فيما يرى البعض أن توجه الطالب إلى المرحلة الجامعية، غالباً ما تحكمه معطيات بعيدة تماماً عن التخصصات التي تحتاجها الدولة، قطعت وزارة التربية والتعليم الشك باليقين، واستقطبت مجموعة من العناصر المتميزة والمؤهلة للقيام بإرشاد الطلبة أكاديمياً، وتوجيههم مهنياً إلى المجالات التي تضمن لهم المشاركة بقوة في سوق العمل وخطط التنمية، وتلبية احتياجات الدولة في المرحلة المقبلة في الوقت ذاته.
العديد من جوانب الإرشاد الأكاديمي، كبداية علمية وسليمة لمستقبل الطالب، نتعرف عليها مع منال الغداني المرشد الأكاديمي المهني بمنطقة رأس الخيمة التعليمية، وهي أيضاً كاتبة إماراتية لها مجموعة مؤلفات في أدب الطفل والناشئة.
ما دور الإرشاد الأكاديمي في اكتشاف قدرات الطلبة وتوجيههم نحو المسارات العلمية المناسبة بما يخدم المستقبل المهني؟
يعتبر الإرشاد الأكاديمي، الخطوة الأولى والصحيحة للطالب، نحو اختيار التخصص المستقبلي الذي يتناسب مع ميوله واتجاهاته واهتماماته، وقد تم استحداث هذا الفرع الجديد في مدارس المرحلة الثانوية اعتباراً من هذا العام، بهدف ترشيد وتوجيه ميول الطالب بما يخدم الخطط التنموية في الدولة، ويُلبي في الوقت ذاته، حاجتها من المهن والتخصصات المختلفة والمتنوعة التي ظهرت مع التطور السريع الذي تشهده الدولة.
كما يساعد الاكتشاف المبكر لقدرات الطلبة على اختيار المسار الصحيح لهم في المرحلة الجامعية، لكن الأمر لا يقتصر على مجرد قدرات. فهناك الميول التي تتحكم برغبة الطالب وحماسته، لذلك تم استحداث مقياس خاص لتحديد ميول الطلبة في الدولة، بالتعاون مع نخبة متميزة من أساتذة جامعة الإمارات، يسمى (مقياس الإمارات للميول المهنية)، وسيتم تطبيقه في الفصل الدراسي الثاني لهذا العام، على جميع الطلبة في مرحلة الصف العاشر، لمساعدتهم على اختيار المسار العلمي أو الأدبي، الذي سيحدد تخصصهم الجامعي المرغوب ومهنة المستقبل.
حتى تستمر مسيرة التنمية والتطوير ولا نقع في مشكلة البطالة، هل هناك خطة لتوعية الأهل والأبناء بثقافة المستقبل المهني؟
أن نعرف الطريق الصحيح، فقد قطعنا نصف المسافة نحو تحقيق الهدف.. هذه المقولة تنطبق تماماً على طلبة المرحلة الثانوية عند اختيارهم للتخصص الجامعي، لأنهم يحددون من خلاله توجههم الأكاديمي، وبالتالي مستقبلهم المهني ومشاركتهم في سوق العمل وخطط التنمية بالدولة.
من هنا، ولأن مشكلة البطالة، سببها سوء التخطيط، وقلة المعرفة، وعدم توفر المعلومات الكافية، وبعد تطبيق برنامج المرشد الأكاديمي في المدارس، نظمنا مجموعة من اللقاءات مع أولياء أمور الطلبة، بهدف تعريفهم بأهمية الإرشاد الأكاديمي، والدور المطلوب منهم في ما يتعلق بالتوعية المهنية لأبنائهم.
