«الوقاية خير من العلاج».. كلمات من ذهب يدرك معناها كل من يخوض حرباً ضروساً مع المرض، فالوقاية دائماً أفضل من العلاج.

ويمكن تحقيق الوقاية من الكثير من الأمراض والحفاظ على الصحة العامة عن طريق ممارسة الرياضة بشكل منتظم، عندما تمارس الرياضة بانتظام، يتحسن الجهاز المناعي وتزداد القدرة على محاربة الأمراض والعدوى.

وتقلل من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل القلب والسكري. بالإضافة إلى ذلك، يعزز النشاط البدني والتمارين الرياضية حركة الدورة الدموية، ويحسن المزاج، فيما تسبب قلة الحركة الشعور بالخمول ومرض الأرق، السبب الرئيسي للسمنة والاكتئاب وضعف المناعة.

بحسب منظمة الصحة العالمية، يعتبر الخمول البدني «القاتل الصامت» أحد العوامل الرئيسية لخطر الإصابة بالأمراض غير السارية، ورابع سبب رئيسي للوفاة المبكرة على الصعيد العالمي، ويقدر أنه يسبب ما يتراوح بين 3.2 و5 ملايين وفاة سنوياً على مستوى العالم.

تواصل

عالمياً، يقدر أن الخمول البدني يسبب حوالي 27 % من مرض السكري، و30 % من مرض القلب، وبين 21 % و25 % من سرطان الثدي والقولون، وبذلك تبرز أهمية ممارسة الرياضة ودورها الحيوي في حياة الإنسان وفوائدها العديدة التي لا يمكن حصرها على الصحة العامة، لذا من المهم أن تكون الرياضة جزءًا أساسيًا من نمط الحياة الصحي في ظل تنامي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي.

توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة أن يؤدي الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا 60 دقيقة على الأقل من النشاط البدني المعتدل إلى القوي يوميًا.

ويتوجب على البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 - 64 عامًا والكبار البالغ عمرهم 65 عامًا فما يزيد أن يمارسوا ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني الرياضي معتدل الشدة طوال الأسبوع، أو أن يمارسوا ما لا يقل عن 75 دقيقة من النشاط البدني قوي الشدة خلال الأسبوع، أو أن يمارسوا مزيجًا معادلًا من النشاط المعتدل والقوي.

ويُقدر تقرير منظمة الصحة العالمية أن أكثر من ربع سكان العالم، لا يقومون بنشاط بدني أو تمارين رياضية كافية.

عربياً، وصل الخمول البدني إلى مستويات خطرة في منطقة الشرق الأوسط التي تضم أعلى مستوى من السكان الخاملين بدنياً بين أقاليم منظمة الصحة العالمية وتشمل أعلى نسبة من النساء. تصنف منظمة الصحة العالمية منطقتنا العربية ضمن أقل المناطق ممارسة للرياضة وفقاً لما جاء في تقرير «خطة العمل العالمية حول النشاط البدني 2018 - 2030».

حيث إن بين 60 و70 % من السكان لا يمارسون الرياضة بشكل منتظم، وبحسب التقرير، فإن الدول العربية كانت في مقدمة الدول التي يقل فيها النشاط البدني للسكان أو الأعلى في معدلات الاسترخاء وقلة الحركة، وتمتلك منطقة الشرق الأوسط معدلات سمنة تعد من بين الأعلى لدى البالغين في جميع أنحاء العالم، كما أنها تشهد بعضاً من أكثر الزيادات فيما يتعلق ببدانة الأطفال.

ويتوقع الاتحاد العالمي للسمنة في تقريره لعام 2023 أن 51 % من سكان العالم أي ما يتجاوز أربعة مليارات نسمة سيعانون من السمنة أو زيادة الوزن خلال الـ12 عاماً المقبلة. وتعد المنطقة العربية من أعلى المناطق في العالم التي تشهد انتشارًا واسعًا لمرض السمنة.

، حيث يصل معدل خطر الإصابة بالسمنة لدى الأطفال في أغلب الدول العربية إلى المستوى «الأحمر» وعلى سبيل المثال يبلغ في مصر 9.5 على 11 فيما يبلغ معدل خطر السمنة على مستوى مصر ككل 7.5 على 10 ويبلغ خطر السمنة لدى الأطفال في السعودية 8.5 على 11 وخطر السمنة على صعيد المملكة ككل 8 على 10.

