لم تكن طيء متصافية فيما بينها متحابة، فوقعت شأنها شأن غيرها من كثير من القبائل، بين عشائرها حروب، حتى تدخل الحارث بن جبلة الغساني فيما بينها، فأصلح حالها، فلما هلك عادت على حربها، فالتقت جديلة وغوث بموضع تحاربت فيه، قتل فيه قائد بني جديلة، وهو أسبع بن عمرو بن لام.
وأخذ رجل من سنبس أُذنيه فخصف بها نعليه، فعظم ما صنعت الغوث على أوس بن خالد بن لام، وعزم على لقاء الغوث بنفسه، وحلف ألا يرجع عن طيء حتى ينزل معها جبليها أجحا وسلمى، وتجبى له أهلها، وكان لم يشهد الحروب المتقدمة، لا هو ولا أحد من رؤساء طيء، كحاتم، وزيد الخيل، وغيرهم من الرؤساء.
فلما أقبلت جديلة وعلى رأسها أوس بن حارثة بن لام، وبلغ الغوث جمع أوسٍ لها، أوقدت ناراً على ذروة أجا، وذلك في أول يوم توقد فيه النار، فأقبلت قبائل الغوث، كل قبيلة وعليها رئيسها، ومنهم زيد الخيل، وحاتم، وتلاحمت بجديلة في يوم اليحاميم ويعرف أيضاً بقارات حوق، الذي انتهى بهزيمة منكرة حلت بجديلة، فلم تبق لها بقية للحرب، فدخلت بلاد كلب، وحالفتهم وأقامت معهم.
ويشير أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام، ان بني طيء قد أقاموا منذ نحو ألفي سنة في جوار جبليهم الشهيرين وهما أجا وسلمى، وقد سميّ السريان العرب كلهم طائيين من باب تسمية الكل باسم الجزء، ولأنهم - أي السريان - كانوا متصلين بقبائل هذا الحي أكثر مما كانوا متصلين بسائر القبائل، وبنو طيء يُعرفون اليوم باسم شمّر، حسب زكريا.
وهو اسم أحد بطونهم الذي تسلط على من بقي منهم. وكان مقام الشمّريين في قرية أسمها (توران)، على ما قاله ياقوت في معجمه، إذ يذكر انها قرية في أرجاء أحد جبلي طيء لبني شمّر من بني زهير.
وكان سيد طيء في أيام الرسول، زيد الخيل بن مهلهل الطائي، وهو ممن قَدِم على الرسول في وفد طيء، وقد قطع له الرسول فيداً وأرضين معه، وكتب له بذلك، ولكنه توفي في موضع يُقال له فردة من بلاد نجد من حمى علقت به أثناء إقامته بيثرب، فلما يبلغ مكانه.
و(زيد الخيل) الذي سماه الرسول (زيد الخير)، هو من بني نبهان من طيء. وكان في الوفد رجال آخرون منهم (وزر بن جابر ابن سدوس) من بني نبهان، و(قبيصة بن الأسود بن عامر) من جرم طيء، و(مالك بن عبدالله بن خيبري) من بني معن، و(قعين بن خليف بن جديلة).
ومن طيء الرجل الذي ضرب بجوده المثل، والذي مازال الناس يذكرون اسمه على أنه المثل الأعلى في الكرم، وهو (حاتم الطائي). مقري الضيوف ومغيث الفقراء.
وطيء، هي من ولد جلهمة بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد كهلان، ويذكر الأخباريون أنها كانت باليمن، ثم خرجت على اثر الازد إلى الحجاز، ونزلوا سميراً وفيداً في جوار بني أسد، ثم استولوا على أجا وسلمى وهما جبلان من بلاد أسد، فأقاموا في الجبلين حتى عُرفا بجبلي طيء.
وتفرقت طيء إلى بطون عديدة، يرجع أصولها النسابون كعادتهم إلى آباء وأجداد، ومن هؤلاء جديلة، وتيم الله (بنو تيم) وحيش والاسعد، وقد جلا هؤلاء عن الجبلين. وبحتر بن عتود، وبنو نبهان، وبنو هيء، وبنو ثعُل والثعالب.
