قرعة مونديال 2026.. بين سحر الكرة وخيوط السياسة

في ديسمبر المقبل، ستتحول إحدى مدن أمريكا إلى بؤرة الضوء العالمي، ليس فقط لأنها ستشهد قرعة كأس العالم 2026، ولكن لأنها ستكون منصة يلتقي عندها سحر الكرة وخيوط السياسة، وضجيج الأسواق التجارية الصاخبة.

ولم يحسم الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» بعد قراره بشأن المدينة المستضيفة للقرعة، لكن كل الطرق تبدو متجهة نحو لاس فيغاس، المدينة التي لا تنام، والتي استضافت قبل 32 عاماً قرعة نسخة 1994 على طريقة عروض المسابقات، وسط أضواء نيون وأغاني جيمس براون وستيفي وندر، وضحكات روبن ويليامز، لكن خلف الأضواء هذه المرة، تلوح خيوط لعبة أكبر.

السياسة حاضرة

تُجري إدارة «فيفا» مفاوضات متقدمة مع مواقع عدة في لاس فيغاس، على رأسها صالة «إم جي إم غراند غاردن أرينا»، بينما ظهرت أصوات من داخل الاتحاد الدولي تقترح نقل الحدث إلى واشنطن، فقط لتسهيل مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل موسّع.

ترامب، الذي عاد للبيت الأبيض، لم يُخفِ اهتمامه بكأس العالم، وأشاد علناً بجياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، واستقبل الأخير في مقر الرئاسة بالبيت الأبيض قبل أشهر عدة ضمن زيارة رسمية، وفي ديسمبر الماضي، شارك ترامب برسالة مصورة في قرعة كأس العالم للأندية، بينما ظهر حفيده «ثيو» في المشهد الاحتفالي بجوار إيفانكا ترامب، وهو ما لم يكن تفصيلاً بروتوكولياً، بل رسالة سياسية ناعمة.

ويدرس «فيفا» في أروقته مدى جدوى تقريب القرعة من البيت الأبيض، وربما إقامة حدث مبسط في واشنطن، أو على الأقل توسيع مشاركة ترامب في نسخة لاس فيغاس، إذا استقر عليها القرار النهائي.

قرعة بطولة

ولن يكون هذا الحدث مجرد قرعة لتحديد المجموعات، بل ستكون مشروعاً تسويقياً ضخماً يُدار كمنصة إعلانية مفتوحة، منذ الآن، تُجري شركات عالمية مفاوضات لحجز مساحات الظهور والشراكة والرعاية، بينما تُقيم المدن المستضيفة شبكات تواصل واسعة لجذب رؤوس الأموال قبل انطلاق صافرة البداية في يونيو 2026.

ووفق ما نشرته شبكة «The Athletic»، تُعد لاس فيغاس الخيار الأول بالنسبة لفيفا، ليس فقط بسبب سهولة الوصول إليها وبنيتها التحتية المتطورة، بل لأنها توفر بيئة متكاملة يمكن فيها الجمع بين الحدث الرياضي والعروض الترفيهية والترويجية، حيث تتوفر الفنادق الكبرى، وقاعات المؤتمرات، والعروض الموسيقية، إلى جانب تنظيم مراسم سحب القرعة، كل شيء في مكان واحد، وهو ما يراه «فيفا» نموذجاً مثالياً لتنظيم حدث عالمي بهذا الحجم.

لكن التحديات قائمة، فنادق المدينة شبه ممتلئة بفعل موسم الأعياد، وبطولة الروديو الوطنية، ومؤتمر الحوسبة السحابية من أمازون، وتبقى قاعات «تي موبايل» و«ذا سفير» و«دولبي لايف» مقيدة بمواعيد عروض فنية لكبار نجوم العالم، مثل ماريا كاري وبرونو مارس، ما يزيد من صعوبة تأمين مكان للقرعة في جدول مزدحم بالعروض.

رسائل مبكرة

اختيار المدينة المستضيفة لقرعة كأس العالم 2026 لا يُعد مجرد إجراء تنظيمي عادي، بل يحمل رسالة رمزية مهمة من «فيفا»، مفادها أن البطولة المقبلة ستكون مختلفة تماماً عن سابقاتها، فهي أول نسخة تُقام بمشاركة 48 منتخباً بدلاً من 32، وتشهد عدداً غير مسبوق من المباريات يصل إلى 104 مواجهات، كما أنها تُنظم للمرة الأولى في ثلاث دول معاً؛ وهي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، ما يجعلها الأوسع انتشاراً في تاريخ المسابقة.

وبينما تترقب الجماهير حول العالم إعلان جدول المجموعات، ينشغل «فيفا» خلف الكواليس بترتيبات أخرى لا تقل أهمية، تشمل مفاوضات مع الشركات الراعية، وشبكات البث، وجهات الترفيه، وحتى الترتيبات السياسية، وفي خضم هذه التحضيرات، يبرز اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتابع الحدث من البيت الأبيض، بينما يخطط «فيفا» لكيفية إبراز حضوره إعلامياً، وربما توجيه الكاميرات نحوه في اللحظة التي تُسحب فيها أول كرة من الوعاء.