تمثل القراءة وتنمية ميولها لدى الأطفال مطلباً تربوياً وثقافياً نظراً لما يتسم به عالم اليوم من انفجار معرفي سريع ومتغير، فالقراءة كما هو معروف من أهم وسائل كسب المعرفة والحصول على المعلومات، لذا أوضحت بعض الدراسات أنه كلما كان هناك تبكير في تثقيف وإثراء خبرات الأطفال بالكتب والقصص قبل المرحلة الابتدائية، كان استعدادهم للتعلم والقراءة والكتابة أفضل.
مسألة تشجيع وتعويد الطفل على القراءة تعد من الأمور المعقدة في حياة الأسر، خاصة في مجتمعاتنا العربية، إذ يشير تقرير لليونسكو إلى أن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المنهاج الدراسي 6% في السنة، فيما يقرأ كل عشرين طفلاً عربياً كتاباً واحداً سنوياً، فان الطفل البريطاني يقرأ سبعة كتب، والأميركي أحد عشر كتاباً.
وتشير إحصائيات أخرى إلى أن رصيد الدول العربية لا يتجاوز 1.1% من الإنتاج العالمي لكتب الأطفال برغم وجود نحو 55 مليون طفل يمثلون 42% من العدد الكلي للسكان في العالم العربي، بما يؤكد أن مصطلح القراءة ما يزال غائباً عن أولويات الطفل العربي.ويشهد العالم العديد من المشاريع والمبادرات للعودة إلى القراءة.
وتشجيع الأطفال والشباب عليها، بعد انشغالهم بمواقع التواصل الاجتماعي التي يصل نصيب الفرد منها إلى أكثر من ثلاث ساعات يومياً، مقارنة بالقراءة الهادفة التي لا تتعدى في الغالب خمس دقائق، لذا سنحاول اليوم أن نستعرض بعض التجارب الناجحة التي نفذتها مؤسسات وأفراد بصفة شخصية، لعلمهم وإدراكهم بأهمية القراءة ومكانتها في بناء النفس والعقل ودورها في تهذيب وتقويم السلوك إذا ما أُحسِن استغلالها.
ترجمة كتب الأطفال
عندما ننتقل إلى أقصى الشرق حيث دولة اليابان، بلاد الشمس المشرقة التي تتميز بالاهتمام البالغ بمواطنيها منذ الطفولة، نجد أنها تقوم بتجربة عظيمة، لا تنم إلا عن اهتمام بإعداد أجيال على أعلى مستوى من الثقافة والتقدم، ولذلك تستحق الوقوف عليها والاستفادة منها، وتتلخص هذه التجربة في القيام بترجمة كتب الأطفال الجيدة على مستوى العالم من أية لغة إلى اللغة اليابانية.
ويبلغ متوسط ما يتم ترجمته سنوياً أكثر من مئتي عنوان، وتجدر الإشارة إلى أنه في كل عام يسافر من اليابان فريق إلى معرض ميونخ الدولي للكتاب بألمانيا، حيث يقوم هذا الفريق بدراسة وتمشيط كل ما هو في المعرض من كتب الأطفال بجميع اللغات، ثم يعود لدراسة المناسب منها لترجمته كي يستفيد كل طفل على أرض اليابان، ويصبح ملماً بكل ما يحصل عليه أطفال العالم من معلومات وخبرات، فيتفوق عليهم جميعاً.
كلمة قوية
ابتكرت مكتبة «فريدريشسهاين- كرويتسبرغ» ومكتبة «وسط برلين» مشروعاً لتشجيع القراءة، وتحفيز اكتساب اللغة. تساعد ثمانية برامج متعاقبة فيه، الأطفال حتى سن الثانية عشرة على أن يكونوا فصحاء ويمتلكوا معارف ومهارات يصبحون بها أقوياء كالكلمة، يصبحون «كلمة قوية».يتكون البرنامج من 8 مجموعات، لكل مجموعة منها عروض متتالية، يزورها الطفل لمدة عام دراسي كامل في الأغلب.
