تعرف الجسور من الناحية العلمية بأنها منشآت راح الناس يشيدونها على مر الأزمان بغية تجاوز حواجز وعوائق طبيعية مختلفة تصادفهم في مسيرة حياتهم وبهدف التنقل والانتقال هم وأمتعتهم وبضائعهم من ضفة إلى أخرى.

 

لكن من الناحية العملية، التي قد لا تبدو مرئية من الوهلة الأولى، فإن الجسور ومعها الأنفاق ومختلف المعابر تسمح، في المقام الأول، بالتواصل والتواجد بين الناس ماديا ومعنويا، فعبرها تنتقل الأفكار والمشاعر والرسائل والأشواق والأخبار.

 

من الناحية المعمارية، تشيد الجسور عادة من الخشب أو الحجر أو المعادن أو الاسمنت المسلح وذلك تبعا لاستعمالاتها والوظائف المنتظرة منها، كما تعطى الجسور أسماء أو تصنيفات عدة.

 

فهي مائية عندما توظف لعبور المياه أو يمكن أن ترتفع فوق الطرقات والشوارع لتسهيل حركة السير أو ربما تستخدم في ميدان السكك الحديد أو قد تكون مخصصة لعبور المشاة، أما من الناحية الوظيفية أو الجدوى،.

 

فعلى الرغم من أن الاحصاءات والأرقام تستطيع رصد حركة الناس في مدينة ما والاتجاهات التي سلكوها والأنفاق والجسور والشوارع التي عبروها.

 

لكن هل يمكن رصد حركة الأفكار والتطلعات والآمال والخيبات والأوجاع التي لا تنفك بدورها تتحرك مع أولئك الناس عبر كل وسائل الاتصال والتواصل تلك فضلا عن تكنولوجيا الاتصال الحديثة. وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أن بين الاتصال والتواصل علاقة جدلية لا انفكاك في عرى قطبيها.

 

فالاتصال يعزز التواصل والرغبة في التواصل تقود صاحبها إلى المبادرة والاتصال مع من يحب بمختلف الوسائل المتاحة وفي مقدمها الاتصال الفيزيائي المباشر عن طريق التلاقي وجها إلى وجه، الأمر الذي يعود فيه للجسور والأنفاق والمعابر الفضل الكبير.

 

بينما يعود تاريخ تشييد أقدم جسر في العالم إلى ‬850 سنة ق م وهو عبارة عن جسر حجري فوق نهر مليس في تركيا، فإن آخر جسر تم تشييده في دبي هو(معبر الخليج التجاري) الذي يربط بين منطقتي بر دبي و ديرة .

 

وهو المعبر السادس المقام على خور دبي. أما المعابر الخمسة الأخرى الموجودة حالياً على خور دبي فهي نفق الشندغة وجسر آل مكتوم والجسر العائم وجسر القرهود ورأس الخور، فضلا عن مشاريع أخرى لا تزال قيد التنفيذ.

 

وإذا عدنا إلى لغة المقارنة بين الخدمة المادية وبين الخدمة المعنوية التي توفرها المعابر لمستخدميها في مدينة كبرى مثل دبي، فإن الأرقام تشير إلى أن وسائل النقل الجماعي في دبي التي تشمل المترو وحافلات المواصلات العامة ووسائل النقل البحري.

 

بالإضافة إلى سيارات الأجرة قد نقلت في عام ‬2010، أكثر من ‬332 مليون شخص، مقارنة بنحو ‬288 مليوناً و‬777 ألف شخص في عام ‬2009، والسؤال هو: كم من هؤلاء الأشخاص اجتاز خلال هذه السنة جسرا أو نفقا يعبر خور دبي الذي يعد عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذه الإمارة البحرية؟

 

الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى كثير عناء، فمن المؤكد أنهم يعدون بعشرات الملايين، ولك أن تتخيل ما ينتقل معهم من بضائع ومواد فضلا عن الأفكار والرؤى والعواطف والأحلام، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار ذلك التنوع السكاني الذي تتمتع به دبي، التي يعيش ويتعايش على أرضها أكثر من ‬200 جنسية.

 

دبي وحكاية الخور

إذا ألقينا نظرة عابرة على تاريخ مدينة دبي، فسنجد أنها توسعت على مر السنين حتى أصبح مركزها التجاري موزعاً على ضفتي الخور، وصار قسمها الشمالي يسمى ديرة أما الجزء الجنوبي منها فيسمى بر دبي، والقسمان مرتبطان عبر الخور بعدة جسور ضخمة بالإضافة إلى نفق الشندغة، فضلا عن إمكانية التواصل بين ضفتي الخور عن طريق الالتفاف عن طريق البر من جهة رأس الخور.

 

لا يمكن تصور مدينة دبي بدون خورها الذي يتوسطها ويشاطئ الكثير من أحيائها واسواقها ويمتد من الخليج إلى منطقة العوير، ويعد نقطة التقاء تاريخية طالما كانت سببا للحياة المفعمة بالنشاط في دبي، فقد نشأت على ضفافه تجارة منتعشة تعود إلى قرون مضت.

 

حيث يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة عمليات شحن وتفريغ المراكب التقليدية التي تمخر عباب البحر عبر الخطوط التجارية التي طالما ربطت البلاد بالهند وشرق أفريقيا. ولعل أكثر المناظر جاذبية في تلك البقعة من المدينة يتمثل في مشاهدة المراكب التقليدية من العبرة، وهي مركبة أجرة صغيرة تعبر الخور من سوق ديرة إلى بر دبي وبالعكس.

