في ظل التدهور اللافت للألعاب الرياضية الجماعية والفردية بخلاف كرة القدم، والذي قاد لانزواء هذه الألعاب، بل وإلغاء بعضها، ارتفعت أصابع الاتهام نحو الاتحادات الرياضية باعتبارها السبب الرئيس في هذه الأزمات، واتفق البعض على الدور السلبي للجمعيات العمومية لهذه الاتحادات وإهمالها لمسببات هذا التراجع.
فيما اعتبر البعض أن اجتماعات هذه الجمعيات مجرد «كليشيهات» صورية لا تقدم ولا تؤخر، ولا تحظى باهتمام من الأندية الأعضاء، وطالب البعض بضرورة أن ترتفع الجمعيات العمومية إلى مستوى المسؤولية، فهل هذا بالفعل هو واقع عموميات الاتحادات؟ هذا ما سألناه في المساحة التالية، والتي استطلعنا خلالها آراء عدد من المهتمين والخبراء وأصحاب الشأن..
صورية وشكلية
يرى سليم الشامسي، عضو مجلس إدارة نادي العين وعضو مجلس اتحاد كرة القدم رئيس لجنة أوضاع اللاعبين رئيس غرفة فض المنازعات نائب رئيس اللجنة المالية وعضو في اتحاد غرب آسيا السابق، والقاضي والمحكم الرياضي بمركز الإمارات للتحكيم الرياضي حالياً، أن الجمعيات العمومية للاتحادات الرياضية صورية وشكلية وغير فعالة؛ لأن الأندية لا تهتم بها.
ومن يحضر هذه الجمعيات تجده غير ملم باللعبة وليس صاحب قرار في النادي وأحياناً يتم إيفاد سكرتير النادي أو المدير بلا صلاحيات تتيح له المناقشة وإبداء الرأي، كما أن النادي الذي يرسله لا يمنحه قائمة مقترحات لمناقشتها في الجمعية العمومية.
بلا فعالية
وأضاف: للأسف الجمعيات بلا فعالية أو تأثير، ولذلك لا يوجد تطوير في الاتحادات والألعاب الرياضية فهي مجرد جمعيات روتينية كلاسيكية بحضور من أجل الواجب فقط، وممثلي الأندية غالباً ليسوا أصحاب قرار ولا أصحاب خبرة ولا أصحاب اللعبة واجتماع الجمعيات العمومية غالباً يأتي مرتب ومرسوم وحتى البيانات الختامية جاهزة ولا تتاح الفرصة لأحد للخروج عن النص والتغريد خارج السرب.
تهرب
وأضاف: الاتحادات تتهرب من الجمعية العمومية خوفاً من المشاكل وكل مجلس إدارة يأتي يكون هدفه هو تسيير الأمور بسلام حتى انتهاء فترته بعيداً عن الخلافات، وهذا دليل على ضعف الأندية والممثلين في الجمعية العمومية.
لذلك تم إلغاء بعض الألعاب الرياضية في بعض الأندية والألعاب الفردية بها صراعات، والغريب أن رئيس الاتحاد غالباً هو نفسه رئيس الجمعية العمومية وهو بهذه الصفة لن يعترف بقصوره وعيوبه وأخطائه، ولذلك تكون الجمعية صورية وهادئة لا تغني ولا تسمن من جوع، فمجالس الإدارة تريد أن تمضي دورتها بدون مشاكل.
ومضى بقوله: بحكم عملي كقاض ومحكم رياضي وصلتني قضايا فحواها أن الجمعية العمومية لا تريد مجلس الإدارة، ولكن التشريعات لا تجيز ذلك إلا بإجماع ثلثي الأعضاء، وهذا يجعل الأمر صعباً، بل ومستحيلاً.
ولذلك لا بد من تغيير في التشريعات، ولا بد أن تهتم الأندية بالجمعية العمومية، وأن يكون الممثلون والحاضرون من هذه أصحاب فكرة وصلاحيات ولديهم خلفية رياضية في اللعبة.
فاعلة ومؤثرة
من جهته، أكد عبدالملك جاني، رئيس اتحاد الإمارات للترايثلون، أن الجمعيات العمومية للاتحادات تعقد دائماً وهي مؤثرة، ونفى أن يكون رئيس الاتحاد هو نفسه رئيس الجمعية العمومية في حال كان الأمر يتعلق بانتخاب مجلس إدارة جديد، إلا إذا كان هناك اجتماع طارئ لإسقاط عضو أو تغييره.
