تزين حلل القلم في ما يسكبه من روح تحركها أقنومات الفكر ودرره، عطاء المبدعين، فتجعلنا نتمنى، لو كان بالمستطاع جمع غدائر القمر الفضيّة ووضعها فوق رؤوسهم الشامخة أبداً، كأكاليل حلي، وكأزاهير المروج العذارى، لجدلها عقود طيبة حول أعناقهم، وقطف فرح الدنيا، وضخه في قلوبهم الكبيرة، كونهم هم موزعوه على قلوب الناس.

وأيضا لو كانت جبهة الشمس والذرى الشم، في متناول اليد، لجعلها ملاعبهم الفسيحة، وأمكنة إقامتهم الدائمة، عرفاناً بفضلهم، وتعويضاً عن تعبهم الذي يحولونه إلى سعادة للآخرين، ويعصرون دمهم زيتاً في سراج الحقيقة لتقوى وتنتصر وتسود.

 لم يتعب القلم من رفقته أصحاب الفكر والرؤى، فكان دائما وأدبا، وفيا لرفاق الحرف المجبولين بالطيبة والصدق والوفاء والإباء، والمنحازين إلى الحرية وتكافؤ الفرص، كما بينت في توصيفي سابقا، قبل أكثر من ثلاثة عقود، وكذلك فعل مع المترفعين عن إيجار أقلامهم لأعداء الإنسان والحياة، أو بيع إبداعاتهم لمالكي كيس النقود الأميين، يستحقون التقديس والتبجيل.

أما أولئك الذين يرهنون أقلامهم لغير الحق والخير والجمال والبراءة والصفاء والطيبة والحقيقة والوطن، فجزاؤهم المقت والازدراء، وصفتهم الخيانة والغدر، ونهايتهم الإقصاء والإبعاد، مثل ما يُقصى ويُبعد البعير الأجرب عن قطيعه، لتخفيف ضرره على باقي القطيع، وتحصينهم من مرضه المعدي.

ثنائيّة مستمرة

تأكدت بعد ذاك المشوار الطويل مع رفاق الحرف، هذه الثنائيّة وتوضحت بين حملة الأقلام التي تبدو محمودة في أيدٍ تستعملها في سبيل الله وخير الإنسان والوطن، ومزمومة في أيد أخرى، تسخرها لقلب الحقائق، والأذى والقتل والتدمير والتشويه، والإساءة لإنسانيّة أحدهم وحقه في الحياة الحرة الكريمة، الخالية من القهر والاستغلال والعدوان. وقبل هذا وذاك، لخيانة الوطن، وخدمة أعدائه.

والقلم ليس للكتابة فقط، وإنما للرسم أيضاً، وهو أنواع وأشكال وطرز، يُصنع من مواد وخامات مختلفة، منها : الخشب، المعادن، اللدائن، الرصاص، الحبر الجامد والسائل. والقلم لغوياً، هو ما يُكتب به، وجمعه أقلام، ويمكن حصره في نوعين رئيسين:

الأول قلم الحبر، والذي يعد مداده مخزونا فيه، ولا يسيل إلا وقت الكتابة به.

وثانيا، قلم الرصاص، وهو من الغرافيت الذي لا مداد له. ويقال جف القلم، أي قُضي الأمر وأُبرم، وثمة من يغمز من قناة بعض الناس بقوله: (خطه حلو)، أي أنه من كتّاب التقارير بالناس، لأجهزة الأمن.

ويعني القلم( qalam )، في مجال الإدارة ومفهومها، شعبة أو فرعا تابعا لدائرة ما، مثل قلم المحاسبة أو قلم المراسلات، وأصحاب القلم العاملون في الإدارة من الكتّاب والفقهاء والمعممين من غير أصحاب السيف، وقد أقسم الله تعالى بالقلم في كتابه العزيز فقال: (ن، والقلم وما يُسطرون).

 لمحة تاريخيّة

بدأت رحلة الإنسان مع القلم، منذ خططت يداه، أو رسمتا، علامات وأشكال عفويّة فوق التراب أو الطين أو الصخر، لأهداف عديدة.

وبالتدريج، طوّر هذه الإشارات والأشكال، إلى رموز، ومن ثم إلى لغة فتحت حواراً بينه وبين الآخرين، وانتهت إلى لغة مدونة هي (لغة الكتابة).

وتمثل الكتابة المسماريّة أقدم أشكال الكتابة، واسُتعملت في تنفيذها، أقلام قضبان مثلثة الشكل أو مربعة، وذلك بوساطة ضغط رأسها على لوح من الصلصال عُرف باصطلاح (رقيم). ولحفظه شوي في أفران خاصة، ليتحول إلى فخار أو طين مُقسى.

