النزاعات واردة بين البشر، ولكن الأهم هل تعاملنا معها يؤدي إلى استمرارها وتصعيدها أم لتخفيفها أو إزالتها؟ هناك طرق معقدة لحل المشكلات وقطع النزاعات، وتأخذ الأيام والأشهر الطوال، إما لحلها أو الفشل في حلها والدخول في نفق مظلم، بينما هناك تصرّف يذيب المشكلة، ويذهب من حرارتها، أو ربما يقطعها بشكل نهائي، وهو الاعتراف بالخطأ، والذي يعتبر الطريق الأسهل والأسرع لقطع النزاع.
أشهر الأخطاء الحالية في الواقع، أنه عند وجود النزاع يحاول كل طرف إلصاق الذنب بالآخر، ومن ثم يبدأ الهجوم والتراشق بالألفاظ، ويكون القصد التلذذ بجرح الآخر بالكلمة الأكثر تأثيراً واختراقاً لكي يشعر بالنصر في هذا النقاش، وهذا نعانيه كثيراً جداً في حالات الخلافات الزوجية كانت أم الشخصية مع الغير، تكون الدائرة واسعة جداً، ويتعذر معها نجاح محاولات الصلح، بخلاف لو حضر الاعتراف بالخطأ والاعتذار.
الاعتراف بالخطأ يقطع حبال الشيطان وخطواته، يوقف مراحل تطور المشكلة والنزاع، يعزز الاحترام المتبادل، يقلل المشاعر السلبية كالغضب والقهر، يجنّب تكرار الأخطاء، هو علامة قوة ونضج، لا ضعف وقلة حيلة كما يصوره البعض، هو أساس النمو وتحقيق التوازن في العلاقات ودليل على التواضع والخلق الحسن والذكاء العاطفي.
الاعتراف بالحق فضيلة، قال عليه الصلاة والسلام «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ»، أي أن رد الحق ونكرانه على الرغم من وضوحه فيه علامة كِبر، إلا أنه من خلال الواقع تجد أن الاعتراف بالخطأ أو الاعتذار يسهل بين الأشخاص بشكل عام، ولكنه يصعب على البعض في الزواج، على اعتبار أن الطبيعة الزوجية لها طابع خاص فتجد بعضهم يتهرب من الاعتراف لظنه أن الزوجة من الممكن أن تستغل هذا الأمر أو الزوج يستغل.. لا أريد أن أكون ضعيفاً أمامها أو أمامه، لماذا أعتذر لها وأنا رجل، لمِ أعتذر له ومن ثم سيظن أنه الطرف صاحب الحق مطلقاً، وهذه عوائق تعيق الاعتراف والتهدئة؛ لأنها منطوية على سوء الظن والخطأ في التفسير والفهم.
سعادة الزواج ليس في عدم وجود مشكلة عابرة، لكن السعادة الحقيقية في حسن أخلاقنا، وفي سهولة تواصلنا وسرعة صلحنا بعد المشكلة.. طرف يعتذر، سواء بالقول أو من خلال تحسين وتصحيح الفعل، وطرف يقبل ويفتح الباب، لا يحقد أو يطيل الزعل.
لا ننتظر من بعضنا الزلّة حتى نفرح منها ونشهّر، نبقى بشراً يحيط بنا الضعف والتعثّر والنسيان والتقصير، لكننا نكمله بسهولة التواصل، بهذه النفسية المرحة السهلة، إن اعتذرت لا أفكر بأني ضعيف، وإن قبلت الاعتذار لا أقول مُستغل، لا أطبّق هذه السياسة على العلاقة الزوجية، بل الاعتراف والتصحيح والتقبّل عوامل أساسية لقطع النزاع وعدم انتقاله لمراحل متقدمة.
رئيس قسم التوجيه والإصلاح الأسري في محاكم دبي