وهم بنو ثعلبة بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء، وهم في طيء نظير الربائع في بني تميم. ومن بني ثعلبة بن غياث، وكان على مقدمة عمرو بن هند (الملك) يوم أوُاره، وبنو لام بن ثعلبة. وبحتر هي من طيء.
وفي ثعل وهو أخو نبهان بن عمرو بن الغوث، ورد في جمهرة أنساب العرب؛ بنو ثعل معروفون بالإجادة في الرمي، وإياهم عنى امرؤ القيس بقوله:
رُبَّ رامٍ من ثعُل
مُخرِجُ كفيه من ستره
وفي بني ثعل أيضاً قيس بن ثعلبة بن ثعل الذي يقول فيه إمرؤ القيس:
أجاد قيساً فالطهاء فمسطحا
و جوى فروى نخل قيس بن شمرا
ورد عن ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى عام 852ه، ان شمر بن عبد خذيمة بن زهير بن ثعلبة بن سلامان الطائي، وابنه قيس بن شمر هو صاحب امرؤ القيس الشاعر.
وكان لطيء جد هذه القبيلة من الولد: فطرة، والغوث والحارث. فأما ولد الحارث فدخلوا في مهرة بن حيدان. وأما ولد فطرة، فمنهم جديلة، وولد خارجة بن سعد بن فطرة، وتيم الله، وحيش، والأسعد. ومن نسل هؤلاء تفرعت سائر بطون طيء. ومن بني الغوث بن طيء بن ثعل، ومنهم سلامان وجرول، ومن بني سلامان بحتر (قبيلة الشاعر البحتري)، ومعن، وهما بطنان ضخمان، وجرول بن ثعل.
ومن بني جرول ابن ثعل ربيعة بن جرول وهم بطن ضخم ( وأُطلق هذا الاسم لاحقاً على منطقة جغرافية معروفة بين العراق وسوريا وتركيا عُرفت بديار ربيعة جمعت أبناء هذه القبيلة مع أبناء عمومتهم شمر تفريقاً لها عن ديار بكر التي تواجدت إلى شمالهم في ما يعرف اليوم بديار بكر الواقعة ضمن حدود تركيا اليوم)، ولوذان بن جرول بن ثعل.
ومن بني ربيعة بن جرول أخزم والنجد. والأخزم بطون عديدة، ومنها عدي بن أخزم، ومن رجال هذا البطن حاتم الطائي المعروف بجوده فالأخزم هم رهطه، وعمرو بن الشيخ وكان أرمى الناس في زمانهِ وربما هو الذي عناه امرئ القيس ببيته السابق.
وإن كنا لا نعرف الكثير عن تاريخ هذه القبيلة في الجاهلية كما يشير الدكتور جواد علي، إلا أننا في استطاعتنا أن نقول أنها كانت ذات مكانة خطيرة في تلك الأيام، بدليل إطلاق اسمها عند بعض الكتبة الكلاسيكيين وعند الفرس وعند السريان وعند يهود بابل على جميع العَرب.
ولا يُعقل إطلاق اسم هذه القبيلة على جميع العَرَب لو لم تكن لها منزلة ومكانة في تلك الأيام، ولو لم تكن قوية كثيرة العدد ممعنة في الغزو ومهاجمة الحدود، حتى صار في روع السريان أنها أقوى العرب، فأطلقوا اسمها عليهم. وبدليل اختيار الفرس لإياس بن قبيصة، وهو من طيء لتولي الحكم في الحيرة مرتين، ولابد أن يكون لمركز قبيلته سند قوي اسنده في الحكم.
وليس بمستبعد أن تكون قبائل قضاعة قد حلت محل طيء في الشمال مما اضطر الأخيرة إلى التزحزح من أماكنها والدخول في غيرها والاكتفاء بمنطقتها في جنوب النفود. أي في جبلي طيء.
* قتل عنترة العبسي
وبالرغم من انتزاع طيء لجزء من أرض بني أسد، وهم من مضر، وسكناهم فيها، فإن بني أسد وكذلك بني ضبة التي كانت قد تحولت عن بني تميم إلى طيء، انضموا إلى طيء على عادة القبائل قديماً وسياسة تحالفاتها لأسباب عدة، وساعدوها في الحرب التي وقعت بينها وبين بني يربوع، وهم من تميم، تساعدهم بنو سعد. وانتهت بهزيمة بني يربوع في موضع «رجلة التيس».
