مُنذ انطلاق مهرجان الخليج السينمائي بدبي في دورته الأولى عام 2008، وهو يشكل ملتقى السينمائيين الخليجيين، ومهوى كاميراتهم، ومطمح الشباب السينمائي الخليجي على وجه التحديد لعرض أفلامهم التي لا يتمكنون من عرضها في بلادهم، وفرصتهم الأولى لنيل الاعتراف الفني من خلال إشادة المشاهدين والنقاد السينمائيين، أو تحقيق الجوائز وشهادات التقدير. حدث ما عكر صفو هؤلاء، حيث توقف المهرجان منذ دورته الأخيرة عام 2013، ومن هنا أطلق عدد من صناع السينما الخليجيين الشباب أخيراً، حملة تحت عنوان: «#عودة_الخليج_السينمائي» وذلك على موقع التواصل الاجتماعي؛ تويتر وانستغرام وفيسبوك، وتدعو الحملة لإعادة مهرجان الخليج السينمائي الذي تأجلت دورته في العام الماضي 2014، وكان مفترضاً أن تقدم النسخة السابعة من المهرجان في أبريل 2014 لكنها تأجلت.
تقدم مجلة «أرى» تحقيقاً توضح فيه الحملة التي ظهرت أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب توقف إقامة المهرجان بما تحمله بمطلب #عودة_الخليج_السينمائي، ومن بين المشاركين في الحملة عدد من المخرجين الخليجيين الشباب أبرزهم الإماراتيون خالد المحمود ووليد الشحي وسعيد سالمين المري ونجوم الغانم، والسعودي بدر الحمود، والبحرينيان صالح ناس وعمار الكوهجي، والفنان السعودي إبراهيم الحساوي، الذي وصف المهرجان في إحدى تغريداته بأنه «الحاضن الرسمي لإبداعات السينمائيين الخليجيين، ومنه انطلقت الكثير من التجارب السينمائية»، والفنان الكويتي خالد البريكي الذي اعتبر المهرجان، في إحدى تغريداته، «أحد أبرز المحطات بحياتي التي من خلالها ساهم بتطويري الفني» وكتب في تغريدة أخرى: «لا أتمنى أن يكون ذكريات وأحلاماً بل واقعاً أعيشه سنوياً».
غضب شديد
في هذا الصدد أعرب صانعو الأفلام القصيرة عن غضبهم الشديد في (الهاش تاج) الذي تناولته وسائل التواصل. وفي حوار خاص مع بعض مخرجي الأفلام من المملكة العربية السعودية، يقول المخرج محمد سلمان: «مهرجان الخليج السينمائي هو أهم منصة سينمائية للشباب الخليجي، فهو مصمم ليكون المحرك الأول للإنتاجات السينمائية الخليجية، ليس للعرض فقط، فهو يساهم في تطوير الثقافة السينمائية المحلية ويدفع بالحركة السينمائية للأمام، إذ يقدم أيضاً فرصة لشباب الخليج للتعرف على تجارب عالمية، والاختلاط بصانعي أفلام عالميين، وعرض تجارب سينمائية بمختلف الأفكار لرفع مستوى الوعي السينمائي بالفن السابع.
وجهة حقيقية
«أستطيع أن أصف الخليج السينمائي بمعهد سينمائي مجاني يقدم جرعة تعليمية بالفن السينمائي في زمن قياسي، فهناك ورش العمل وفرص الدعم والندوات. كل هذا في أجواء حميمة لا تعرف سوى الحب والسعي نحو عمل سينمائي حقيقي في الخليج. توقف مهرجان الخليج سيتسبب في عرقلة الصناعة الأفلام ولعل السؤال: أين يذهب صانعو الافلام الخليجيون بأفلامهم؟ فهو مهرجانهم الأول الذي يركز عليهم فقط، هذا التركيز والدعم لا يمكن أن نشاهده في أي مهرجان آخر، حتى مهرجان دبي السينمائي لا يستطيع احتضان كل التجارب الخليجية. لا يمكن لأي مهرجان في المنطقة أو العالم العربي ان يقدم ما يقدمه مهرجان الخليج السينمائي. سيكون هناك تراجع في صناعة السينما الخليجية، التي مازالت في بداية مشوارها نحو صناعة حقيقية في المنطقة.
مشاريع جادة
«ارتبط مهرجان الخليج السينمائي في ذهني ومنذ دورته الأولى التي كانت في عام 2008، بالفيلم التسجيلي «المريد» الذي كان التجربة الطويلة الأولى لي بعد ثلاثة أفلام قصيرة روائية وفيلم تسجيلي واحد، وحصل فيلم المريد في ذلك المهرجان على شهادة تقدير على الجهد البحثي فيه. ما أريد قوله أنه ومنذ انطلاقته والمهرجان والقائمون عليه كانوا الداعمين الأساسيين ليس فقط للسينما بمعناها المجرد وإنما للحركة السينمائية في الخليج وللسينمائيين الخليجيين وللمشاريع السينمائية الجادة» تقول المخرجة الإماراتية نجوم الغانم.
