إن الله سبحانه وتعالى، لما خلق الخلق جميعاً، ونثر عليهم من نعمه وهباته، جاء كل واحد منهم مختلفاً عن الآخر، لا يشابهه ولا يطابقه. وقد أكد الله سبحانه هذا الاختلاف {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}. وهذا التفضيل قد يكون بالجسم أو بالعلم أو بطريقة التفكير أو بالأمور المادية.وتعد الفروق الفردية ظاهرة عامة موجودة لدى جميع الكائنات الحية؛ من أدناها مرتبة حتى الإنسان. فالاختلافات موجودة لدى أفراد النوع الواحد، كما هي موجودة بين الأنواع الأخرى. وهذه الاختلافات ضمن النوع الواحد ضرورية، كالاختلافات بين الأنواع الأخرى، وذلك من أجل استمرار الحياة.
إن أفراد النوع الواحد يختلفون في قدراتهم على التعلم وحل المشكلات، كما يختلفون في انفعالاتهم (كالخوف والعدوان)، ومستويات النشاط العام، ودوافع سلوكهم (كالجوع والعطش والجنس وحب الاستطلاع). وظاهرة تفرد الإنسان؛ من حيث الجنس والعمر واللون ودرجة النضج والتكوين الجسمي والتكوين العقلي، ظاهرة لا تحتاج إلى برهان، حتى إن هذه الفروق موجودة بين الأطفال الذين ينشؤون في بيئة أسرية واحدة، حيث تتمايز مواهبهم وأمزجتهم وعاداتهم مع النمو في مراحل العمر المختلفة.
وفي العملية التعليمية يلاحظ أن طلبة الفصل الواحد، برغم تقاربهم في السن، يختلف بعضهم عن بعض، في كثير من الصفات الجسمية، كالطول والحجم واعتدال القامة. وهذه الاختلافات تبدو واضحة، وهي بالضرورة تدفع المعلم إلى اتخاذ موقف معين إزاءها. فقد يعيد تنظيم مقاعد الطلبة، بحيث يجلس في الصفوف الأولى قصار القامة وضعاف البصر.
بينما يجلس في الصفوف الأخيرة طوال القامة، حتى لا يحجب السبورة طويل القامة عن غيره من الطلبة. وقد ينصح بعض الطلبة باستخدام نظارة طبية، أو يقوم بتحويل أحدهم إلى الصحة المدرسية، ليعالج من مرض طارئ أو ألم مفاجئ يشكو منه.الدراسات والبحوث أكدت أنه إذا أردنا تجويد عملية التعليم لدى الطلبة وتعليمهم بشكل أفضل، فإن علينا أن ندرس الفروق الفردية الموجودة بينهم، ونعرف كيفية قياسها، حتى نعرف مستوى إمكانيات المتعلمين وما يستطيعون القيام به وما لا يستطيعون، وما يعرفون وما لا يعرفون.
وقد كثرت تعريفات ظاهرة الفروق الفردية بين الطلبة. وعلى الرغم من اختلافها، إلا أنها جميعها تتفق في المعنى والمضمون، فهي جميعها تركز على مدى الاختلافات بين الأفراد في السمات المختلفة (الجسمية والعقلية والانفعالية والشخصية). والتعلّم الجيد الفعال هو التعلم الذي يراعي هذه الحقيقة، ويتكيف بموجبها.
العدل في المعاملة
يقول الدكتور ناصر غبيش رئيس وحدة المناهج وطرق التدريس بكلية العلوم التطبيقية بصور، في بحث متخصص له: إن الإسلام حث على مخاطبة الناس حسب مستوياتهم العقلية والفكرية، إذ يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: حَدِّثُوا الناسَ بما يَعرِفونَ، أَتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ اللّهُ ورسولُه؟
فمن الدلالات التربوية التي نستطيع أن نستنبطها: أن على المعلم أن يخاطب طلبته حسب مستوياتهم العقلية، ومستوياتهم العلمية، ضماناً لحسن فهمهم، وتحقيقاً للعدل، فلا يهتم بفئة منهم ويهمل أخرى. فنحن نجد في واقعنا بعض المعلمين يُثنون حسن الثناء على الفائقين من طلبتهم، ويُوسِعُونَ ضِعافَ التحصيل لوماً وتوبيخاً، حتى إن بعضهم يتسربون من التعليم لهذه المعاملة غير العادلة، وغير التربوية.
أهمية معرفة الفروق الفردية في المجال التعليمي
إعداد المناهج، بما يتناسب مع قدرات واستعدادات الطلبة المتباينة.
إدراج العديد من الأنشطة والبرامج الإضافية التي تتناسب مع تباين مستويات الطلبة، كرعاية الموهوبين، والنوادي العلمية والثقافية، والمسابقات العلمية، ودروس التقوية، التي تلبي احتياجات الطلبة المختلفة.
المعرفة بتلك الفروق تساعد على توجيه الطلبة لاختيار التخصصات المناسبة لقدراتهم واستعداداتهم وميولهم.
اختيار أنسب طرق التدريس والأنشطة والبرامج الإضافية.
تساعد المعلم على أن يقوم بدوره في قيادة العملية التعليمية.
الفروق الفردية
يمكن تصنيف الفروق الفردية على أساس النواحي الآتية:
الفروق الفردية في النواحي الجسمية:
وهي تبدو واضحة بين الأفراد في الطول والوزن والشكل العام، ودقة الحواس وقوتها. وبعض الفروق الجسمية لا تظهر إلا من خلال العمل والنشاط الذي يقوم به الفرد، كالقدرة العقلية والمهارة اليدوية والدقة في استخدام الأصابع والتآزر بين اليد والعين.
الفروق في القدرات العقلية:
يمكن إدراكها والحكم عليها من خلال الاختبارات والمقاييس التي تبين مقدار ما يملكه الفرد من كل قدرة، سواء أكان ذلك في القدرة العقلية العامة (الذكاء) أو في القدرة الخاصة، سواء أكانت قدرة فنية أو قدرة موسيقية أو قدرة لغوية أو ميكانيكية.. إلخ.
الفروق في النواحي الوجدانية والمزاجية:
وتتمثل هذه الفروق في ملاحظة سلوك الطالب، في إقدامه أو إحجامه عن عمل معين، أو حبه أو كرهه له، ومدى ميوله واتجاهاته ورغباته نحو هذا الشيء.