قليلة هي المرات، وخاصة في الفترة الأخيرة التي نشاهد فيها فيلماً سينمائياً متكامل الأركان، فقد استطاع فيلم «الفيل الأزرق» أن يسرق انتباه المشاهدين طيلة ساعتين ونصف الساعة دون ملل أو كلل، كما سرق من قبل الكاتب أحمد مراد القراء الذين جذبتهم رواية «الفيل الأزرق» من قبل ليعيشوا معها الكثير من التشويق والمتعة، فقد كان هناك رؤية واضحة في الشكل واختيار لغة التخاطب مع الجمهور، فقد نجح أحمد مراد في الوصول إلى كل المشاهدين بكفاءة عالية، سواء أكانوا من قراء الرواية، أم الذين لم يقرؤوا منها حرفاً واحداً.
كذلك المخرج مروان حامد الذي عمل على تجسيد صورة عالمية تكاد أن تجزم وأن تشاهد الفيلم أن ذلك ليس فيلماً مصرياً وإنما عالمي، فقد حول الرواية المعروفة سلفاً على نحو بصري مبهر. أداء الممثلين أيضاً فاق كل التوقعات، خصوصاً كريم عبدالعزيز وخالد الصاوي؛ فقد اهتم كل منهما بأدق التفاصيل المتعلقة بالشخصية بحرفية عالية، أما موسيقى هشام نزيه، فقد جسدت ما يدور في كل مشهد لتجعل المشاهد يعيش لحظات من الحزن والرعب والخيال. فريق عمل الفيلم والذي قام بإنتاجه شركة لايتهاوس فيلم والباتروس للإنتاج حضر إلى دبي لافتتاح العمل بعد تحقيقه نجاحاً كبيراً في مصر، ومعه كانت هذه اللقاءات.
كريم عبدالعزيز: كسرت حاجز الخوف
«الفيل الأزرق» حقق المعادلة الصعبة في الجمع بين الإيرادات العالية والعمل الراقي الذي كنا افتقدناه منذ سنوات؛ فعلى ماذا كنت تراهن؟
العمل يعد بالنسبة لي مغامرة عمري، فأنا وافقت على دور جديد، أقدمه لأول مرة في حياتي. وكنت أراهن بالتأكيد على الجمهور الذي أعتبره النجم الحقيقي الذي لم يخذلنا.
كيف كان استعدادك لتجسيد دور «يحيى» هذه الشخصية المركبة التي تحمل الكثير من المتناقضات؟
كان مرجعي الأساسي هو الكاتب أحمد مراد، لأنه أكثر شخص يعرف من هو «يحيى» كذلك المخرج مروان حامد، إضافة إلى عدة لقاءات جمعتني بأكثر من طبيب نفسي، وذلك لفهم لغة الجسد وطريقة تعامل الطبيب النفسي مع المرضى، وكيفية معالجتهم، كذلك قمت بالبحث عن طريق القراءة والإنترنت، لكي أستطيع في النهاية تجسيد الشخصية أمام كاميرا السينما بشكل محترف، فالشخصية تحمل مجموعة من الأحاسيس المتداخلة، والتي لها أثر كبير في حياة «يحيى»، فهو مزيج من الحب والندم وتأنيب ضمير.
تتحدث عن الفيلم وكأنه بداية جديدة لك، على الرغم من تقديمك العديد من الأعمال السينمائية الناجحة؛ فما السبب؟
العمل مختلف عما قدمته سابقاً، فقد كانت لدي نية لتغيير شكل ظهوري في أعمالي المقبلة، وكنت أستعد لذلك، وصادف الأمر حينما أرسل لي مروان حامد رواية الفيل الأزرق، وهي لاتزال مكتوبة بخط يد أحمد مراد منذ سنتين، وأعجبت بأسلوبه، وطريقته الفريدة، ورؤيته الجديدة في الأدب، ومروان حامد أيضاً كنا نرغب في العمل مع بعض منذ فترة طويلة، وقد استطاع العمل أن يحوز على إعجاب الجمهور والنقاد معاً.
