يقال عن العالم نيكولا كوبرنيك، إنه من دشن الثورة العلمية التي كانت الثورة الصناعية الكبرى، ابتداءً من القرن الثامن عشر، من أهم ثمراتها. وبالتالي هو الذي "غيّر" العالم. والباحثة العلمية دافا سوبيل، تكرّس له كتابها الأخير، بعنوان: "فضاء أكثر اكتمالاً"، إذ تحاول أن تشرح فيه "كيف غيّر كوبرنيك العالم".

كما يقول عنوانه الفرعي. وإذا كان الجميع يتفقون على المساهمة العلمية الكبرى في المسار الإنساني الحديث، فإن مؤلفة الكتاب تولي بالأحرى، اهتمامها الأول لدراسة "الآثار الاجتماعية" التي ترتبت على نظرياته واكتشافاته العلمية. وتحدد القول منذ البداية، إن الواقع الاجتماعي لتعبير الثورة، يأتي واقعياً، من عنوان كتابه الذي أصدره، تحت عنوان "حول الثورات"، قبل أن تشير مباشرة إلى أن كوبرنيك، الشخص، يبدو على قدر كبير من الغموض. لكن ما هي المساهمة الحقيقية لكوبرنيك؟

تشير المؤلفة في معرض الإجابة عن هذا السؤال، إلى أنه من السهل على الجميع، استحضار واقعة العالم نيوتن وهو يرقب التفاحة، بينما كانت تسقط بـ"فعل الجاذبية". أو تذكّر كيف أن غاليلي غاليليو، "تراجع" عن نظريته حول "كروية الأرض"، عندما رأى نفسه بمواجهة حكم القضاء عليه، من قبل الكنيسة. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لكوبرنيك، الذي لا يُعرف الكثير عن سيرة حياته، إذ باستثناء السنوات الخمس التي أمضاها في روما لدراسة القانون والطب وعلوم اللاهوت، انزوى في قريته الصغيرة بعدها في شمال إيطاليا.

وحيث كان الوسط الثقافي في "تلك الزاوية النائية من الأرض"، شبه معدوم، على حد قول كوبرنيك نفسه.. ولم يكن لكوبرنيك، الكثير من الأصدقاء، وفقط تعاون معه عالم الرياضيات، الشاب جورج جواشيم فون لوسن، المعروف باسم ريتيكوس، الذي قدم إليه ذات يوم، وبقي معه مدة عامين، حيث أعدّا معه، كتاب "حول الثورات" للطبع. ذلك الكتاب وصلت نسخة مطبوعة منه لمؤلفه، عندما كان على فراش الموت، بعد إصابته بنزيف دماغي.

وكان كوبرنيك قد تصور وجود منظومة كونية تتمركز حول الشمس، واستعاد بذلك نظرية كان قد قال بها بطليموس، على أساس التمركز حول الأرض، وهي النظرية التي كانت الكنيسة قد تبنّتها تماماً. ولذلك خشي كوبرنيك فرض رقابة صارمة على أفكاره. وبالفعل أصدرت الكنيسة قراراً بمنع كتابه "حول الثورات". إن مؤلفة الكتاب "دافا سوبيل"، تركز في فصلين من كتابها على العمل المشترك الذي قام به "كوبرنيك" و"ريتيكوس"، على مدى عامين كانا قد أمضياهما معاً.

والفصول الأولى من الكتابة مكرّسة لحياة كوبرنيك قبل "وصول" ريتيكوس، أما الفصلان الأخيران فهما عن متابعة تعاونهما، من بعيد، بعد رحيل ريتيكوس. وما تؤكده المؤلفة هو أن عالم الرياضيات كان باحثاً لامعاً، وثورياً عنيداً، "غامر بحياته عندما عمل مع كوبرنيك".

وتعتبر أنه كوبرنيك، هو في عداد أولئك العلماء الذين دفعوا عجلة التاريخ إلى الأمام. وتعود المؤلفة بأشكال كثيرة في الكتاب، إلى عام 1514، عندما وضع العالم نيكولا كوبرنيك، بعد انزوائه في قريته الصغيرة في شمال إيطاليا، الملامح الأولى لنظريته التي صدم فيها الكثير من حساسيات عصره، ومن "الثوابت الفكرية" السائدة آنذاك.

وذلك عندما وضع الشمس، وليس الأرض، في المركز الثابت الذي تدور حوله الكواكب الأخرى بما في ذلك الأرض. وتلفت إلى انه تعرّف علماء الرياضيات وبقية العلوم، على صعيد القارّة الأوروبية كلها، على أطروحات كوبرنيك، بصورة مخطوط. لكن صاحبها رفض نشره، خوفاً من أن يعرّض نفسه للسخرية.

وجرى في عام 1543 نشر "حول الثورات"، الكتاب الذي تصفه المؤلفة، أنه "غيّر نهائياً مكانة الإنسان في الكون الكبير". وكان نشر ذلك الكتاب قد جرى بعد "صراع مرير" خاضه ريتيكوس (زميله عالم الرياضيات)، من أجل إقناع كوبرنيك بترك مخطوطه يرى النور، ما كان له أثر كبير في المسار العلمي الإنساني اللاحق.

 

 

 

 

الكتاب: فضاء أكثر اكتمالاً كيف غيّر كوبرنيك النظرة إلى الكون?

تأليف: دافا سوبيل

الناشر: والكر وشركاه 2012

الصفحات: 288 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

A more perfect heaven

Dava Sobel

Walker and Company - 2012

288 .P