لطالما تغنّت الجماهير بسحر كأس العالم للأندية، باعتباره المسرح الذي تلتقي فيه القارات، وتتنافس فيه الشعارات، ويتجمّع فيه الأبطال في لحظة كروية خالدة، لكن في النسخة المقبلة، المقرّر انطلاقها في 15 يونيو المقبل بالولايات المتحدة، تبدو الصورة مختلفة، فالأهداف لم تعد وحدها من تحسم النتيجة، بل الضرائب أيضاً.
بعيداً عن صخب المدرجات وخطط اللعب، يعيش الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» أزمة من نوع خاص، بعدما اصطدم بجدار بيروقراطي شديد التعقيد وهو الضرائب الأمريكية، فالحدث العالمي، الذي يُقام لأول مرة بمشاركة 32 فريقاً على غرار كأس العالم للمنتخبات، مهدد بأن يفقد بريقه المالي والرياضي، بعد أن فشل «فيفا» في تأمين الإعفاءات الضريبية للأندية المشاركة، والتي أحرزت هدفاً مبكراً في مرمى النسخة الجديدة من مونديال الأندية.
مليارات تحت الخطر
في مارس الماضي، أعلن «فيفا» منح جوائز إجمالية تصل إلى مليار دولار في هذه النسخة التاريخية من مونديال الأندية، من بينها 125 مليون دولار ستُمنح للفريق الفائز باللقب، أرقام ضخمة ومغرية، لكنها الآن تواجه خطر التآكل، ليس بسبب منافس شرس أو خسارة غير متوقعة، بل بسبب قوانين الضرائب الأمريكية.
وكشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن «فيفا» لم ينجح حتى الآن في التوصل إلى اتفاق مع السلطات الأمريكية يمنح الأندية المشاركة إعفاءً ضريبياً، على غرار ما تم التوصل إليه في كأس العالم 2026، والنتيجة قد تُجبر الأندية على دفع عشرات الملايين من الدولارات كضرائب، ليس فقط في أمريكا، بل أيضاً في بلدانها الأصلية ضمن ما يُعرف بالازدواج الضريبي.
تفاوت كبير
الأزمة تزداد تعقيداً بسبب التفاوت الكبير في قوانين الضرائب بين الولايات الأمريكية المختلفة، فمثلاً، في فلوريدا، حيث تُقام مباريات على ملاعب ميامي وأورلاندو، لا تُفرض ضريبة دخل على مستوى الولاية، بينما في كاليفورنيا، قد تُجبر الأندية على دفع ضرائب تصل إلى 7 % من أرباحها، وهذا يعني أن موقع المباراة وحده قد يحدّد الفارق المالي الكبير بين فريقين يخوضان البطولة نفسها، بل إن بعض الولايات لا تعترف بمعاهدات منع الازدواج الضريبي التي أبرمتها الحكومة الفيدرالية مع دول أخرى، مما قد يُلزم الأندية بدفع الضريبة مرتين على الأرباح نفسها. وتتعرض «العدالة الرياضية» هنا لاهتزاز حقيقي، ففي ظل هذه الظروف، قد تُعاقب الفرق على مجرد تواجدها في مكان معين دون غيره، لا بسبب مستواها الفني أو أدائها في الملعب.
«فيفا» يسابق الزمن
ما يزيد من فداحة الموقف أن «فيفا» لم يتحرّك في الوقت المناسب، فقد أُعلن عن جدول الملاعب الـ12 المستضيفة للبطولة في أواخر سبتمبر الماضي فقط، أي قبل أقل من 9 أشهر من صافرة البداية، وقت ضيق جداً لتأمين ترتيبات قانونية بهذا الحجم، خصوصاً وأن البطولة تتطلب استعدادات مالية وتشغيلية مضاعفة، ورغم محاولات «فيفا» المتأخرة للضغط على السلطات الأمريكية، إلا أن استجابة الجهات المعنية جاءت محدودة، وسط زخم موسمي تشهده المدن الكبرى خلال شهر يونيو، بدءاً من بطولات مثل الروديو الوطني، وصولاً إلى مؤتمرات تقنية ضخمة مثل مؤتمر «أمازون» للحوسبة السحابية الذي يستقطب أكثر من 60 ألف مشارك سنوياً.
كأس العالم للأندية 2025، بنسخته الأوسع والأكثر طموحاً، يتحول تدريجياً إلى معادلة رقمية معقدة؛ الجوائز × الضرائب ÷ موقع الملعب، وبينما ينتظر الجمهور مباريات تجمع بين ريال مدريد ومانشستر سيتي أو الهلال والأهلي، تعكف إدارات الأندية على حساب تكلفة المباراة في أورلاندو مقابل سان فرانسيسكو، وقيمة الأرباح الصافية بعد الخصم الضريبي، وفي هذا السياق، تتوارى ملامح الكرة القديمة، حيث الشغف والإثارة، ليصعد وجه جديد لكرة القدم، وجهٌ محمّلٌ بالأرقام والقيود والبيروقراطيات العابرة للحدود.
جدل واضح
ليست هذه أول مرة تصطدم فيها كرة القدم بالضرائب، لكنها المرة الأولى التي يظهر فيها هذا الجدل بهذا الوضوح في بطولة عالمية للأندية، فقد اعتادت الفرق أن تُسأل عن عدد التمريرات والانتصارات، لكنها اليوم تُسأل عن مدى التزامها بالنظام الضريبي في بنسلفانيا، ومدى فهمها لاختلاف التشريعات بين تكساس وكاليفورنيا، وبينما ينتظر الجمهور في المدرجات أهدافاً تُشعل الحماس، تنتظر إدارات الأندية رسائل الخبير الضريبي لتعرف حجم ما ستخسره قبل أن تخوض أول مباراة.