ولعل من أشهر غزواتها التي خاضتها هذه القبيلة، تلك التي وقعت بينها وبين عَبْس، قضت إحداها على حياة (عنترة بن شداد)، والبطل الأسود الشهير على حد تعبير أبو الفرج الاصبهاني في كتابه الأغاني.
وكان قد أغار عنترة مع قومه على بني نبهان من طيء، وهو يومئذٍ شيخ كبير، قد عبثت به يد الدهر، فجعل يرتجز، وهو يطرد طريدة لطيء، فانهزمت عبس، وأصيب عنترة بجرح قضى عليه. وهناك رواية أخرى في مقتل بطل عبس.
وتنتمي قبيلة طيء إلى مجموعة قبائل عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وهي من أشهرها مع قبائل الأشعر، ومذحج، وبنو مرة. وعلى ذلك فإن المنتمين لهذه القبائل هم في الحقيقة أبناء عمومة، أما شمر القبيلة فهي بطن من طيء كما مر معنا.
ولكنه غلب على الكل فسميت القبيلة باسمه (شمر) أما خبر يوم أواره المار ذكره، كما يرويه الإخباريين هو أن ابن هند ملك الحيرة أغار علي إبل لطيء، فحرض زرارة بن عدس، عمرو بن هند على طيء، وقال له انهم يتوعّدونك، فغزاهم فوقعت بسبب ذلك جملة حوادث تسلسلت إلى يوم أواره.
وتفصيله، كما يقول الإخباريون أنه كان عمرو بن هند قد عاقد الحي الذي غزاه على الا ينازعوا ولا يفاخروا ولا يعزوا، فلما غزا عمر بن هند اليمامة.
ورجع، مرّ بطيء، انتهز زرارة بن عدس - وكان كارهاً لطيء مبغضاً لها - هذه الفرصة، وأخذ يحرضه على غزوها، ويشجعه عليه، وما زال به على ذلك حتى غزاها، بعد أن بلغه هجاء الشعراء الطائيين له، فتمكن منها وأخذ جملة أسرى، من بطن (أخزم) وهم رهط حاتم الطائي.
وكانت صلة هذه القبيلة بالفرس حسنة، ولما أراد الملك النعمان الالتجاء إليهم والدخول فيهم ليمنعوه من الفرس، لمصاهرته لهم، وأخذه زوجتين هما فرعة بنت سعد بن حارثة بن لام وزينب بنت أوس بن حارثة بن لام منهم، لم تقبل طيء جواره ولا مساعدته، وقالت له: (لولا صهرك قاتلناك، فإنه لا حاجة لنا في معاداة كسرى). وقد جعل كسرى إياس بن قبيصة على الرجال من الفرس والعرب في حرب بكر بن وائل في معركة ذي قار.
ويظهر من روايات الإخباريين أن رؤساء طيء كانوا يحملونها، وكانوا يلقبون بملك. فقد ذكروا أن عدي بن حاتم الطائي كان رئيس طيء في أيام الرسول، وكان ملكاً عليهم يأخذ منها الرباع. فلما جاءت خيل الرسول إليه بقيادة علي بن أبي طالب، فَرّ إلى الشام، ثم ترك الشام، وذهب إلى الرسول فأسلم، وأكرمه الرسول.
وأما قبائل مجموعة عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ المار ذكرها فلنا معها وقفة، لوجود العديد من أهم وأشهر قبائل المنطقة ضمن هذه المجموعة وأشهرها كما قلنا الأشعر وطيء ومذحج وبنو مرة. فمذحج وهي من القبائل العربية الكبيرة، وقد تفرعت منها قبائل كثيرة كذلك.
وتنتسب إلى جد أعلى لها، هو مذحج، وهو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، وأبو عدة أولاد هم: جلد بن مذحج، ويحابر وهو مراد، وزيد وهو عنس، وسعد العشيرة، ولهيس بن مذحج. وأمهم كلهم سلمى بنت منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر.
