«التلي»... فن نسيج منزلي متوارث عن الجدات

يستحضر شهر رمضان المبارك هذا العام، كما في كل عام، بعضاً من عادات المجتمع الإماراتي وتقاليده وطقوسه المتوارثة عن الأجداد، التي تشكل جزءاً من إرث الدولة الثقافي الذي حرصت الإمارات على صونه بإدراج عناصره على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لـ«اليونسكو»، ومثال على ذلك، «حرفة التلي» التي أدرجت على القائمة في ديسمبر 2022، باعتبارها من العناصر الرئيسة لهذا التراث.

ويعتبر «التلي» فناً لتزيين الأثواب ابتكرته نساء الإمارات بذوق رفيع وتقنيات فريدة، وقامت بتطويره وتناقله عبر الأسر كحرفة نسيجية تقليدية تمتاز بتصميماتها الجميلة وألوانها المشرقة، واكتسب كصنعة، مثل غيره من الحرف اليدوية، قيمة ثقافية ذات بعد اجتماعي، فضلاً عن تمثيله فناً إبداعياً يجمع بين التطريز والخياطة.

ونسجت أنامل المرأة الإماراتية، «التلي» على مدى العصور، لتزيين الياقات والحواشي والملابس وأطرافها، بما في ذلك فساتين الأعراس وغيرها من الأثواب، لكنه لم يكن مجرد فن زخرفي يتطلب مهارة ومعرفة وإبداعاً، بل مثّل أسلوب حياة وشكلاً من أشكال التعبير عن الهوية والقيم المجتمعية والعادات، فتناقلت الفتيات زخارفه المستخدمة في تصاميمه، عن أمهاتهن وجداتهن عبر الأجيال.

خيوط وبكرات

وتحاكي تصاميم «التلي» وأنماطه البيئة الطبيعية، كالنباتات والحيوانات أو حتى الأدوات المنزلية، وتستعين النساء في نسجه بخيوط مختلفة تتم حياكتها بلفها وتضفيرها في جديلة بما يشبه تقنية «الدانتيل».

وفي الماضي كانت الخيوط المستخدمة في نسج ضفائر التلي والتطريز من الفضة أو الذهب مع خيوط قطنية بألوان مختلفة، ثم مع التطور الصناعي تم إحلال الخيوط الاصطناعية بدلاً من خيوط الفضة والذهب.

ومن أجل تنسيق الخيوط، تستخدم النساء دبابيس على وسادة أسطوانية موضوعة على قاعدة معدنية تسمى «الكاجوجة». وبناء على شكل التصميم ومدى تشابكه قد يحتاج نسج التلي من ثماني إلى خمسين دحاري «بكرة خيط». وكذلك، بناء على شكل التصميم ومدى تعقيده، تتفاوت صناعة حبل واحد من «التلي» من ساعات إلى أشهر. وباعتبار التلي حرفة وإبداعاً، امتازت كل قطعة منه بلمسة شخصية، فحملت أنماطها وتكوينها اختلافاً في الشكل النهائي والحجم والعرض، بما يتماشى مع أسلوب المرأة الإماراتية وظروفها وحتى تجاربها الشخصية.

أنواع

وتفيد المصادر أن من تصاميم التلي الشائعة «نفخ البطيخ» التي تحتوي على أشكال مائلة متوازية وأشكال بذور البطيخ، والتي تتكرر أسفل النسيج وفي مركزه. 

وتم إطلاق اسم «ساير ياي» (الذهاب والإياب)، على نوع من التلي نسبة إلى الطريقة المستخدمة في إنتاجه، حيث يتم تمرير الخيط الفضي المفرد ذهاباً وإياباً.

وتشير عبارة «بوخوصتين» إلى التقنية المتبعة لنسج هذا النمط، والذي يشكل حزمة فضية واسعة تمتد أسفل النسيج وفي مركزه. وتستخدم بكرتان من الخيط الفضي الاصطناعي فقط في صناعة هذا النمط. وأما تقنية «بوخوصة» (الخيط المنفرد)، فتستخدم بكرة واحدة تشكل حزمة فضية بنصف عرض «بوخوصتين» أسفل النسيج وفي مركزه.

الأكثر مشاركة