عندما يتم التطرق لأهمية اللغة العربية والتمكين منها، قد يقول قائل، وقد قيل: ما هو المانع في مجتمعاتنا من جعل اللغات الأخرى هي لغتنا الأولى؟ ألسنا بالطريقة هذه سنحرز تقدماً كبيراً ونلحق بالأمم المتقدمة! أليست الأجيال الناشئة ستكون في الصدارة عندما تتحدث بلغة الدول الكبرى خاصة إذا كانت هي اللغة الأولى.
هذا الكلام قد تسمعونه من البعض، ولكنه خاطئ وانهزامي إذا كان القصد استبعاد العربية وتأخيرها عمداً، الأمة التي تتنازل عن أصلها وهويتها تخسر، لا تتقدم بل تكون تابعة وذائبة، لا تستطيع أن تحمي نفسها وأجيالها من الأفكار الدخيلة التي تهدد سلمها وأمنها وهويتها، البعض يطبق هذه المقولة فقط على اللغة العربية، أليست هناك دول كبرى ما زالت محافظة على لغتها الأم وما عابها شيء أمام الآخرين ولم ينزل ذلك من قدرها ومكانة شعوبها.
لن أتطرق كثيراً في هذا المقال إلى الجهود المبذولة في دولة الإمارات العربية المتحدة كونها كثيرة جداً، فما زالت الدولة تحتضن البرامج والمنتديات والمؤتمرات في سبيل حماية اللغة العربية، بل شهدنا جوائز عديدة قيمة لتكريم المبدعين في مجال اللغة والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي حرصاً على توجيه الأجيال للاعتزاز بلغتهم العربية والشعور بالانتماء.
الذي يهمني أكثر هو دور الأسرة، ربما البعض يظننا ندعو للغة العربية فقط دون غيرها من اللغات، وهذا غير متصور في رسالتنا أبداً، بل تعلم اللغات الأخرى فيها مصالح عديدة ولا بد منها في هذا الوقت، ونحن مع الأسر في تعليم أطفالها اللغات الأخرى، وخاصة اللغة الإنجليزية، وتقر أعيننا عندما نرى شبابنا يشاركون في المؤتمرات الدولية ويتحدثون باللغات المتنوعة، إنما المراد هو التحذير من اعتبار اللغة العربية لا شيء وجعل اللغات الأخرى فوق لغتنا.
التحديات التي لا ينتبه لها البعض، هو أن الطفل منذ صغره اعتاد على الفئة المساندة المنزلية، فأول لغة تأتي على نطقه هي غير العربية، ويستمر الحال إلى أن يصل لسن المدرسة، ومن ثم يسجل في مدرسة كل منهجها بغير اللغة العربية.
والأهل يحدثونه باللغة الأجنبية فقط، فصار هذا الطفل بشكل طبيعي يتثقف ويقتدي فقط بالأجنبي، ومن هنا تُفقد الهوية والأصل والمرجع، ويصير الانتماء ضعيفاً مزعزعاً.
الحل في أن تحرص الأسر على التفهم والوعي في مواجهة هذا التحدي وتكون على قدر من المسؤولية، لسنا ضد الفئة العاملة ولا ضد المدارس الخاصة، لكن دوركم في التحدث معهم بلغتنا العربية، في إشراكهم في البرامج المجتمعية التي تعزز تواصلهم مع الآخر بلغتنا العربية وغيرها من الحلول الواقعية. اللغة العربية ليست مجرد لغة، بل هي تعكس ديننا وهويتنا وقيمنا وعاداتنا وشخصيتنا المستقلة، فأبعاد إهمال لغتنا أبعد مما يتصور البعض.
رئيس قسم التوجيه والإصلاح الأسري في محاكم دبي