ومن بني عنس بن مذحج عمار بن ياسر الصحابي المعروف، والأسود العنسي مدعي النبوة، ومن زبيد الأصغر وهو منبه بن صعب بن سعد العشيرة أبو ثور عمرو بن معد يكرب فارس العرب، أدرك الأصغر الإسلام وشهد القادسية، واستشهد بنهاوند زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وحوادث في العراق أشهر من أن تُذكر وهو القائل:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
وأبين بطون جلد بن مذحج بن أدد بنو عُلة بن جلد، ومن أولاد علة: عمرو، وعامر، وحرب، تفرعت جملة قبائل أظهرها: النخع بن عمرو بن علة. وبنو الحارث بن كعب بن علة، ورهاء وهو منبة بن الحارث بن عُلة، وصداء وهم من نسل يزيد بن حرب بن علة.
وقد تحالفت منبّه والحارث والعلاء (العلى) وسيحان (سنجان) وهفان وشمران، وهم ولد يزيد بن حرب بن علة بن جلد على بني أخيهم صداء بن يزيد بن حرب، فَسُمّوا جَنْباً، لأنهم جانبوا عمهم صداء، وحالفوا بني عمهم بني سعد العشيرة، ومن جنب معاوية الخير الجنبي صاحب لواء مذحج في حرب بني وائل، وكان مع تغلب.
والجنبة قبيلة عربية عريقة لها وجود فاعل وقوي في دول الخليج سواء في دولة الإمارات أو في سلطنة عمان، والفرد منهم جنيبي، وهم كما يصفهم لوريمر J.G.Lorimer، قبيلة كبيرة في سلطنة عمان، من أصل يماني، لكنها تنتمي إلى الغافرية من الناحية العصبية.
وهم من أهل السنة، شوافع، وشيوخهم المجاعلة (مفردها مجعلي). وينقسم الجبنة بين مستقرين ورّحل، وحاضرتهم صور، غير أنهم يملكون أيضاً جزيرة مصيرة، ويقيمون مع الحكمان وآل وهيبة المتناثرين هنا وهناك بطريقة عشوائية في الساحل الجنوبي الشرقي لعُمان، من رأس الكبش الذي يملكون فيه قرية حتى بداية إقليم ظفار ويقوم بعضهم بزيارة مرباط في ظفار.
كما يقيم منهم بين الحكمان في محوت، وهناك مستوطنات منفصلة، حسب لوريمر، للجنبة في بهلاء، وعز في عمان الداخل، وفي وادي المنوقة بالباطنة.
وقد استفاض المستشرق الانجليزي المعاصر كارتر J.R.L.Carter في كتابه قبائل من عمان Tribes in Oman في شرح تاريخ القبائل العمانية ومنها الجنبة وذكر ان حكم أول شيخ من المجاعلة شيوخ يعود إلى الفترة من عام 1600-1650، أما آخر شيوخهم الذي حكم صور، فكان الشيخ سلطان بن محمد بن المر المجعلي. وكانت الأسرة الحاكمة في صور لها ربع مداخيل ما يصدر من تمور وغيرها حسب كارتر.
ويصف المؤرخ العماني السيابي مدينة صور بأنها «مدينة الجنبة ومعقلهم في عمان». وعن ميناء صور يذكر مايلز في كتابه « الخليج.. بلدانه وقبائله « ما نصه « الصوريون هو الاسم المعروفة به قبيلة الجنبة، وكان هذا الاسم يمثل رُعباً في المحيط الهندي في العصور الماضية».
*ضرورة التوثيق
كم نحن في الحقيقة بحاجة إلى أعمال توثيقية تعنى بتاريخ قبائل المنطقة وما قدمته من تضحيات، والبحث في تاريخ الأسر الحاكمة، ومجال دراسة تاريخ (البيوتات) بصفة عامة فتاريخها في الواقع من الشمول ما يتناول تاريخ القبائل بأسرها.
ونحن أبناء اليوم وإن لم نكن جزءاً من صيرورة هذا التاريخ اليوم، كما كان الآباء والأجداد جزءاً من صيرورته على أيامهم ودخلوا اليوم سجلات التاريخ، أليس من الأجدر بنا أن نوثق إسهاماتهم تلك، لأننا سنكون بعد سنوات أو عقود جزأً من هذا التاريخ.