ضرورة حتمية
في رأي نجوم، إن عودة المهرجان هي من الضرورات للكثير من الأسباب، وتعدد بعضها قائلة: «أهم هذه الأسباب أنه ارتبط باسم دبي ومشاريعها الفنية والثقافية الموازية للمشاريع الاقتصادية والسياحية وغيرها. ومن هنا فإن إبقاء هذا المشروع السينمائي المتفرد في مجال اختصاصه مستمراً على قيد الحياة وفاعلاً على الصعيد الثقافي والفني والاجتماعي والترفيهي، سيحفظ لدبي مساهمتها في مجال حيوي هام مرتبط بالجماهير العريضة ومرتبط بالفن وصناعته وصنّاعه، إذ سيبقي عجلة الصناعة السينمائية في نمو وتطور وتوسع مما يُعد مكسباً كبيراً يُضاف إلى مكاسب دبي الكثيرة على الصعيد الإقليمي. كل مهرجان سينمائي يُعد إنجازاً كبيراً وصرحاً ثقافيا وفنياً، والتخلي عن المنجزات يعني بشكل أو آخر إعلان الفشل. في الحقيقة ما حققه المهرجان حتى اليوم هو النجاح فلماذا لا نحتفي بذلك مع منظميه وداعميه بدلاً من أن نسدل عليه الستار ونعلن موته؟ لا أفهم ذلك!».
دمج سينمائي
دمج كل النتاجات القادمة من الخليج تحت مظلة مهرجان دبي السينمائي الدولي، سيضيف الكثير من الأعباء على المهرجان من ناحية وسيغير من رسالته العالمية برأي نجوم، التي تضيف: «هذا الدمج سيُلحق الكثير من الأذى بالتجارب الخليجية لأنها ستبقى في الهامش، وربما في الظل باعتبار أن مهرجان دبي السينمائي الدولي اكتسب صفته واستحقها من أنه أصبح دولياً. شخصياً أعتقد أن التخصص هو من المزايا الحضارية وفكرة مهرجان الخليج السينمائي كانت فكرة ذكية وناجحة وهي تركز على السينما داخل هذا الإقليم».
دوامة التوهان
«كنت قد قدمتُ فيلم «آيس كريم» ورفض، عندها تعمدت الحضور، وقابلني الاستاذ مسعود بحفاوة وقال إنه شخصيا من رفض قبول فيلمي مع أنه كان رائعاً، وسألني هل تعرف السبب؟ قلت له الصوت، قال: نعم. فقد خشيت على تجربتك السينمائية من النقد من الشباب و بإمكانك تجاوزها. هنا عرفت فعلاً أن هناك من يهتم لأمرنا، فلماذا يجب على هذا المهرجان أن يعود؟ ما الخسارة في غيابه والفائدة لنا في تواجده؟ كل هذه الأسئلة تحتاج لإجابات لتحديد مصير جيل كامل من الموهوبين في وطننا العربي» يقول المخرج السعودي محمد الباشا، ويتابع: «هذا المهرجان هو البيت الذي احتوانا، وأطلق لنا منصة الوجود في الساحة السينمائية، من خلال توريطه لنا بهذا الشغف، ومن دونه نحن شبه تائهين، ليست هناك بوصلة للسينمائيين الخليجيين بدونه».
وجوه أخرى للسينما
«لأنني مؤلف موسيقي فعملي يكون دائماً في الظل، ولا يكون لي حضور رسمي في مهرجانات السينما في الخليج، لكن في الدورة الخامسة من مهرجان الخليج تم الإعداد لجلسة حوارية أدارها مدير المهرجان، ناقشنا فيها مواضيع متصلة بالتأليف الموسيقي والديكور والتصوير، مما أضاء نقاط مهمة عنا كطاقم المشتغلين في السينما كانت غائبة عن الكثير من المتابعين. وهذه سابقة قام بها هذا المهرجان لأول مرة في الخليج، لأنه كان يحمل شخصية مختلفة عن المهرجانات الأخرى، من خلال تواجد أصوات سنيمائية شابة ويركز على تجاربهم بشكل أساسي، لذا يجب على المهرجان أن يعود. على صعيد آخر، غياب هذا المهرجان يعني غياب فرصة الشباب لتطوير نتاجهم، واحتضان تجاربهم بشكل حميم»، يقول المؤلف الموسيقي محمد حداد.
عن إشكالية دمج المهرجان بـ«دبي السينمائي»، يضيف: «في مهرجان دبي تتزاحم أفواج السينمائيين المحترفين، الذين يأخذون الأضواء (وهم جديرون بذلك) وهو فرصة للتعرف على أحدث تجاربهم واللقاء معهم للتعرف عليهم عن قرب. لكن مهرجان الخليج لا يهتم بهذه الأضواء، فهو يصب طاقاته في البحث عن التجارب اليافعة ويعمل على فتح الطرق الجديدة لكل تجربة مميزة وأعتقد أن هذا غير كافٍ لذا يجب العودة لكينونة مهرجان الخليج السينمائي المستقلة».
