انعقد إكسبو دوسلدورف الصناعي والتجاري، إلى جانب معرض الفنون الألمانية الوطنية في المدينة ذاتها، من الأول من مايو وحتى الأول من أكتوبر عام 1902، فكان ذلك من شأنه أن يقوي إكسبو، ويرفده بالفنون، ويتكامل من جميع الجهات في الصناعة والتجارة والزراعة والفنون، أي أن إكسبو جسد بشكل واقعي، جميع مناحي الحياة والثورة الصناعية والزراعية والفنية.
حضر إكسبو دوسلدورف نحو خمسة ملايين زائر دولي، من بينهم القيصر فيلهلم الثاني، وولي العهد الأمير فيلهلم، كراعيين لإكسبو، وبمشاركة جميع الأمراء الألمان الحاكمين آنذاك، وكذلك المستشار برنهارد فون بولو، والعديد من الوزراء. واستوحي هذا المعرض من نجاح إكسبو الصناعة والتجارة، الذي انعقد في عام 1880، والذي أقيم في حديقة الحيوانات في دوسلدورف دوسيلتال.
وتم تنظيم الإدارة المعمارية الشاملة لإكسبو، من قبل المهندسين المعماريين جوزيف كليساتيل وأدولف شيل، إلى جانب أعضاء آخرين في لجنة البناء، بعد رحيل المهندس المعماري هامبورغ جورج تيلين، الذي طور خطط موقع إكسبو، من خلال استخدام وبناء 168 مبنى وتصميم ديكورات قاعاتها الداخلية، وخاصة القاعة الرئيسية.
تجسيد واقعي للثورة الصناعية والزراعية والفنية
شارك في إكسبو دوسلدورف نحو 2500 عارض بأحدث الابتكارات، وكان لبناء جسر أوبركاسلير في عام 1900، على ضفاف الراين، والترام الكهربائي، الذي امتد حتى مدخل إكسبو، أثره الكبير في نجاحه في توفير المواصلات والنقل لملايين الزائرين.
وتوزعت قاعات الفنون والتقنيات الاختراعات وغيرها، على القاعات في المباني العديدة. وما زاد في حيوية إكسبو وجود مدينة الملاهي والمطاعم، وغيرها من القاعات المستديرة. وقد تم تخصيص محطة كهرباء خاصة بإكسبو، من أجل التزود بها بصورة مستقلة.
ومما زاد من جاذبية إكسبو، أن المبنى الرئيس، تم تخصيصه للفن، وأطلق عليه، قصر الفنون، ويتميّز بقبابه، والـ 14 قاعة الموجودة في داخله، ومن بعد ذلك، استخدم هذا القصر لإقامة المعارض الفنية الدورية منذ عام 1912، وتم تطويره في السنوات المتعاقبة، ليكون متحف الفن في الوقت الحاضر.
وجاء بناء هذا القصر، تماشياً مع رغبة «جمعية تنظيم المعارض الفنية»، التي تشكلت عام 1898، واستطاعت أن تقيم فيه نحو 134 مؤتمراً، بالتوازي مع انعقاد إكسبو، ما زاد من أهميته وفاعليته.
هندسة
وتم ربط هندسة إكسبو المؤقتة بالطرق الصناعية والحرف اليدوية، مثل فن الآرت نوفو، أي الفن الجديد، وكذلك النيو باروك، وغيرها من أنماط الفن الانتقائي الخليط من أنواع عديدة. ومن الأمثلة البارزة على تجسيد فن الآرت نوفو، هو بيت ماجوليكا، الذي بنته الشركة الشهيرة، بوش وفيليروي، في حديقة الفناء.
وتم إنشاء شارع أطلق عليه «شارع القاهرة»، تعبيراً عن الاهتمام بالشرق والاستشراق، ونزل أكثر من مئة عربي في قرية أنشئت لهذا الغرض، سُميت بـ «القرية العربية»، إضافة إلى «القرية النوبية»، تضم نحو ثلاثين ساكناً. وكانت ألمانيا خاصة، وأوروبا عامة، قد أطلقوا حملات الاستشراق المعروفة في البلدان العربية، وأرادوا أن يتمثلوا ذلك في إكسبو.
مناظر طبيعية
واشتهر إكسبو بالمناظر الرائعة على نهر الراين، ليس بعيداً عن المناطق الصناعية، حيث تم استخدام العديد من مباني إكسبو، كشقق للعطلات لأفراد القوات المسلحة الألمانية في الثلاثينيات. ومن الجو، كان يمكن رؤية مواضع الأسلحة على السطوح للدفاع عن دوسلدورف، خلال الحرب العالمية الثانية.
المبنى المعروف باسم غولزهايم، هو أطول مبنى، يتكون من 22 طابقاً، واستكمل في 2006، وذلك من خلال ترميم المبنى القديم، وإضافة مرافق له. وهناك مبانٍ أخرى شهيرة، مثل منتدى شمال الراين، ومبنى ستفاليا للثقافة والتجارة، ومتحف الفن، وقاعة الحفلات الموسيقية، بجوار جسر أوبركاسيل على نهر الراين، والقبة الفلكية، وغيرها من المباني.