اعتاد الجمهور العربي منذ سنوات على أن أفلام العيد مرتبطة بالكوميديا، ليأتي الفيل الأزرق ويكسر القاعدة، ألم تخشَ من ذلك الأمر؟
«الفيل الأزرق» كسر الثوابت، فقد قدمنا للمشاهد فيلماً يحمل جرعة من الرومانسية والخيال والرعب، والممثل الحقيقي يضعف أمام الدور الجيد مهما كانت خطورة هذه المجازفة أو المغامرة، فأنا أعرف حجم المغامرة وأعرف مدى صعوبتها، ولكنى أيضاً أراهن على الجمهور الواعي لأن الجمهور لم تعد له مقاييس أو حسابات، ودائماً ما يفاجئن،ا لذلك فأنا أتوقع أن يكون هناك جمهور كبير للفيلم، خصوصاً أن الرواية نفسها حققت نسبة مبيعات كبيرة منذ أن طرحت، وأعتقد أن الجمهور لم يخذلني، بل كان متعطشاً لهذه النوعية من الأفلام.
ماذا عن خطواتك الفنية المقبلة؟
وقعت عقداً مع المنتج وائل عبدالله على تقديم فيلم سينمائي، كما أنني تعاقدت أيضاً مع شركة أوسكار والمنتج محمد فوزي لتقديم مسلسل تلفزيوني، ولكن لم نحسم فكرته بشكل نهائي، وسوف نبدأ بالتحضيرات قريباً.
ألا تعتقد أن نجاح «الفيل الأزرق» يحملك مسؤولية في اختياراتك المقبلة؟
«يحيى» كسر حاجز الخوف الذي كان بداخلي، وأفلامي المقبلة سوف تحمل الكثير من الجرأة، حيث زادت المسؤولية بضرورة تقديم عمل لا يقل أهمية عن «الفيل الأزرق».
مروان حامد: حققنا المعادلة الصعبة
كيف جاء اختيارك لرواية «الفيل الأزرق» لكي يتم تحولها إلى فيلم سينمائي؟
قرأت الرواية قبل صدورها، حيث أعطاني إياها أحمد مراد بحكم الصداقة التي تجمعني به، لكي أعطيه رأيي فيها، فأعجبت بها كثيراً، نظراً إلى التشويق والإثارة والخيال الذي تحمله، وعمق الشخصيات والأحداث، الأمر الذي حمسني لكي أقرر وقتها أنني سأحولها إلى فيلم سينمائي. فالسبب وراء اختياري الرواية هو النجاح الذي حصدناه حالياً بعض عرض الفيلم.
سحر أسود وجان وطلاسم من النادر التطرق لمثل هذه المواضيع في السينما المصرية، ألم تخشَ من الهجوم على العمل بسبب ذلك؟
تعاملنا مع الفكرة في إطار الخيال وعالم الفن، فموروثنا الشعبي والثقافي يتجسد في روايات نجيب محفوظ وحكايات ألف ليلة وليلة
وماذا عن اختيارك ثلاثة نجوم صف أول في فيلم واحد؟
اخترت الأنسب لكل شخصية من وجهه نظري، فمثلاً كريم صديقي منذ أيام المعهد، وكان يفكر في تقديم دور مختلف، فوجدته في دور «يحيى» وخالد الصاوي أعرفه جيداً، فقد عملنا معاً في «عمارة يعقوبيان» وأنا على دراية كاملة بقدراته الفنية العالية، أما نيللي فأثبتت من خلال أدوارها الأخيرة أنها بالفعل نجمة، ولمست أنها أنسب فنانة لتجسيد دور «لبنى».
قمت بتصوير الفيلم على مدار عامين، فلماذا كل هذه الفترة الطويلة؟
تنفيذ الفيلم استغرق عامين، ولكننا صورناه على مدار 7 أسابيع وكانت متقطعة، وذلك نظراً إلى الأوضاع الأمنية التي كانت تعاني منها مصر وحظر التجول الذي أثر فينا بشكل كبير. وقد تعبنا جميعاً في تنفيذ أحد الأفلام الذي يعد من وجهة نظري الأقرب إلى العالمية، سواء من ناحية القصة الجديدة والمختلفة، أو الإخراج والمؤثرات البصرية الجديدة في عالم السينما العربية.
الأفلام الكوميدية والأخرى التي لا تحمل رسالة، كانت السمة الغالبة للسينما المصرية أخيراً، مبررين بذلك بأن «الجمهور عايز كده»؛ فما تعليقك؟
السينما في السنوات الأخيرة تعثرت، واستحوذ عليها نوع معين، وذلك بسبب الأزمة التي عانت منها السينما خلال السنوات الأربع الأخيرة، فكبار المخرجين لم يقدموا فيلماً واحداً على مدار الفترة الماضية بسبب ذلك، ولكن مع بداية نهوض السينما من أزمتها جاء فيلم «لا مؤاخذه» والذي حقق نجاحاً كبيراً، فالجمهور متعطش للأفلام الراقية التي تحمل رسالة بدليل نجاح «الفيل الأزرق».