وقال: هناك لائحة موجودة تخص الجمعيات العمومية ولا يوجد اتحاد يتخذ قراراً بمفرده، ولكن هذا لا ينفي وجود (تربيطات) تسبق الانتخابات، وهذا أمر موجود في كل الاتحادات بالعالم، بما في ذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم، عندما يتعلق الأمر بالترشح لمجلس إدارة جديد.
ولكن نحن كمجتمع رياضي لا ينبغي أن نقارن بالاتحادات الدولية، فنحن متفاهمون مع بعض ولا توجد مشاكل تتعلق بهذا الأمر وبحكم مشواري الذي امتد لأكثر من ثلاثين عاماً داخل الاتحادات الرياضية منذ 1994 ولم تصادفني أي مشاكل في اجتماعات الجمعيات العمومية لمختلف الاتحادات الرياضية عندما يتعلق الأمر بانتخاب مجلس إدارة جديد.
الأندية هي السبب
ونفى جاني، أن يكون تراجع الألعاب الرياضية بسبب الاتحادات وعدم فعالية جمعياتها العمومية، وقال إن السبب هو الأندية التي تولي كل اهتمامها لكرة القدم وتهمل الألعاب الأخرى، ولا بد من مراجعة مثل هذه الأفكار، وعلى الاتحادات الرياضية أن تتدخل وتناشد الهيئة العامة لإيجاد آلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بإيجاد مصادر دخل أخرى بخلاف الدعم الذي ظلت تتلقاه منذ تأسيس الدولة ولا زالت تعتمد عليه حتى الآن.
قلة الدعم
وأضاف: هناك بالفعل اتحادات لا تستطيع الارتقاء بمستوى بعض الألعاب بسبب قلة الدعم المادي واللوجيستي، ويفترض أن تبحث الجمعيات العمومية مشاكل الأندية والعقبات التي تعترضها، وتدعمها لتواصل المسيرة.
فإذا كان هناك نشاط قائم ومنظم ودوري ثابت فالأندية ستحرص على التعاون مع الاتحاد، ولن تكون هناك انسحابات، وبذلك يبدأ الموسم وينتهي بلا مشاكل، وهذا دور الجمعيات العمومية التي يفترض أن تضع مشاكل الأندية على رأس قائمة الأولويات.
ظاهرة صحية
بدوره، أكد المستشار حسين محمد الجهازي القطب الرياضي المعروف، أن العيب ليس في نظام الجمعيات العمومية واللوائح والتشريعات التي تنظمها، بل في الذي يطبق هذا النظام، مبيناً أن كل مجلس رياضي يعقد صفقة مع آخر ويتم الاتفاق على مرشح لكل منهما وهكذا يتم تهميش وإلغاء دور الجمعية العمومية وتصبح مجرد شكل وواجهة في حين يفترض أن تكون لها كلمتها الأخيرة في اختيار الشخص المناسب وليس عن طريق المجاملات و«تربيطات» المجالس الرياضية.
سلبية
وأضاف الجهازي: من المآخذ على الجمعيات العمومية أنها لم تتصدَّ لإلغاء بعض الألعاب الجماعية والفردية في الأندية، وهذا الإلغاء سيمتد أثره السالب على كرة القدم، ويمكن أن يكون النعش الذي نحمل فيه كرة القدم، لأن كثيراً من الأندية ارتبط اسمها بالألعاب الرياضية الأخرى.
وإذا لم يكن للجمعيات العمومية دورها وكلمتها في المحافظة على هذه الألعاب فلا داعي لها ويجب ألا توافق الجمعية العمومية لأي اتحاد على إلغاء أي لعبة في أي ناد وإلا فإن هذا يعن وجود خلل فيها.
لا يجوز
وواصل الجهازي: لا يجوز أن يترأس اجتماع الجمعية العمومية للاتحادات الرئيس أو نائبه، لأنه لا يجوز أن يكون الحكم والخصم في نفس الوقت، ولذلك يفترض من وزارة الشباب والرياضة أو الهيئة العامة للشباب والرياضة أن تضع نصاً في الأنظمة الأساسية يلزم أن يترأس اجتماعات الجمعيات العمومية للاتحادات أكبر الأعضاء سناً حتى تكون هناك حيادية وتجرد من الأهواء الشخصية في اتخاذ القرارات.