أرقام مفزعة

على الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الدول العربية من خلال تطوير السياسات والبرامج التي تشجع على ممارسة الرياضة والنشاط البدني، وتوفير البيئات المناسبة لذلك، مثل بناء الملاعب والصالات الرياضية وتحسين وسائل النقل النشط وتطوير البرامج التعليمية والتدريبية ونشر الوعي بين أفراد المجتمع، إلا أن معدلات ممارسة الرياضة ما زالت ضعيفة.

وحذرت دراسات ميدانية في عدد من الدول العربية من خطر إهمال النشاط البدني وأشارت إلى أرقام مفزعة.

حيث كشفت دراسة ميدانية أجراها المرصد الوطني للرياضة والمعهد الوطني للإحصاء في تونس عن أن 84 % من التونسيين لا يمارسون الأنشطة البدنية والرياضية وأن واحداً من أربعة تونسيين من الفئة العمرية 15 عامًا فما فوق، يعاني مرض السمنة، و15 % من هذه الفئة العمرية، يعانون مرضى السكري، وواحدًا من أربعة من الفئة ذاتها، يعاني ارتفاع ضغط الدم.

وكشف تقرير للهيئة العامة للإحصاء في السعودية «مسح ممارسة الأسر للرياضة 2021» عن نسب ممارسة الرياضة والنشاط البدني في مختلف الأعمار والمناطق لعام 2021 عن حوالي 30 % من السكان فقط مارسوا النشاط البدني لمدة 2.5 ساعة على الأقل أسبوعيًا في 2021.

وأشار التقرير إلى أن 29.7 % من السكان في المملكة مارسوا النشاط البدني لمدة 150 دقيقة على الأقل في الأسبوع في عام 2021، مقارنة بـ20 % في عام 2019 وأن 48.2 % من السكان يمارسون النشاط البدني لمدة 30 دقيقة على الأقل في الأسبوع، بزيادة قدرها 3.2 نقاط مقارنة بعام 2019 (45).

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تعتبر السعودية واحدة من أكثر عشر دول في العالم إصابة بمعدلات السمنة، حيث يعاني حاليًا نحو 65 % من البالغين في السعودية من الوزن الزائد، ويعاني 28 % من السمنة، ويؤدي ذلك إلى إصابة هؤلاء في الغالب بأمراض مرتبطة بالوزن الزائد، مثل السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم.

وتظهر أرقام نشرتها مجلة «ذا لانسيت» الطبية البريطانية أن السعودية، في ترتيب أكثر الدول خمولًا، فحسب المجلة وصلت نسبة الخمول البدني في السعودية إلى نحو 68 %.

وقد تزيد الظروف النفسية من فرص الإصابة بالسمنة في السعودية، إذ يعاني 20 % من السعوديين من الاكتئاب، ويعاني نحو 40 % من اضطرابات النوم، وتؤدي هذه الاضطرابات النفسية إلى اضطرابات في النظام الغذائي مما قد يزيد من احتمال الإصابة بالسمنة.

وفي 2019 كشفت وزارة الصحة القطرية عن أكثر من 70 % من سكان قطر يعانون الوزن الزائد أو السمنة المفرطة، وهذه نسبة تستدعي دق ناقوس الخطر، ولا سيما أن بيانات حديثة تشير إلى أن 48 % من الرجال يعانون من السمنة المفرطة، لذلك أطلقت الحكومة القطرية حملة لمحاربة السمنة لدى القطريين من مختلف الأعمار.

في ظل هذه الأرقام المفزعة، حرصت «البيان» على تسليط الضوء على ضعف إقبال المجتمعات العربية على ممارسة الرياضة والنشاط البدني وتأثير ذلك على صحة الفرد والمجتمع

ومناقشة نقص الوعي لدى شرائح واسعة من الأفراد بأهمية الرياضة للوقاية من العديد من الأمراض والحفاظ على الصحة، وحاولنا الاستعانة بآراء الخبراء والمختصين للخروج بمجموعة من التوصيات التي تساعد على حث المجتمعات العربية لتبني نمط حياة صحي وبالتالي خفض تكلفة العلاج والرعاية الطبية من بوابة الرياضة.

الإمارات.. الأفضل عربياً والهدف 70 %

أطلقت الهيئة العامة للرياضة خطة لتطوير القطاع الرياضي في الإمارات تحت عنوان «استراتيجية قطاع الرياضة في الإمارات 2032»، ترتكز على 3 محاور رئيسية، الرياضة المجتمعية والرياضة التنافسية والمنظومة الرياضية، وتهدف إلى بناء مجتمع رياضي متميز وزيادة نسبة مشاركة أفراد المجتمع إلى أكثر من 70 %.