وبعدها انتقل الإنسان إلى استخدام الفرشاة والصباغ في إنجاز الكتابة، ثم الإزميل والمطرقة والحجر، ثم الحفر بأداة حادة فوق الخشب المطلي بالشمع، ثم الكتابة بوساطة القصبة والمداد الصبغي فوق ورق البردي، ثم فوق جلود الحيوانات المدبوغة (الرق) بوساطة فرشاة مسطحة واليراعة المبريّة، ثم استخدم الجص والجدران الملساء، ليترك فوقها كتاباته، مستخدماً المطرقة والإزميل.

 الكتابة العربيّة

استخدم العرب الورق المنفذ من أعواد الخيزران، أو القصب أو الريش، في الكتابة. ثم أصبح لكل طراز من الخطوط العربيّة، قلمه الخاص به.

وتفنن العرب في قطع رأس القلم وبريه وطريقة مسكه، ووضعوا لذلك تقاليد وأسسا وقواعد وطقوسا، تواكبت وقواعد ونسب الخط العربي كافةً، وذلك على اختلاف مهامها ووظائفها، ولا تزال هذه القواعد متبعة حتى تاريخه، لدى الخطاطين العرب والمسلمين، رغم التطورات الكثيرة التي أضيفت إليها، وطرز وأجناس الخط التي ابتكرت، لا سيما من قبل خطاطي الدول التي اعتنقت الإسلام، كإيران وتركيا.

 تطور مستمر

مع انطلاق الإنسان في مدارج الحضارة، تطورت الكتابة وأدوات تنفيذها وشكل خطوطها، والتي غدت أكثر صغراً ودقةً وبراعةً. وتُشير الدراسات إلى أن أول من استخدم الفرشاة في الكتابة، هم الصينيون، في الألف الأولى قبل الميلاد. أما المصريون القدماء، فاستعملوا قصبة رفيعة شبيهة بالريشة، في سنة 300 قبل الميلاد.

ثم جاء القديس ايزيدور الاشبيلي ليستخدم ريش الطيور في الكتابة، في القرن السابع للميلاد، لكن هناك من يرى أن استخدام هذه الوسيلة في الكتابة، سابقة على هذا التاريخ، إذ قام العرب المسلمون باستخدام الريشة المأخوذة من قادمة جناح الطائر (وخاصة الإوز والغراب وديك الحبش) في الكتابة. وظلت الريشة هذه، أداة الكتابة الرئيسة في الغرب، حتى أواخر القرن الرابع عشر.

حاول الإنسان، بعد ذلك، ابتكار أدوات جديدة للكتابة، لا تحتاج إلى قطع أو بري أو تسوية رأس أداة الكتابة كلما تآكلت، فاستخدم عظم السلحفاة في صنع الأقلام، ثم بعض أنواع الحجارة الثمينة، إلى أن اكتشف الفولاذ وصنعت منه رؤوس أدوات الكتابة، ووردت أول إشارة الى ريشة معدنيّة في أوروبا، سنة 1465.

أما أول قلم سيّال يحوي خزاناً للحبر، فابتكره المهندس الانجليزي (بريان دونكن سنة 1803. وظلت أقلام الحبر السائل، سائدة في الكتابة حتى العشرينيات من القرن الماضي، إذ اخترعت الأقلام كرويّة الرؤوس، وأفضلها ما صنعه أخوان هنغاريان، عاشا في الأرجنتين، وهما : جورج ولاديسلاو بيرو، في سنة 1938.

1936

يتألف القلم الذي صنعه الاخوان بيرو، من كرة معدنيّة تتدحرج في محفظة مغمورة بحبر كثيف لزج، يسيل إليها من خزان يعلوها، وفي ذروته فتحة لمعادلة ضغط الهواء، وهذه الكرة تترك أثراً رقيقاً ومستمراً كلما لامست سطح الورقة. وظل هذا القلم سائداً ومنتشراً إلى أن أُنتج في الولايات المتحدة الأميركيّة في عام 1963، قلم حبر له سن ناعمة من مادة نفوذة، وهذا القلم يعود اختراعه إلى الياباني يوكيو هوري، إذ اخترعه في العام 1962.

ويتألف من رأس ليفي صنعي ذي خاصيّة شعريّة، تتحكم بسيل الحبر من خزان في داخل القلم إلى السطح المُجهز للكتابة، سواء كان ورقاً أو زجاجاً أو من اللدائن، وتتنوع أسنان هذا القلم وعرضها الذي ربما يصل إلى أكثر من 2 سم، ويصلح للكتابة العادية، ورسم الإشارات العاديّة والفنيّة والتجاريّة.

 قلم الرصاص

إن قلم الرصاص، من أشهر الأقلام وأكثرها استخداماً في حياتنا المعاصرة. وهو خفيف ولطيف وسهل التعامل، وعلى درجات متباينة من «الغماقة» والقسوة واللينة، وأشهره:» أتش بي» اللين و» أتش 15» القاسي.