 

ويستطيع الزوار استخدام هذه العبرات في رحلات تمتد لساعات إلى رأس الخور وجسر المكتوم مروراً بالعديد من المشاهد التاريخية والحديثة للمدينة.

 

وسيلاحظ المتجول هناك زخم الأعمال والمشاريع المقامة بغرض إعادة تطوير ضفتي الخور، حيث تم تشييد كورنيش واسع ومضاء في مواجهة الخليج العربي إلى جانب موقف المراكب التقليدية الذي تم تشييده خصيصا لهذا الغرض إلى جانب جسر المكتوم.

 

العبور بين الضفتين

 

يتذكر المتقدمون في العمر طريقتين لا ثالث لهما كانتا متبعتين للانتقال بين ديرة وبر ودبي:

 

الأولى باستخدام العبرة، وهي مركب صغير يستخدم كوسيلة نقل بالأجرة، والثانية بواسطة السيارة التي كانت تقطع المسافة في وقت يقارب الساعة نظرا لأنها كانت تضطر إلى الاتجاه إلى رأس الخور لتسير لمسافة ستة أميال ما بين ديرة وبردبي،.

 

وكان هناك جسر للمشاة فقط يعمل على وصل بر دبي بمنطقة الشندغة، لكن يقال أيضا ان أهل دبي كانوا يستغلون حركة البحر في مده وجزره، فعندما كان يجيء الجزر كانوا ينتهزون الفرصة ويعبرون الخور من مناطق محددة وبالاتجاهين.

 

مع التطور العمراني والاقتصادي، الذي شهدته دبي في منتصف القرن الماضي، اتخذ المرحوم الشيخ راشد قرارا تاريخيا في عام ‬1961 يتمثل في إنشاء جسر يصل ما بين ديرة وبر دبي وأطلق على هذا الجسر جسر المكتوم.

 

وهو جسر ذو اتجاهين رأى النور عام ‬1962، الأمر الذي شكل منعطفا تاريخيا في حياة الناس في دبي بعد أن اصبح صلة الوصل وشريان حياة يربط بين سكان ديرة وبر دبي الذين طالما عانوا مشقة الانتقال بين ضفتي الخور.

 

يضاف إلى هذه الجسور العملاقة نفقان آخران يربطان بين شقي دبي من منطقتين مختلفتين ومتباعدتين، الأول هو نفق الشندغة الذي يحاذي مياه الخليج .

 

والذي تم حفره ليربط بين ديرة دبي وبر دبي بين شقي دبي وخصص له مسربان في كل اتجاه، علما بأن الشندغة حي من أحياء بر دبي، وقد كان النواة الأولى لمدينة دبي ومقر الحاكم فيها. ويقابلها في ديرة منطقة الرأس.

 

وفي عام ‬1979 أنشئ نفق الشندغة بين بر دبي وديرة تحت خور دبي لتسهيل المرور وعدم الحاجة للدوران حول المدينة لاستخدام جسر آل مكتوم.أما الجسر العائم، فلقد شيد بالقرب من حديقة الخور منذ بضع سنوات ليخفف ضغط حركة المرور عن جسر المكتوم وجسر القرهود.

 

في حين من المنتظر أن يتم الانتهاء من حفريات نفق القطار تحت خور دبي لمرور القطار كما سيتم فتح وإيصال الطرف المغلق للخور بالخليج العربي وستمر قناة حول مربع برج خليفة وإلى البحر بمحاذاة حديقة الصفا.

 

لكن لا بد من التنويه إلى أن خور دبي لا يعد صلة وصل مائية بين طرفي دبي فحسب، بل إنه معلم سياحي بامتياز أيضا، حيث تنتشر المباني الجميلة على ضفتيه وكذلك المطاعم والمقاهي والمتنزهات والفنادق، فضلا عن مناطق تراثية مختلفة مثل منطقة البستكية، التي تعد أحد أهم المعالم التراثية في المدينة.

 

جماليات الجسور

تعتبر معابر خور دبي، سواء كانت جسورا أو أنفاقا هي الوجه الآخر الذي يشكل بذاته قصة تروى، وتحكي حكاية حرص من شيدوها ليس فقط على الجانب الوظيفي لها، وإنما حرصهم الشديد أيضا على الجانب الجمالي منها، فراحوا يتفنون في إعداد تصاميمها مراعين ضرورة عدم الوقوع في مطبات ما يعرف بالتلوث البصري،.

 

فجاءت تلك الأنفاق والجسور منسجمة مع البيئات المحيطة بها شكلا ومضمونا، كأن ترى وأنت تعبر نفقا على سبيل المثال أعمالا فنية مشغولة من السيراميك بعضها يوحي، على سبيل المثال، بمستويات عمق البحر المختلفة أثناء العبور.

 

فيما حرص المهندسون، في حالات أخرى، على ضبط إيقاعات الأنوار الداخلية للأنفاق، بحيث تكون عند ساعات الصباح الأولى أشد منها في الليل، لأن العابرين بسياراتهم يدخلون إليها بعد أن يكونوا قد تعرضوا لنور النهار الساطع.

 

وبالتالي تكون حدقة العين بحاجة إلى نور أشد حتى تكون الرؤية واضحة، وذلك عكس ما يحدث أثناء الليل تماما، حيث تكون إضاءة الأنفاق أقل.