وتعد الرياضة في الإمارات من أهم مرتكزات الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة التي تتضمن 3 مستويات رئيسية «الأفراد والمجتمع والدولة» و14 محوراً و9 أهداف استراتيجية تشمل تعزيز نمط حياة الأفراد من خلال تشجيع تبني أسلوب الحياة الصحي، وتعزيز الصحة النفسية الجيدة، وتبني التفكير الإيجابي كقيمة أساسية، وبناء مهارات الحياة.

وأكد الشيخ سهيل بن بطي آل مكتوم، المدير التنفيذي لقطاع التنمية الرياضية في الهيئة العامة للرياضة، أن نسبة مشاركة أفراد المجتمع في الرياضة في الإمارات تعد متوسطة حالياً لكنها الأفضل على الصعيد العربي وأن الجهود مستمرة حتى تكون الإمارات من بين أفضل الدول على مستوى العالم في السنوات القليلة المقبلة.

حيث تعتبر الرياضة أداة ناجعة لتحقيق الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031 التي تهدف إلى الانتقال بدولة الإمارات من مفهوم الحياة الجيدة إلى المفهوم الشامل لجودة الحياة المتكاملة.

وأوضح الشيخ سهيل بن بطي آل مكتوم أن تبني أسلوب الحياة الصحي وتعزيز الرياضة المجتمعية من المحاور الرئيسية لاستراتيجية قطاع الرياضة في الإمارات 2032.

مشيراً إلى أن الهيئة العامة للرياضة أطلقت استبياناً لمعرفة نسبة ممارسي مختلف أوجه النشاط البدني في الإمارات وتحليل النتائج لوضع التوصيات المناسبة لإحداث التطوير المطلوب، وتم اختيار عينة من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية والجنسيات من مناطق عدة في الدولة شملت 20 ألف شخص بواقع 50 % من المواطنين و50 % من المقيمين ذكوراً وإناثاً ممن تبلغ أعمارهم 18 عاماً فما فوق.

 الوزير كمال دقيش: 84 % من التونسيين لا يمارسون الرياضة

أطلق كمال دقيش، وزير الشباب والرياضة في تونس، صيحة فزع حول تدني نسبة ممارسة التونسيين للرياضة والنشاط البدني، ما يفسر الانتشار الواسع لعدة أمراض في المجتمع، منها السمنة والسكري وضغط الدم، مؤكداً أن 84 % من التونسيين لا يمارسون الرياضة وأن هذه النسبة تصل إلى 88 % لدى الفئة العمرية 8 - 12 عاماً.

حيث لا تتجاوز ممارسة الرياضة في صفوف الأطفال من هذه الفئة 12 %، وذلك وفقاً لدراسة ميدانية أجراها المرصد الوطني للرياضة. وشدد الوزير التونسي على ضرورة التصدي لهذا الوضع الذي وصفه بالخطير والمقلق، وقال: «نحتاج إلى نشر الوعي المجتمعي بأهمية ممارسة الرياضة على صحة الإنسان وإلى دفع العمل المشترك مع كل الوزارات ومكونات المجتمع المدني».

وأوضح دقيش أن تداعيات عدم ممارسة الرياضة والنشاط البدني وصلت إلى مستويات خطرة في صفوف فئة اليافعين، حيث تعاني نسبة كبيرة منهم من السمنة وباتوا الأكثر عرضة للإصابة بالسكري وضغط الدم.

وأكد الوزير التونسي أن ممارسة الرياضة لم تعد نشاطاً ترفيهياً بل مسألة حياتية، داعياً جميع الأطراف المتداخلة إلى ضرورة تطوير آليات التوعية والتشجيع على ممارسة الرياضة لدى الأطفال واليافعين والكهول وخاصة كبار السن، مشيراً إلى أن الهرم الديمغرافي في تونس سيتغير بداية من عام 2030 بزيادة عدد المسنين مقارنة بالشباب.

وبشأن دور وزارة الشباب والرياضة في التصدي لهذه الظاهرة السلبية في المجتمع التونسي التي تخلف وراءها تكلفة اقتصادية باهظة بسبب ارتفاع فاتورة علاج الأمراض المزمنة، قال دقيش:

تعمل الوزارة على إطلاق منظومة ومشروع طموح للتشجيع على ممارسة الرياضة تحت عنوان «رياضة المواطنة»، بهدف توسيع قاعدة ممارسي الرياضة وتحقيق نسب مشاركة عالمية قريبة من الدول الاسكندنافية التي تصل فيها نسبة ممارسة الرياضة إلى 84 % من السكان.