ويستخدم في الرسم وفي كتابة المسودات، وكذلك وضع الملاحظات، وهو شائع الاستخدام بين الأطفال وتلاميذ المدارس، لسهولة التعامل معه وكذا إمكانية إزالة الكتابات والرسوم التي يتركها فوق ورق الكتابة أو الرسم، إذ لا يحتاج سوى إلى ممحاة لإزالته، ومبراة لإظهار رأسه المحفوظ ضمن أسطوانة رفيعة من الخشب المصنوع من مادة الغرافيت، أو ربما يقتصر على هذه المادة. وفي الحالة تلك، يجب أن يكون غليظاً، كي لا ينكسر بين الأصابع(عادةً ما يُستعمل هذا النوع في الرسم).

أو رفيعاً، وبذا يتطلب استعماله حافظة أسطوانيّة معدنيّة أو بلاستيكيّة، وهو بثخانات مختلفة، منها الرفيعة جداً التي يحتاجها المهندسون والمصممون لوضع المخططات المعماريّة. ومنها السميكة المستخدمة في وضع الدراسات الأوليّة (الكروكيات)، للوحات الفنيّة التشكيليّة. كما يستخدم قلم الرصاص( وهو نوع خاص) في حرف عديدة، كالنجارة والخياطة.

من الاعتقاد السائد بأن مادته الأساسيّة (الغرافيت)، نوع من الرصاص الموجود في الطبيعة، غير أن عالِم الطبيعة الألماني ـ السويسري كونراد غيسنر، أكد في العام 1565، أن الغرافيت فلز مستقل بذاته. وفي عام 1779 برهن الكيميائي السويدي كارل فيلهلم شيله، على أن الغرافيت نوع من الكربون، وأصل التسمية جاء من اليونانيّة graphiem ، ومعناها: كتابة.

وانتشر قلم الرصاص وشاع استخدامه، بعد أن اكتشفت مكامن غنيّة للغرافيت النقي في سنة 1564 في بورودال في مقاطعة كمبرلند في انجلترا. وهو اليوم موجود بماركات وأشكال أكثر من أن تُعد وتحصى. ورٌبطت بعض أقلام الرصاص، بممحاة في أحد رأسيها، لتسهيل عملية استخدامه.

 أقوال في القلم

 هناك مجموعة من الأقوال المعبرة، تصف حال القلم، ومدى تأثيراته وجمالياته. ومن بينها:

ما أعجب شأن القلم، يشرب ظلمة ويلفظ نوراً.

القلم .. له رأس ولكن ليس له رقبة ولذلك لا يمكن أن ينحني.

إذا مات القلم

ظلَّ السيف بلا أخ .

زلَّة ُ قدم ولا زلَّة ُ قلم .

القلم الخيِّر كالشجرة الطيبة .

من امتلك القلم

صار له لسانان .

القلم .. مثل الشمس له ضياء

ومثل القمر له نور.. ومثل السيف له حد.. ومثل الجواد له عنان.. ومثل البحر له موج.. ومثل الإنسان له شرف.

اجعل القلم

سارية ً للعَلَم،

ولا تخف بعد ذلك

من أي شيء

على أي شيء .

إن استطاع ألف برميل من الحبر،

أن يمنع نزيف قطرة دم واحدة،

ففي ذلك ربح وفير .

الشعب الذي يحترم القلم

ينهض، حتى لو كان في العدم.

البحّار الذي يركب القلم

لن يغرق. التاجر الذي يركب القلم

لن يخسر. العسكري الذي يركب القلم

لن يهزم. والشعب الذي يركب القلم

يبقى رأسه أبدا، على رأس الهرم .

إذا كان عندك قلم، تستطيع أن تسير ..

ولو لم يكن لك قدم.. وتستطيع أن تطير،

ولو لم يكن عندك جناح.. وتستطيع أن تسافر،

ولو كنت ممنوعا من السفر.. وتستطيع أن تمتلك الحرية

ولو كنت محروما منها.. وتستطيع أن تتكوَّن

في زمن غير مسموح فيه التَّكوُّن. فليكن عندك

قلم.

أقوال في القلم

هناك مجموعة من الأقوال المعبرة، تصف حال القلم، ومدى تأثيراته وجمالياته. ومن بينها:

ما أعجب شأن القلم، يشرب ظلمة ويلفظ نوراً.

 

 

 

 

 

 

 

أشكال مختلفة

 

قبل اختراع القلم، استخدم الإنسان في الكتابة، مجموعة أدوات مصنوعة من أغصان النباتات وريش الطيور، وكذا الأزاميل والفراشي والأحجار الثمينة والمعادن.