يحاول كتاب (الأكراد الأيزيديون في العهد العثماني)، لمؤلفه أحمد سينو، تسليط الضوء على الفترة الواقعة بين مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وقيام الحرب العالميّة الأولى، ويقدم صورة تاريخيّة شاملة للأكراد في العهد العثماني، على قاعدة أن التاريخ المجزأ، لا يفهم ولا يعطي الرؤيّة المناسبة، في إطار عدم الفصل بين الأحداث السياسيّة والعسكريّة والحالة الفكريّة والاجتماعيّة، والمؤثرات الدوليّة والإقليميّة، وانعكاساتها على الواقع الكُردي الأيزيدي كجزء لا يتجزأ من التاريخ الكُردي الحديث في المنطقة.
ومن المعروف أنّ موضوع الأكراد الأيزيديين لم يولّ الاهتمام المطلوب من قبل الدارسين، كما لم تقدم دراسات حقيقيّة عن أوضاعهم، ولا سيما في بلاد الرافدين بشكل شامل ما يعزز أهميّة هذه الدراسة الطويلة عن واقع الأيزيديين والعلاقة التي كانت تحكم هذا المكون مع السلطات الحاكمة تاريخيّاً، ولا سيما في العهد العثماني.
يقول سينو:"ما يثير الدهشة هو حجم التشويه الذي تعرض له الأكراد الأيزيديون في منطقة كُردستان وبلاد الرافدين وذلك بحجم الصراعات الدوليّة والإقليميّة وحتى المحليّة ذات الأبعاد العرقيّة والإثنيّة والطائفيّة التي سخرت لنيل مآرب أصحابها ومصالحهم ومطامعهم في المنطقة وذلك في مختلف العصور المتعاقبّة على بلاد الرافدين"، ويرى سينو أنه طال هذا التشويه اسم الأيزيديّة وانتماءهم العرقي - حيث هم أكراد - وجوهر عقيدتهم وموروثهم الاجتماعي والثقافي والديني واستمر ذلك على مدى قرون طويلة، وحتى فترة قريبة من الآن.
وبحسب معظم الكتّاب والمؤرخين القدامى والمحدثين، من العرب والأجانب والعراقيين ذوي الأصل الكُردي يؤكدون بما فيهم سعيد الديوه جي الذي يقول حسب تعبيره: الأيزيديّة أكراد ولغتهم هي اللغة الكُرديّة وهي لغتهم الدينيّة أيضاً.
ويسلط المؤلف الضوء على الصراع العثماني الصفوي على بلاد الرافدين، وكيف أثر هذه الصراع على السكان، خاصة الكُرد الأيزيديين، لأنه بانتصار سليم الأول في معركة جالديران 1516 م ثم معركة قوج حصار 1516 م صارت معظم مناطق الكُرد والكُرد الأيزيديين في حوزة الدولة العثمانيّة، التي اعترفت بالزعامات المحليّة الكُرديّة والأيزيديّة. وحسب المؤلف انّ علاقة الأيزيديين كانت حسنة مع العثمانيين في أول أمرها، في عهد سليم الأول وسليمان القانوني ومراد الرابع لكن سرعان ما طرأ عليها تغيير جذري اتسم بالتوتر والعداوة بين الطرفين إثر تجريد الحملات العسكريّة عليهم عبر .
ولاة بغداد والموصل تارة على سنجار وأخرى على مركزهم في الشيخان (مركز الأيزيديين)، ويقول سينو:"لقد بقي الوضع سيئاً من جميع جوانبه، الاقتصاديّة والاجتماعيّة طيلة الفترة العثمانيّة، في كُردستان الرافدين بل نستطيع القول إنّ الدولة العثمانيّة كانت شريكاً أساسيّاً ومسؤولة عن الفوضى العارمة التي سببتها في المنطقة"، وبحسب المؤلف أنّ الجذور الأولى للدين الأيزيدي تعود إلى المثرائيّة والزردشتيّة، فيما يفند المؤلف الآراء التي تقول على أن الأيزيديّة إحدى الفرق الإسلاميّة.
ويتناول المؤلف أهميّة وقدسيّة "لالش" النوراني، الذي يعد أهم مركز ديني ومحج عند الأيزيديين. كما أن عادات الزواج وطقوسه والختان والكرافة هي نوع من التحالف بين الأسر، لجأت إليها الأسر الأيزيديّة لحماية نفسها من الظلم الاجتماعي العام، ولعل المرأة الأيزيديّة هي من أكثر شرائح المجتمع الأيزيدي التي الحق بها الكثير من الغبن والإجحاف وسوء الفهم، وتعتبر الأميرة الأيزيديّة - ميان خاتون نموذجاً حقيقياً لدور المرأة الأيزيديّة في الحياة الاجتماعيّة.
بقي القول إنّ الدولة العثمانيّة جندت حملات متكررة على مناطق الكُرد الأيزيديين في الشيخان وسنجار، وغيرها من المناطق، ولم تستطع القضاء عليهم، لكنها ألحقت بهم أضراراً بالغة (حسب المؤلف)، اقتصادياً وبشرياً، كما أدت إلى تهجيرهم نحو مناطق القفقاس وأذربيجان ويريفان هذا في وقت يُعرف عن الأيزيديين تميزهم بأفضل العلاقات مع جيرانهم، والتاريخ يعرف أنهم هم أول من وفروا الحماية للأرمن والآشوريين من حملات الإبادة التي تعرضوا لها من جانب الدولة العثمانيّة، قبيل الحرب العالميّة الأولى وخلالها.
الكتاب: الأكراد الأيزيديّون في العهد العثماني (دراسة تاريخيّة سياسيّة دينيّة اجتماعيّة اقتصاديّة)
المؤلف: د. أحمد سينو
الناشر: دار الزمان - دمشق 2012
الصفحات: 468 صفحة
القطع: الكبير