القصد من ذكر القصص هو الانتباه وعدم تكرار نفس الخطأ، فليس كل قصة سلبية تعني أننا سلبيون أو متشائمون، فها هو القرآن الكريم مليء بقصص وأخبار الأمم، لماذا ؟ من أجل الفائدة والاعتبار والتفكّر. «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ».
هذه قصة لقصص متكررة بين الفترة والأخرى، وهي تعود لشاب متوسط الحال مفعم بالحيوية في عمله ولديه أسرة مكونة من زوجة وعدد من الأطفال، بعد مدة من زواجه تعرّف على مجموعة من الأصدقاء، وبدأ تدريجياً يهمل نفسه وبيته وعمله، حاولت معه زوجته في النصح كونها أحست بالتغير غير المريح، والسلوكيات غير المحمودة، والسمعة السيئة لبعض أصدقائه، ولكنه كان يجيبها بأنه رجل ويعرف مصلحته أكثر من أي أحد آخر، على الرغم من ثبوت ووضوح العلامات.
إلى أن وصل به الحال يوماً من الأيام أن يقرر هجر بيته وزوجته وأطفاله، وترك زيارة والديه بحجة السكن لوحده أو مع أصدقائه، فتنوعت تحليلات الأهل ومن يحبه، منهم من يقول هو مسحور، أو لديه علاقة، أو تزوج بامرأة خدعته وتملّكت أمره، بل ربما يتعاطى الحبوب الممنوعة، من دون وضوح السبب الرئيسي، وغيرها من ضروب محاولات التفسير، كونه لا يمكن لشخص واعٍ القيام بهذه التصرفات، بغض النظر عن الدافع، فالحقيقة أنه هو من اختار هذا الطريق قبل لومنا الآخرين، فهو أعطاهم المجال لحرفه عن جادة الصواب.
نعم هو خسر نفسه قبل أن يخسره غيره، لأنه لا يوجد اليوم مثل حفاظ المرء على نفسه وستره، لا يوجد ما يتقدم على أمان وهدوء وحضن الأسرة، مثل أطفاله الأبرياء الذين ينتظرون رؤية والدهم بينهم، يسندهم ويتقوون أمام تحديات الحياة بوجوده معهم، مثل فرحة الوالدين بولدهم وتفوقه وخلقه ليرفعا رأسهما به، مثل هذه الزوجة المحبة لزوجها والتي يهمها مكانته ورفعته واستقرار بيتها بوجوده، لا يوجد ما يبرّر تضييع هذه النعم العظيمة للجري خلف حرية زائفة غير منضبطة، فيكون الحال كمن فقأ عينه بأصبعه.
وينطبق الحال على بعض الزوجات أو البنات، هناك قصة لامرأة أضاعت نفسها وبيتها بعدما تعرفت على مجموعة من الصديقات، أو سلكت بعض السلوكيات الخاطئة، ثم أقنعت نفسها أو أقنعوها بأن زواجها يعد عائقاً يعيقها عن سعادتها الجديدة، أو قصة لبنت تركت بيت أهلها وترغب بحياة أخرى بحجة الحرية، ثم تبين لها أنها ضحية استغلال، وعند انتهاء المصلحة تُترك وحيدة.
انطلقوا في الحياة وتنعموا فيها وفي جمالها وفق مبادئ واعتدال، حددوا الأولويات بطريقة صحيحة، ولا تؤخروها لأمور ثانوية، لا تسلموا عقولكم لأحد، تزودوا بجرعات القناعة، وتكوين وتقوية الشخصية، فمن أصلح علاقته بربه ورضي بما كتب له وقدّر قيمة النعمة زادت ثقته بنفسه وجعل قراره بيده لا بأيدي الآخرين.
رئيس قسم التوجيه والإصلاح الأسري في محاكم دبي