يعتني كتاب " النقد المسرحي المعاصر.. الإشكاليات والممارسات والتحديات"، لمجموعة من المتخصصين، بتحليل جوانب الخلل في مضمون العمل النقدي المسرحي، في العالم العربي. ويبين الباحث عز الدين جلاوجي، في هذا السياق، أنَّ الاهتمام بالنقد جاء متأخراً عن الحركة المسرحية، أكثر من ثلاثة عقود. وهو ما يعني أنَّ الفعل المسرحي، انطلق أعرج. وذلك من زاوية أهم، ذلك حين نلاحظ أنَّ الاهتمام انصب على النص، وعلى مضامينه ولغته.. وعلى التأريخ له وعلى الأفكار فيه، بعيداً عن الخشبة، على خلفية أنَّ الذين حملوا همَّ النقد في هذه المرحلة، هم الرواد الأوائل وكانت علاقتهم بالأدب أساساً لا بالخشبة.

كما رأى الناقد السوري أنور محمد، أنَّ هناك نقادا ولكنَّك تراهم حتى في التنظير، لا يخترقون النص ولا العرض، بل يفعلون كمن يغسل التفاحة ليأكلها، ثمَّ لا يلبث يرميها في سلة الأوساخ، مؤكدا انه على الناقد أن لا ينتظر مجيء غودو، وإلاَّ مات أولاده من الجوع، ومات شعبه من العبودية.

وكذا اندثر الجمال من على وجه الأرض.فالفكر النقدي المسرحي العربي لا يعرف الصراع، كوننا نسمع عن متمردين أصحاب فكر ثوري، ولكنَّهم أسرى الثوابت العقائدية، وبالمقابل هناك محافظون ورجعيون، لكنَّهم لم يصطدموا مع الثوريين. ويوضح الدكتور حميد أتباتو، من المغرب، أنَّ النقد المسرحي، تبعاً لاحتياجات ثقافية وضرورات تاريخية، أُلزم بأن يتحقَّق كقراءة للمنجز المسرحي تنشغل بالكثير من قلق التنظير لهذا المسرح. ولما يجب أن تكون عليه طرائق نقده وقراءته. وهكذا تحرَّك النقد المسرحي المغربي في تاريخه خدمة لرهانات عديدة. ويذهب

الناقد العراقي، الدكتور علي عواد، إلى أنَّ الاهتمامات المعاصرة بالتلقي المسرحي، بدأت في النصف الأوَّل من سبعينيات القرن الماضي، ونتج عنها ظهور آفاق جديدة في النقد المسرحي، ركَّز بعضها على الحاجة إلى تقديم نظرية متطورة حول المتلقي في المسرح.

ويقترح بعضها الآخر قراءات متعددة المشارب، تمتح من أطر مرجعية فلسفية أو علمية أو جمالية، في سياق دراستها للعلاقة المسرحية بين منتج العرض المسرحي ومتلقيه. ويلاحظ واسيني الأعرج، من الجزائر، في مداخلته، وجود غياب في مجتمعات اللامسرح، شبه كلي، للمسارح الصغيرة المساعدة والحوارية، التي تغني المسارح الاحترافية، بشراً ومواهب وتقنيات. ففي حيّْ باب الزوَّار وعين نعجة مثل.

وهما من الأحياء الجزائرية الحديثة، التي يقطنهما الآلاف من الناس من كل الفئات الاجتماعية، لا يوجد مسرح واحد يمكن أن يشكِّل مكاناً يرتاده محبو المسرح. ولا يوجد حتى مقهى للمحاورة، ماعدا مقاهي الإنترنيت، التي تؤكِّد على العزلة أكثر من فعل التواصل، على الرغم من قيمتها واستغلالها كوسيط مسرحي. واما الدكتور، أحمد حبيبي، من موريتانيا، فيجد أن المسرحيين العرب عاشوا قرناً صاخباً ممزقاً، بين محاولة إرساء قواعد المسرح التقليدي، ومحاولة التمرد بحثاً عن صيغ مسرحية جديدة تعتمد التجريب.

وكذا فإن عملية المراوحة هذه بين التقليد والتجريب، منعت المسرح العربي من تجاوز الهامش بالمعنى الاجتماعي والمديني، وحرمته من الارتباط العضوي بحياة الناس .

ويذكر الدكتور، الرشيد بو شعير، من الجزائر، أنَّ هناك مناهج نقدية مسرحية، كالبنيوية والسيميائية والتفكيكية. وكذلك هناك المنهج التفاعلي الذي يعد استجابة متطرفة لنظرية المتلقي والقارئ المبدع الذي يحل محل المؤلف، غير أنه أفرد حديثاً، عن نظرية بريخت الملحمية في المسرح، التي لاقت قبولاً وصدى عميقاً في النقد المسرحي العربي.

يؤكد الدكتور عبد الكريم بن علي بن جواد، من سلطنة عمان، أنَّ توظيف الأسطورة القديمة في المسرح العربي الحديث، لا يجب أن يقف عند حدود الرؤية الماضوية التي تتعامل مع الأسطورة كحقيقة مطلقة، ولا حتى عند الرؤية الجمالية للأسطورة، رغم ما لهذه الرؤية من أهمية مسرحية، لا سيما من حيث البعد الخيالي وتصوير العالم الغيبي.

ويختار الدكتور كريم عبود، من العراق، أن يبدي أهمية النظر إلى الممارسة الثقافية، باعتبارها كل الأجزاء، وذلك لنخلق من خلال جدليتها، فعلنا المسرحي الإبداعي الذي يمثل فلسفتنا عن المسرح ودوره في الحياة الاجتماعية، ولنتساءل من خلال تأكيد تنوع النصوص الثقافية وبنياتها الفكرية والاشتغالية بوجودها الحي: هل إنَّ المسرح يشكِّل لنا فعلاً ضرورياً للارتقاء بالحياة والذائقة الفنية، لنخلق تقاليد مسرحية ثقافية في عالمنا المضرب؟ ولا يتردد الدكتور حافظ الجديدي، من تونس، في تأكيده على أنَّ غالبية المدارس النقدية، تتفق على قراءة العلاقة القائمة بين الممثل والشخصية.

وأنَّ النقاد، بالمجمل، عالجوا هذه المسألة من الجانب النظري الفلسفي، أي من خارج الممارسة الفعلية للفعل المسرحي.

 

 

 

 

الكتاب: النقد المسرحي المعاصر الاشكالات والممارسات والتحديات

تأليف: مجموعة باحثين

الناشر: وزارة الثقافة الجزائرية المهرجان الوطني للمسرح المحترف الجزائر 2011

الصفحات: 390 صفحة

القطع: المتوسط