وبشكل عام تنتظم المقابلات في برنامج منظم متصل الحلقات، دائماً ما يكون الكتاب فيها في بؤرة الاهتمام. حيث يُلهم برنامج «كلمة قوية» الأطفال ويعينهم للوصول إلى الكتاب، ويمهد لهم السبيل إلى موضوعات الكتب المصورة ومحتوياتها. ولكي يتم ذلك تتبع أمينات المكتبة برنامجاً متكاملاً، عن طريق اللعب والموسيقى والرسم والحركة، لتصبح اللغة والأدب فيه تجربة حياة.
ويعمل أطفال المرحلة الابتدائية طوال عام دراسي كامل في موضوع واحد من موضوعات برنامج «وقت للقراءة»، مثل: ألف باء جيم، أو برلين، أو الحيوانات والنباتات. وتتكفل المكتبة بتوفير المداخل المتنوعة والمتغيرة، بالاستعانة بالأساليب التعليمية المختلفة، محفزةً إياهم على التعمق في الموضوع في المدرسة.
وقد حقق برنامج «كلمة قوية» نجاحاً بالغاً، وحصد جوائز عدة، منها جائزة مسابقة الاتحاد التي كانت تحت شعار «تشجيع المواهب كلها» لمبادرة «ماكينزي تُعلم» لعام ٢٠٠٥. وقد سجل هذا البرنامج كنموذج «أحسن تطبيق» أصداء واسعة داخل البلاد وخارجها، حتى إن كثيرين حذوا حذوه.
ليدي غاغا وحلب البقرة
تخلى مدير مدرسة أميركي عن هيبته أمام الطلبة، بعد أن التزم باتفاق عقده مع طلبة مدرسته الابتدائية بارتداء زي مستوحى من ملابس المغنية الأميركية ليدي غاغا، التي تتميز بأزيائها الغريبة، بعد أن قرأ الطلبة مجتمعين 10 آلاف كتاب.
ونقلت شبكة «دابليو إيتش دي إيتش» عن جاستن فيرنون، مدير مدرسة «روجر كلاب" في دورشستير في ولاية مساتشوستس، إنه تشارط في نوفمبر مع الطلبة بين صف الحضانة والخامس الابتدائي بأنه سيرتدي زيّ غاغا ويحلب بقرة إن قرأوا مجتمعين 10 آلاف كتاب.
ووضع المدير، التزاماً بوعده في نهاية العام الدراسي، على رأسه شعراً مستعاراً أشقر، وارتدى نظارات كبيرة وفستاناً أسود قصير وجوارب شبكية وحلب بقرة أمام الأطفال.
أمينة مكتبة جوالة
في اندونيسيا يطلق على المواطنة كيسوانتي لقب أمينة مكتبة جوالة نظراً للجهود الجبارة التي بذلتها لحمل الناس على القراءة هناك، في بلد يدمن مواطنوه شبكات التواصل الاجتماعي ويهملون الكتب، وكيسوانتي اضطرت وهي في سن الثانية عشرة إلى ترك المدرسة، وأمضت طفولتها وهي تقطف الثمار والفستق.
وكانت تنفق الأموال التي تتقاضاها لشراء الكتب. وعندما كبرت كانت تقوم بأعمال تنظيف في منازل موظفين أجانب في بلادها مقابل حصولها على روايات.
وقد أطلق عليها أمينة مكتبة جوالة لأنها أمضت ست سنوات تجوب الدروب الموحلة في البلدات النائية على متن دراجة هوائية في جاوا الغربية بصفتها بائعة لأعشاب طبية، حاملة معها الكتب على دراجتها لإعارتها إلى الأطفال. إلا إن جهودها المتواضعة هذه كان لها أثر متنامٍ ككرة الثلج، وباتت بلدتها الفقيرة الآن تضم مكتبة حقيقة، وهو أمر نادر حتى في مدن اندونيسيا الكبرى.