وهذه مسألة قَلّ من التفت إليها التفاتة جدية، ربما لحساسية موضوع ربما يتصل بشكل أو بآخر بتاريخ هذه القبائل والذي دَوّنه كما نعرف المستعمر ودوافع ونيات وأهداف ذلك المستعمر تختلف بطبيعة الحال عن دوافع أبناء هذه القبائل.
والتي لحقها ربما الكثير من الظلم والغبن والتجني، تاريخ تلك القبائل التي شكلت - وما زالت تشكل بعد أن انصهرت واندمجت وبشكل حضاري في مجتمع حديث داخل إطار الدولة العصرية وهم أبناء مجتمعات هذه المنطقة - ولكننا نعتقد ان تلك الحساسيات ينبغي ان توضع جانباً، عندما يكون العمل موثقاً، والاهم من ذلك وقبله نُبْل المقصد خدمة للعلم وخدمة للوطن.
لقد مر زمن على القبائل في جزيرة العرب عاشته انعزالية، بعد ان اضمحلت السلطة الفعلية على البادية، فصارت كل قبيلة تشكل كياناً خاصاً يشبه دولة داخل الدولة، فكانت للقبيلة حدودها التي لا يجتازها أحد إلا بعلمها.
ولها لهجتها الخاصة نتيجة الانعزال أو كما يسميها البدو عادة (لغوة خاصة بها)، وكان حرد القبيلة (الحرد هو الزي والقسمات وكل ما يدل على هوية الإنسان) يُعرف أينما وجد أحد من أبنائها.
ونظراً لهذا الانغلاق تكونت معارف أبنائها من مجالسهم، وصارت عادات القبيلة الواحدة تختلف عن جارتها. وهذا كله فيه إغناء برأينا لهذا النمط من الدراسات الانثروبولوجية التي نرى أنفسنا بلا شك مقصرين تجاهها، كما فيه محفز دائم بالنسبة لأبناء القبائل اليوم في زمن العولمة لدراسة ذلك التراث الغني والتاريخ الذي بقيت مسألة تقليبه ودراسته حكراً على الغرب لعدة قرون.
ويشير الدكتور جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، إلى أن بني مرة بن أدد، أخوه طيء ومذحج والأشعريين، بطون كثيرة تنتهي كلها إلى الحارث بن مرّة، مثل خولان ومعافر ولخم وجذام وعاملة وكندة.
أما قبيلة طيء في عُمان فيذكر الرحالة الألماني ماكس فون اوبنهايم عنهم أخباراً في يوميات رحلته التي قام بها من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج، والذي زار مسقط وقابل السيد فيصل بن تركي، يقول عنها.. ان طائفة من قبيلة الازد هاجرت إلى بلاد عمان، وأخرجت منها الفرس في الزمن الذي تداعى فيه سد مأرب، وبالذات نحو سنة 120م، وقد كان الأزد عرباً جنوبيين من أقارب اليعاربة.
وبعد ذلك بسبعين عاماً ويبدو أن موجة جديدة من هجرة الأزد أخذت طريقها إلى بلاد عمان بقيادة مالك بن فهم، وكان مالك بن فهم من التنوخيين تربطه صلة قرابة مع الأمراء الذين أسسوا مدينة الحيرة عند أسفل الفرات (هل لهذه الصلة ما يبرر تسمية بعض الأماكن في المنطقة سواء في عُمان أو في دولة الإمارات العربية المتحدة بأسماء من وحيها، ففي عُمان هناك وادي كبيرة ومعروف اسمه وادي الطائيين، وفي إمارة الشارقة هناك موقع يسمى الحيرة، والموضوع بحاجة إلى المزيد من البحث والتقصي) .
وتذكر الأخبار أن عمان كانت تابعة للمناطق التي تدفع الجزية لأمراء الحيرة، ومهما يكن من أمر فإن العلاقات ظلت قائمة بين جنوب العراق العربي وبلاد عُمان فيما تبع ذلك من العهود. وحدثت كذلك هجرة ثالثة من جنوب البلاد العربية، توجّهت خلالها مجموعة من قبيلة طيء في القرن الرابع الميلادي إلى عمان عندما أخرج سابور الثاني ملك الفرس عرب الساحل الشرقي من شبه الجزيرة، ودفعهم إلى النزوح في اتجاه الجنوب.
