يعد نابليون أحد أعظم، إن لم يكن الأعظم، الشخصيات السياسية في التاريخ الفرنسي كله. كما انه، في الوقت نفسه، شخصية تاريخية بارزة، أثارت أكبر قدر من الإعجاب ومن البغض، في التاريخ الفرنسي، وذلك كما يقول جان تولار، عضو الأكاديمية الفرنسية للعلوم الاجتماعية والسياسية، ومؤلف هذا الكتاب: "قاموس عاشق لنابليون"، الصادر، اخيرا، في إطار سلسلة "قاموس عاشق لـ..." التي قدّمت دار نشر "بلون"، في إطارها، عشرات الأعمال التي لاقت، استقبالا مرحّبا من قبل جمهور القرّاء.
ويشرح مؤلف الكتاب، ان مثل هذه الشخصية المثيرة للجدل، تجعل من الصعب كتابة قاموس عاشق عنها، من دون مواجهة الاتهام بالتحيّز، وعدم الموضوعية. ولكن الحب لا يعمي بالضرورة، كما يقول، وبالتالي يمكن الحديث بـ"حب" عن نابليون، من دون محاولة طمس أو تجاهل أخطائه ونقاط ضعفه العديدة. ثم إن هذه الأخطار ونقاط ضعفه العديدة، تجعله أحيانا، أكثر قربا من البشر العاديين، وكذا تبعده عن الصورة الأسطورية.
ويصحح المؤلف بعض ما يسميه، بـالأخطاء الشائعة، بشأن شخصية نابليون ومساره السياسي والعسكري، مؤكدا عدم دقة المقولات التي تتردد، حول أن كلفة الحروب النابليونية، بلغت مليون قتيل من جنوده. وعدم دقة القول بان تلك الحروب كانت وراء إفقار فرنسا، ماليا.
ثم يشير إلى ضرورة شرح الظروف التي قرر فيها نابليون، تنفيذ حكم الإعدام بعدد من خصومه، وكذلك شرح الأسباب التي كانت وراء هزيمة الإمبراطور في معركة "واترلو" الشهيرة. ويجد أن المطلوب، تقديم شروحات وتفاصيل دقيقة حول هذه القضايا، من أجل إمكانية الحكم على نابليون بطريقة أفضل.
ومن الواضح أن جان تولار، يحاول أن يأخذ مسافة، اي متوخيا القالب والمسلك الحيادي الموضوعي، عن موضوع كتابه. فهو يدرس شخصية نابليون بكل مظاهرها، الخاصة منها( مثل قبعته الشهيرة وعلاقته مع النساء، ويده المعلّقة دائما بسترته). وكذلك العامة (من خلال حروبه ،والقوانين التي سنّها وعلاقته مع رجال دولته من أمثال "تاليران" و"فوشيه":الشخصيتين الشهيرتين بتاريخ فرنسا السياسي).
ولكن نابليون، والذي يريد المؤلف الحديث عنه كثيرا، هو الذي يحدده بالجملة التالية: "ما يثير إعجابي لدى نابليون، أنه الشخصية التاريخية التي طالما جرى ذكرها في نوع أدبي أحبّه كثيرا، ألا وهو الرواية البوليسية". وتتم الإشارة في هذا السياق، الى أن نابليون، يمثل الشخصية التاريخية الأكثر حضورا في السينما.
ويرى المؤلف أن نابليون أمضى أياما مأساوية في منفاه الأخير بجزيرة "القديسة هيلانة". ولكن تلك الفترة ليست معروفة بشكل جيد حتى اليوم. ويلفت هنا، الى أن نابليون الحقيقي، آنذاك، يمكن التعرّف عليه، من خلال الدفاتر التي كتبها الجنرال برتران، المكلّف بحراسته ورفقته، والذي كان يدوّن، يوما بيوم، كل ما يفعله نابليون، من دون أن تكون لديه نيّة النشر. وتلك الدفاتر تقدّم الإمبراطور الذي أنقذ الثورة الفرنسية ومكتسباتها، على أنه كان متألما ومصابا مزمنا بالزكام، حتى لحظات احتضاره.
ومن السمات الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف في شخصية نابليون، أنه كان يمتلك ثقافة تاريخية واسعة. ويعتبر أن مثل هذه السمة، لا بد منها لرجل السياسة الناجح. وبالتالي كان رجال الدولة الفرنسيون الكبار، منذ القديم وحتى اليوم، في عداد من يمتلكون تلك الثقافة. ويتم في هذا السياق، ذكر أسماء: الجنرال شارل ديغول وجورج بومبيدو وفرانسوا ميتران.
ويشرح جان تولور هنا، أن نابليون وضع حدا للجمهورية التي أعلنتها الثورة الفرنسية، عندما عاد إلى السلطة عام 1814. ولكنه اعترف، حينها، بمبدأ المساواة. وأقرّ بيع الممتلكات العامة، وأنهى الإقطاعية. ويؤكد المؤلف، ان هذه هي الأعمال التي قام بها نابليون، والتي تقتضي النزاهة، ضرورة الدفاع عنها، وليس إدانته وإدانتها. ويضيف بانه إذا كان نابليون قد أقام بعد ذلك ديكتاتورية، فإنما فعل ذلك من أجل "السلام الاجتماعي العام". وبهذا المعنى يرى فيه "المنقذ الأول" في التاريخ الفرنسي، بعد جان دارك.
يعود مؤلف الكتاب-القاموس، إلى كتابات نابليون نفسه، كثيرا. ويتحدث في هذا الصدد، عن إعجابه بتلك الرسائل الغرامية التي كتبها لجوزفين، المرأة التي أحبها، ولكن يلفت الى أن تلك الرسائل أظهرته أيضا، في موقع الرجل الرصين، بالقياس إلى ذلك الفتى التي كان يخصص شطرا طويلا من الليل، في حي "باليه روايال" في باريس، للبحث عن "مغامرة"
ومن كتابات نابليون التي يذكرها المؤلف، تلك التي تعود إلى سنوات شبابه. إذ يتحدث في احداها، عن فكرة الانتحار، حيث نقرأ هنا: "أنا وحيد دائما بين الآخرين. لذلك سأنزوي داخلا للحلم مع نفسي، وللتأمل في ما يحتويه حزني من حيوية. فإلى أين توجهت أفكاري اليوم؟ لقد ذهبت ناحية الموت. ربما أنني سأموت. أليس من الأجدى أن يضع المعنى حدا لحياته؟
ونجد مع شروحات ولفتات المؤلف، صورة أخرى لنابليون، والذي حظي حتى الآن بأكثر من 70000 كتاب. ومن الواضح أن جان تولار، أراد أن يكون موضوعيا وحازما، مركزا على كتاب في التأريخ لأحد أكثر فترات التاريخ الفرنسي إثارة للمشاعر.
الكتاب: قاموس عاشق لنابليون
تأليف: جان تولار
الناشر: بلون - باريس- 2012
الصفحات: 594 صفحة
القطع: المتوسط
Dictonnaire amoureux de Napoléon
Jean Tulard
Plon - Paris- 2012
594 .p