وأعرب دقيش عن تفاؤله برفع نسبة ممارسة الرياضة والنشاط البدني في المجتمع التونسي، مشدداً على ضرورة الاستفادة واستثمار عامل الطقس المعتدل في تونس الذي يشجع على رياضة المشي، والتي تأتي في المرتبة الثانية على صعيد الرياضات الأكثر ممارسة في تونس بنسبة 15.1 %.

وكشف الوزير التونسي عن أن وزارته بدأت في إطلاق العديد من المبادرات المجتمعية التي تهدف لزيادة ممارسة الرياضة وتبني أسلوب حياة صحي ونشط في المجتمع.

مشيراً إلى توقيع الوزارة اتفاقيات مع العديد من الجهات والمؤسسات مثل قرى الأطفال «أس أو أس» وإدارة السجون وغيرها لتشجيع ممارسة الرياضة.

من جهتها، كشفت مها الزاوي، مديرة المرصد الوطني للرياضة في تونس، عن إطلاق برنامج نموذجي يستهدف طلبة المدارس الابتدائية في العام الدراسي المقبل تحت عنوان «كيدس أتلتيكس»، ويشمل البرنامج مختلف المحافظات في تونس، وسيتم من خلاله توفير التجهيزات اللازمة ومتابعة المدارس بشكل دوري للتشجيع على ممارسة الرياضة.

البروفيسور الجزائري جمال عباس: نقص في الوعي بأهمية الرياضة

أكد البروفيسور الجزائري جمال عباس، مستشار التخطيط الاستراتيجي والتميز المؤسسي، أن نسبة ممارسة الرياضة في المجتمع الجزائري لا تتجاوز 30 % في 2022 وفقاً لعدة دراسات وإحصائيات المختصين في مجال الصحة والمجتمع.

وقال: ممارسة الرياضة من المواضيع المهمة التي يجب على الحكومات في الدول العربية منحها الاهتمام الكافي نظراً لدورها في الحفاظ على الصحة العامة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وجودة الحياة في المجتمع، وبرزت أهميتها أكثر فأكثر عند انتشار جائحة كورونا لأن تبني نمط حياة صحي ونشط يسهم في تقوية المناعة ومواجهة الفيروس.

وأضاف: الرياضة مهمة على كل المستويات سواء كانت مجتمعية أو تنافسية، وتدني نسب ممارستها في المجتمعات العربية يعود بالأساس إلى غياب الوعي بأهميتها وبأبعادها الصحية والنفسية والسلوكية التربوية والاجتماعية والبيئية، إضافة إلى دورها في بناء شخصية الفرد وغرس روح الفريق الواحد بين الأفراد.

وتابع: من بين العوائق التي تحول دون تحسن نسب ممارسة الرياضة في المجتمعات العربية ندرة المرافق الرياضية والعوامل المناخية في بعض المناطق.

ووصف البروفيسور الجزائري معدلات ممارسة الرياضة في الوطن العربي بالضعيفة، حيث تتراوح بين 10 و30 % من مجموع السكان في أغلب الدول العربية، مشدداً على ضرورة نشر الوعي بأهمية الرياضة ودورها في الحفاظ على الصحة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والمدارس وغيرها.

وقال: بذلت بعض الدول العربية جهوداً كبيرة في تطوير البنية التحتية الرياضية وإنشاء الملاعب والمضامير الخاصة بالجري والدراجات الهوائية .

ولكن نسب ممارسة الرياضة ما زالت متوسطة أو ضعيفة، ما يعني أن هناك أسباباً أخرى وراء عزوف شريحة واسعة من المجتمع عن ممارسة الرياضة تتعلق بعدم توفر بيئة جاذبة وارتفاع الأسعار في الصالات الرياضية وعدم توفر الوقت بسبب الالتزامات العائلية.

وأضاف: أعتقد أن انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإدمان عليها يعد من الأسباب الرئيسية وراء ضعف معدلات ممارسة الرياضة، وهنا يجب الحديث عن ضرورة تغيير هذا السلوك الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية للخمول البدني وبالتالي الإصابة بعدة أمراض مثل السمنة والسكري وغيرهما.

لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا