهم، بل كان السبب في تردي المسلمين هو أنهم اكتفوا في آخر الأمر من الإسلام بمجرد الاسم، ولكن الإسلام اسم وفعل.

ثم يبين أرسلان أن أسباب نهضة العالم الإسلامي من جديد كثيرة ولا حصر لها، ومن أهمها حث القُرآن الكريم على العلم. ويرى أن هذا الحث لهو أقوى باعث للمسلمين على سبقهم لسائر الأمم في الرقي، ويقول إن أسباب انحطاط المسلمين في العصر الحديث هي أسبابه في العصر القديم، لكن زاد عليها فقْد كل الثقة بالنفس، وهو ما يسمى في علم النفس عقدة النقص؛ فلقد دب اليأس في نفوس المسلمين - إلا من رحم الله - وظنوا - بل تيقَّن بعضهم - بعدم النصر، ووثقوا في ذلك.

ويرى أرسلان أن المسلمين إذا تعلموا العلوم العصرية استطاعوا أن يعملوا الأعمال العمرانية التي يقوم بها الإفرنج، وهناك أمثلةً كثيرة على قدرة المسلمين لنهوض العمران؛ وذكر الخط الحديدي الحجازي، والغاية من إنشاء هذا الخط، ومداه، وتعطيل كل من إنجلترا وفرنسا لهذا الخط.

ودعا أرسلان جميع الأمم إلى ان تعي أهمية الإصلاحات المعنوية والمادية في البلاد الإسلامية؛ فالشريعة لا تعرف حسبا ولا نسبا، وإنما أكرم الناس عند الله أتقاهم.

وفي النهاية يرى أرسلان أن المسلمين لن ينهضوا إلاَّ بالأشياء التي نهض بها غيرهم، وقد ذكر أمثلةً لهذه الأشياء، ومنها: الجهاد بالمال والنفس، والعلم.

 

 

 

 

الكتاب: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم ؟

تأليف: الأمير شكيب أرسلان

الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة مصر- ط2 -2012

الصفحات:152 صفحة

القطع: المتوسط