وأثرها في رسم ملامح المستقبل الناجح لهم، مما كان له الأثر الأكبر في نفوسهم، إذ أصبحوا مطمئنين إلى أنّ جهود اثني عشر عاماً على مقاعد الدراسة، سيتم استثمارها بصورة صحيحة، بعد أن كانت تلك العملية تتم بطريقة عشوائية، أو تعتمد على المزاجية والمظهرية، مما ينتج عنه عَمالة مليئة بالإحباط، وخالية من الحماس، تصل إلى الفشل المهني مع أول عقبة في ميدان العمل، ما يسبب هدراً في الجهود والأموال، وهذا ما نسعى حالياً إلى تجنبه من خلال الاختيار المدروس والمنظم، القائم على أسس علمية ومهنية.
كيف نستطيع التوفيق بين ميول الطلبة في المرحلة الثانوية، والاحتياجات الفعلية لسوق العمل في الدولة؟
الإرشاد الأكاديمي، لا يعمل بمفرده، بل هناك شبكة متكاملة من الهيئات والوزارات والجامعات المتعاونة، توفر للمرشدين قاعدة عريضة من المعلومات التي تساعد المرشد الأكاديمي على عملية الإرشاد في المدارس، وهو ما يمنح الطالب مجالاً واسعاً لاختيار ما يناسبه من المهن والتخصصات المتاحة، التي تتناسب مع ميوله وتوجهاته، وتخدم في الوقت نفسه، سوق العمل الذي يعاني من نقص في العديد من التخصصات الحيوية والمهمة.
ونحمد الله، أنه بفضل توجيهات قيادتنا الرشيدة، والجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم، والأجهزة الأخرى المعنية في الدولة، بدأت العديد من تلك التخصصات تُسد تدريجياً، مع التنسيق المستمر بين متطلبات سوق العمل، من ناحية، وميول الطلبة من ناحية أخرى. ويُعد برنامج الإرشاد المهني الذي يُطبق حالياً في المدارس، أكبر دليل على تلك الجهود الكبيرة والرؤية المستقبلية السديدة.
ما علاقة عملك كمرشد أكاديمي مهني، وأدب الأطفال والناشئة؟
لا يقتصر دور المرشد على عرض قائمة من المهن المتاحة أمام الطالب ليختار منها ما يتناسب مع ميوله، بل يمتد إلى العمل على صقل شخصية الطالب، بإكسابه قيماً ومهارات تتعلق بفهم الذات، وتنظيم الوقت، والتواصل اجتماعياً، فضلاً عن تعزيز مهارات التفكير الإبداعي والناقد، وكل تلك المضامين، تمثل بيئة خصبة للكاتب عندما يشرع في كتابة قصص للأطفال أو للناشئة.
فقصة (ألف كرة زجاجية)، تتحدث عن طفل يقيم مشروعاً تجارياً صغيراً ويفكر بطريقة إبداعية تساعده على النجاح فيه، أما قصة (أبحثُ عن صديق)، فتعلم الأطفال كيفية تقبل الذات، وفهم الآخرين، ومهارات التواصل الفعال، ومثلها قصة (قوة الكلمات)، تتحدث عن الأثر الخفي للكلمات علينا. فيما تأتي رواية (أميرة القمر).
وهي للناشئة، وتتناول الثقة بالذات والمثابرة، التي تجعلنا في النهاية أقوى، أما روايتي الأخيرة (أوبار المدينة المفقودة)، فتتحدث عن مغامرة شيقة تدور فوق رمال الربع الخالي في الصحراء العربية، مع مزيج من التحدي والصبر والتفكير المنطقي، وأود أن أشير إلى أن العمل المهني لا يمكن أن يتعارض مع الموهبة، والعكس صحيح، بدليل حصولي على المركز الأول لمجموعتي القصصية المكونة من سبع قصص للناشئة، في مسابقة القصة القصيرة للعام الحالي 2011م، والتي نظمتها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وهي مجموعة تحمل مضامين هادفة عن خدمة الوطن، وتطوير الذات، واكتساب سلوكيات إيجابية، وكلها صفات أساسية يحتاجها الطلبة عندما يقررون دخول سوق العمل والمشاركة فيه بقوة.