كيف أثرت الصداقة التي تجمع بينك وبين فريق العمل، في أجواء تصوير الفيلم؟
الأجمل من الصداقة كان الانسجام الموجود بين طاقم العمل، فقد كان هناك نوع من التفاهم، والإيمان بأهمية النوعية المختلفة التي نقدمها في تاريخ السينما.
أحمد مراد: قصدت التغيير في نهاية «الفيل الأزرق»
نهاية الفيلم اختلفت تماماً عن الرواية، إضافة إلى بعض التفاصيل التي لم نجدها في العمل؟
القارئ يختلف عن المشاهد لأنه يصنع بخياله تفصيل كل ما يقرأ، فبإمكانه التوقف عند نقاط معينة وإعادة قراءتها من جديد، لذلك أردت إعطاء المشاهد جرعات مكثفة بطريقة ميسرة حتى لا أتسبب له في أي نوع من الإرباك، إضافة إلى أن شرائح المشاهدين العمرية تكون مختلفة بداية من عمر 12 وحتى 70 عاماً. فقد حاولت تقديم وجبة متكاملة، وعمل مميز ومختلف عما هو موجود في السينما الحالية.
كيف كان التحضير لهذه الرواية التي تحمل الكثير من التفاصيل والأحداث؟
استغرق الأمر أكثر من سنتين في البحث والقراءة، فقد زرت مستشفى العباسية وجلست مع الأطباء والمرضى لأكتشف هذا الجانب، وزرت عنبر 8 غرب تحديداً، فعلت ذلك للاقتراب أكثر وأكثر من تفاصيل هذا العالم الغريب، ومعرفة كيف يتحرك هؤلاء البشر وكم من الوقت يجلسون فيه مع المعالجين لهم، وطوال هذه الفترة كنت أبحث عن المعلومات، وكل معلومة كانت تضيف إلى خطوط سير الرواية، وإلى الخيوط الدرامية في أحداثها.
ولماذا اخترت أن تخوض في عالم السحر والأمراض النفسية؟
هذا العالم حقيقي شائك يندر الحديث عنه؛ لتشابكه واختلاط مفاهيمه، رغم أنه ملء السمع من حولنا، عالم يصلح كمفتاح للولوج للنفس البشرية، السحر والأمراض النفسية يُمثلان الخوف الأولي للإنسان من كل ما لا يُرى بصفة عامة، هناك شعرة بسيطة بين العلم والسحر.
أحمد مراد كاتب الرواية وسيناريو الفيلم في آن واحد؛ فهل وجدت صعوبة في ذلك؟
يتطلب الأمر مرونة شديدة، لأن الكاتب الروائي يمثل النص بالنسبة له بمثابة ابنه يصعب التغيير فيه، ولكن لأنني درست سينما، فتعاملت مع النص بأسلوب مختلف وليس بقدسية الكاتب، حيث قمت بعمل تكثيف ومعالجة ليصل الفيلم إلى المشاهد بالشكل المناسب، فالهدف كان أن يستمتع المشاهد الذي لم يقرأ الرواية، وأيضاً أن يحس من قرأ الرواية بأن الفيلم به متعة ومفاجأة.
ما الجديد الذي تحضر له الفترة المقبلة؟
أعمل حالياً على كتابة سيناريو النسخة العربية من مسلسل « prison break» والوقوف على المعالجة الدرامية بسبب اختلاف أسلوب المعيشة في مصر وطبيعة المجتمع المصري عن المجتمع الأميركي، وأيضاً اختلاف الإجراءات الأمنية الموجودة على السجون وغيرها من أجل إكسابه الواقع المصري، إضافة لعدة أعمال لم نستقر عليها حتى الآن.
هل هناك طقوس محددة تقوم بها أثناء تحضيرك للبدء بكتابة الرواية؟
ليست هناك طقوس محددة، فقط أحرص على القيام ببحث مكثف لمدة 3 شهور تقريباً، حتى أجد الموضوع التي سوف أكتب عنه، وأتقمص بداخلي كل شخصية لكي أكون ملماً بها من جميع الجوانب.