لجان رقابية
وقال: من أهم اختصاصات الجمعية العمومية الاهتمام بتطوير اللعبة الرياضية ووضع الخطط المستقبلية، ولا بد أن تقوم الجمعية العمومية لأي اتحاد بتشكيل لجان تشرف بصورة مستمرة على جدول أعمال الجمعية واجتماعاتها العادية والطارئة لتقوية الدور الرقابي عليها.
فلا يمنع أن يكون هناك نص يجيز تشكيل لجان تشرف على أنشطة الاتحاد على سبيل المثال لجنة لتطوير اللعبة، ولجنة للإشراف على ضمان حسن سير العمل في الإدارة لكل اتحاد، ولجنة تنمية الإيرادات وهكذا.
النظام الأساسي
وأضاف: بالنظر للقانون الاتحادي رقم 4 سنة 2023 المادة 45 بشأن الرياضة وفي البند 1 يقول لكل جهة رياضية مشهرة نظام أساسي، وهذا النص تشريع رياضي غير مناسب، فيجب أن تصدر الجهات القيادية ممثلة في الوزارة والهيئة العامة نظاماً أساسياً استرشادياً بإشرافهما، يعده خبراء ومشرعون مختصون في المجال لغاية ضمان ألا يأتي كل اتحاد ويصدر تشريع نظام أساسي يتماشى مع أهواء وميول الاتحاد المحلي، فغير مقبول ترك كل اتحاد لعبة ليصدر نظاماً أساسياً لوحده.
دعم
ومضى بقوله: لا بد من تنصيص مادة تبين وتدعم دور الجمعيات العمومية باعتبارها الجهة التي لها الحق في تقييم دور وأداء كل اتحاد لعبة رياضية، وهكذا تعطي للجمعية العمومية الحق في حل الاتحاد بعد توضيح الأسباب وإجراء التقييم، واقترح على كل ناد عندما يرشح عضواً لجمعية عمومية أن يعتمد هذا العضو بصفة دائمة لمتابعة القرارات باستمرار، ويجب أن يكون ملماً باللعبة الرياضية ولديه الخبرة والفكرة.
وقال: بعد التراجع في أداء وفعالية بعض الاتحادات وبالنظر لشروع بعض الأندية في إلغاء بعض الألعاب لأسباب داخلية، فقد حان الوقت لدمج بعض الاتحادات ولا أقصد الدمج العبثي، بل يجب أن يتم ذلك وفق دارسة متأنية من الإدارة الرياضية العليا في الدولة بعد التأكد من جدوي هذه الخطوة.
وهذا الاقتراح يجعل بالإمكان الاستفادة من الكوادر البشرية الفعالة في عمل الإدارة، ويجعل من السهل الحصول علي مجموعة من الشباب المختصين في كل لعبة، كما أن دمج الاتحادات يقلل من النفقات المالية التي لا مبرر لها.
أجواء مثالية
يقول الحاج خميس سالم، الرئيس الأسبق لإدارة نادي الوصل، إن الجمعيات العمومية في الماضي كانت تعقد وسط أجواء مثالية يتم خلالها النقاش وتداول الأفكار بشفافية، وكان النقاش ثرياً بعيداً عن المجاملات.
ولكن في الوقت الحالي من وجهة نظري يفترض أن تتدخل الجهات المسؤولة مثل الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية لإيفاد مراقبين لحضور الجمعيات والوقوف على سير العمل في الاتحادات الرياضة ووضع أسس جديدة لخطط وعمل هذه الجمعيات، ولا بد من تدخل وزارة الرياضة لمحاسبة الأندية في حال التقصير في الأداء.
عصف ذهني
اقترح الحاج خميس، أن يكون هناك تجمع رياضي من خارج الجمعيات العمومية للاتحادات الرياضية يضم أطياف من الرياضيين والخبراء في جلسة عصف ذهني لبحث مسببات تراجع الألعاب الرياضية، ودور الاتحادات وجمعياتها العمومية في هذا التراجع الذي وصل مرحلة أن تلغي بعض الأندية لعبة أو اثنتين.
وبعد ذلك يتم الاتفاق على خطط ومقترحات من شأنها أن تعيد الأضواء لصالات الألعاب الرياضية وتعيد للجمعيات العمومية هيبتها وقوة تأثيرها على المشهد الرياضي، وعلى الجهات المعنية أن تقوم بدورها للمحافظة على الألعاب الرياضة بالتشاور مع أعضاء الجمعية العمومية لكل اتحاد رياضي.