ويشير المستشرق الفرنسي مونتاني في كتابه - الذي لم يُترجم كاملاً على حد علمنا إلى اليوم - «قصص شعرية ملتقطة من شمّر الجزيرة» والمقصود بالجزيرة هنا هي الجزيرة الفراتية موطن الكثير من القبائل العربية العريقة التي خرجت من الجزيرة العربية مهاجرة لأسباب عدة، يقول مونتاني ان طيئاً الحاضرين ليسوا قدماء من زمن بعيد في الجزيرة.
ولا يمتون إلى من تحدث عنهم ابن خلدون إلا بعلاقة النسب، بل أن هؤلاء كانوا في القرن 12هـ (18م) لا يزالون في نجد في جبلهم المسمى باسمهم، ضمن حلف عشائري مؤلف من طيء وبهيج وسنبس، ويظهر أن مجيء شمر من اليمن إلى نجد - على أن شمراً فرع من طيئاً كما هو معروف - ومزاحمتها الحلف العشائري المذكور، أدت إلى هجرة هذا الحلف نحو العراق والجزيرة، فبلغت طيء أنحاء الجزيرة، وبلغت سنبس وبهيج أنحاء كركوك في العراق.
حيث تجد بقاياهما حتى الآن، والدليل على حداثة هذه الهجرة ان فرقة الأسلم الشمرية التي تمت إلى طيء والى حاتم الطائي لا تزال تملك بساتين نخيل في جبل سلمى، وطيء الجزيرة الحاليون يدعون، حسب مونتاني، أنه لا يزال لهم أملاك في نجد، ولما قتل الترك الشيخ صفوق الجربا رئيس شمر في حدود سنة 1843م قامت أرملته عمشة المشهورة ببنت طيء، وحملت أولادها، ولجأت بهم إلى أخوالهم الطائيين الباقيين في نجد، ولقت لديهم ترحاباً.
مهما يكن تاريخ هذه الهجرة، فإن طيء الحالية وخاصة بطونها الأصلية الأربعة سنبس وبنو اليسر (اليسار) والفرير والحريث، ومعها أحلاف عديدون مختلفو المنابت، جاءت إلى الجزيرة الفراتية وفرضت سيطرتها على العشائر القديمة المستقرة فيها من قبل، ثم انبسطت من حدود دير الزور على الفرات إلى سفوح جبال الأناضول في تركيا.
وجبت الإتاوات (الخوة) من الأعراب والأكراد القديمين، وكانت في تلك الحقبة ذات سطوة وحركة كبيرين من الغارات والمعارك، على نحو ما كان للعبدة والخرصة من شمر، وكانت طيء كما كانت شمر التي خلفتها منقسمة إلى جذمين كبيرين.
ولا يزال رؤساء طيء معدودين من كبار رؤساء العشائر في عراقة النسب، لهذا لما تخطّت شمر إلى الجزيرة، وفرضت الخوة على عشائرها القديمة أبت طيء أن تؤدي الخوة أنفة.
واكتفت بتزويج إحدى بناتها، وهي الشيخة عمشة ابنة شيخ طيء حسين العبدالله إلى صفوق بن فارس الجربا شيخ شمر، وجاء بعد عمشة هذه فرع كبير من آل الجربا دُعي بـ (العمشات)، وصارَ شمر حتى الآن إذا خاطبوا أحداً من شيوخ طيء ينادونه: يا خالي.
بل إن أم آل الجربا شيوخ شمر على ما هو معروف كما يذكر عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، وأسمها محفوظة هي من الفضول من طيء (من بني لام)، ويؤيد هذا ما قاله صاحب «مطالع السعود» عثمان بن سند بقوله:
وقد سمعت بنيّة الجربا ينتسب إلى طيء القبيلة المعروفة. وقد ذكر صاحب « قلب جزيرة العرب» فؤاد حمزة أن الجربا من قبيلة سنجارة وفرعها إلى العامود والجربا، وبَيّن ان من الجربا آل حريز، والحسنة والبريج. والمنقول عنهم أن سنجارة قبيلة زوبعية وترجع إلى الحريث من طيء، والجربا من طيء رأساً وأنها من بطونهم القديمة.
تأليف: عمار السنجري