نخبة خليجية
«حكايتي مع مهرجان الخليج السينمائي بدأت عام 2010، عندما دعاني المخرج السعودي عبدالله آل عياف للمشاركة معه في فيلم «عايش». كانت المرة الأولى التي أشارك فيها في مهرجان سينمائي، ومن خلال هذه المشاركة تعرفتُ على نخبة كبيرة وجميلة من صنّاع الأفلام والمخرجين السينمائيين. وكان أن وفقنا بأن فاز فيلم عايش بالجائزة الأولى في المهرجان، ومن خلال هذا المهرجان كانت انطلاقتي السينمائية» يقول الممثل السعودي ابراهيم الحساوي.
عن غياب المهرجان يقترح أفكاراً لدعمه، فيقول: «بتوقف المهرجان، فقدنا الكثير من الفعاليات السينمائية التي كان المهرجان يحتضنها، لذا أتمنى وأرغب أن يعود المهرجان كما كان، لأنه الحاضن الرسمي لجميع السينمائيين في الخليج العربي، وأتمنى لو أن دول الخليج العربي تساهم في دعم المهرجان مادياً ومعنوياً، كي يستمر المهرجان بقوته المعهودة».
نقلة مهنية
«جميلة تلك الانشطة الشبابية بين أبناء الخليج على جميع الأصعدة، سواء الرياضية أو الاقتصادية أو الفنية، فلها طابع خاص بعيدٌ عن الضجيج العالمي وعن زحمة الأفكار، إذ تجدنا متلاحمين فكرياً وروحياً، فكان من تلك الملتقيات العظيمة مهرجان الخليج السينمائي، حيث كانت له عناية خاصة بأبناء الخليج، وكان له دور بإثراء الساحة السينمائية، وتأسيس جيل شبابي واعٍ ومثقفٍ سينمائياً، ومن خلال المهرجان استطعت أنا اليوم أن أتحول من فنان تلفزيوني ومسرحي إلى فنان سينمائي. وكانت الحصيلة أن خلطنا بين السينما التجريبية والسينما الجماهيرية بفليم «كان رفيجي»، الذي كان له صيت عند الجمهور. فمهرجان الخليج أحد الأساسيات المهمة التي ساعدت ودعمت تواجدنا كسينمائيين، وأقولها نعم لقد بدأت عجلة السينما بالدوران فعلياً وبدأ يتكون لها جمهور».
يتابع الفنان الكويتي متحدثاً عن خسارة المهرجان: «إن خسارتنا للمهرجان تعني أننا قد بدأنا في بناء تكنولوجيا حديثة، وقد استغنينا عنها بعد أن بدأت بالتطور وبالتفاعل مع أجيال تستقبل هذا التطور. إذ إن الفن السابع يعتبر من الصناعات التي تساهم في تثقيف الشباب وزيادة الوعي الاجتماعي، وأتمنى أن يعاد التفكير بشأن هذا الصرح العظيم وسيكون نبراساً تستفيد منه جميع الأجيال وستحظى أسماء القائمين عليه بخط من ذهب في قلوب محبي السينما على مر العصور لأن كان لهم الفضل بعد الله بصناعة مهرجان يصنعنا سينمائياً».
مسيرة إماراتية
«أنا كفنان إماراتي، انطلقت سينمائياً من خلال مهرجان الخليج السينمائي، وتشرفت ولأول مرة في تاريخ المهرجانات، بالمشاركة بسبع أعمال سينمائية من أعمالي خلال السنة الماضية. وحصلت على تكريم خاص من قبل إدارة المهرجان، وقام بتكريمي سمو الشيخ ماجد بن محمد آل مكتوم، علماً بأن لي أعمالاً عديدة قد شاركت بمهرجانات أخرى، وللأسف لم تأخذ حقها إعلامياً وتسويقياً إلا في مهرجان الخليج السينمائي»، يقول منصور الفيلي.
ويتابع متحدثاً عن أهمية المهرجان بالنسبة للسينما الخليجية: «برأيي إن مهرجان الخليج السينمائي هو الوحيد الذي يهتم ويبرز جميع الطاقات الخليجية بصورة عامة، ومواطني دولة الإمارات بصورة خاصة. وبكافة المجالات والإبداعات الفنية من كتابة قصة وسيناريو وحوار وإخراج وتمثيل وتصوير ومونتاج، من الإبداعات والطاقات المتوفرة في البلد، والتي لا يسلط عليها الضوء إلا في هذا المهرجان. أي بمعنى آخر، هو المهرجان الوحيد الذي يدعم مواطني الدولة للاستمرار بالمسيرة الفنية وتطويرها، الخسارة ستكون عبارة عن إهمال الطاقات التي ذكرتها سابقاً، وضياعها بمحاولة الحصول على مركز في المهرجانات الأخرى».