وقد بذلت جهود كبيرة، من أجل استعادة الأرض الخاصة بالحديقة، التي أقيم فيها إكسبو، ومنها حوض الميناء القديم، الذي يعود إلى عام 1900، ليكون بؤرة لانعقاد إكسبو، وغيرها من معارض إكسبو التجارية الأخرى، واستمر ذلك حتى عام 1926، حيث انعقد فيه إكسبو الصحة الدولي، وحضره نحو 7 ملايين ونصف المليون زائر، ثم تحولت المنطقة إلى «حديقة كايزر فيلهالم»، التي تمتد على مساحة 24 هكتاراً، بوجود جسر أوبيركاسل، وجسر ثيودور هويس.
تقاليد عريقة
وكانت مدينة دوسلدورف تتمتع بتقاليد عريقة، وتعود سنوات التصنيع فيها إلى فترة المبكرة، حيث أقيم إكسبو التجاري الأول لدوقية بيرغ الكبرى، التي كانت ترزح تحت الحكم الفرنسي في عام 1811. ومنذ ذلك الحين، تم وضع حجر الأساس، لمزيد من المعارض التجارية الصغيرة نسبياً، حتى منتصف القرن التاسع عشر.
صناعيون
جمع إكسبو دوسلدورف مختلف الصناعيين وشهد إطلاق مشاريعهم ومواهبهم. وقد تم تصميم الأجنحة بمزيج من الأنماط المعمارية الكلاسيكية القديمة، وعصر النهضة، بحيث تجانست مع بعضها في أشكال جذابة، تجمع بين المناصرين القدماء والمحدثين للفن الأوروبي.
طفرة في العلوم والفنون
ميّز إكسبو دوسلدورف، تغطيته للطفرة في جميع مجالات الفنون والعلوم، وكذلك الإنتاج التجاري والزراعي، وتم توفير تمويل الإكسبو، من خلال الجمع بينه وبين معرض تجاري وصناعي أقيم لهذا الغرض، بعد مفاوضات مع الصناعيين الكبار.
ووافق قادة شركات الحديد والصلب والتعدين، على دعم هذا المشروع الطموح، الذي جسّد الصناعة الألمانية بكل عظمتها، من خلال بناء القصور الفخمة، مع الأبراج والقباب والبوابات المزخرفة، وتشييد القلاع الشهيرة، مثل «قلعة مدفع»، مع صاري بحري عالٍ وبرجين، بالإضافة إلى الأعمدة التي يزيد ارتفاعها على 30 متراً مع آلهة النصر المتوّجة، وهي جزء من مجمع النادي الألماني، والذي تم الحفاظ عليه حتى منتصف 1920.
وتميّز الإكسبو بالطابع التاريخي الطاغي، من خلال أبنيته المعمارية، وكأنه كان يتبارى مع إكسبو باريس، من خلال تشييد الأشكال المعمارية الضخمة العريقة، والتصميمات الداخلية التي تناجي الأشكال الحديثة من فن الآرت نوفو، وغيرها، التي أبدعها المهندسون المعماريون آنذاك.
وشهدت تلك الفترة، طفرة في النمو الحضري والصناعي في ألمانيا، حيث استطاع هذا الإكسبو العملاق، الذي تحول إلى جوهرة صغيرة في فناء المدينة، احتواء هذا الانفجار الهائل في الصناعة الألمانية. وكان هذا الإكسبو قائماً على التفاؤل والثقة بالنفس والكبرياء الوطني، أي ظهر بمثابة منطقة خضراء على ضفاف نهر الراين، تتزين بالمباني التراثية البهيّة، ومنها مبنى بيت ماجوليكا.
مبانٍ تجسد عظمة ألمانيا
تم افتتاح إكسبو دوسلدورف رسمياً بإطلاق فوج من الجنود طلقات نارية احتفالاً بهذا الحدث. وبما أن دوسلدورف آمنت بأنها تكمل ما قام به إكسبو باريس، قامت بالبذخ سواء على صعيد المباني المتميزة أو القاعات والأجنحة من أجل تجسيد عظمة ألمانيا، وعرضت الماكينات الضخمة، وأقيمت المباني على نهر الراين، تعلوها الأبراج والدروع، ومنها درع كبير طوله 150 قدماً ويزن نحو 110 أطنان، من أجل تجسيد عظمة القيصر فيلهلم، وانتشرت حولها عشرات المطاعم والمقاهي على طول نهر الراين.
ويعد مركز دوسلدورف لمعارض إكسبو المكان الرئيس لجميع المؤتمرات والندوات في المدينة الألمانية، وتم تقسيمه إلى 19 قاعة اجتماعات في الطابق الأرضي ما يجعله موقعاً مثالياً لإقامة المعارض وخاصة التكنولوجية منها، ويتوافر على كوادر وموظفين، وخاصة من الجامعيين المتعلمين، ذوي المهارات العالية في الإدارة والعرض والترجمة وغيرها من الأمور التي تتعلق بإكسبو.
وتشتهر مدينة دوسلدورف بالمعارض الشهيرة في الأزياء والتجارة، فضلاً عن كونها معروفة بالفنون الجميلة والجوانب الثقافية. ويخدم المدينة مطارها الدولي بشكل جيد ولديها واحدة من أكثر محطات القطارات ازدحاماً في ألمانيا مع أكثر من 1000 قطار يمر عبر المدينة كل يوم.
ويعود الفضل إلى إكسبو دوسلدورف 1902 الذي أسس لهذه البنية التحتية الواسعة التي تتمتع بها المدينة الألمانية في الوقت الحالي. ونظراً لأن المدينة أصبحت مكاناً شهيراً للمؤتمرات، فهناك العديد من أماكن الإقامة والفنادق.