يوهان لودفيغ بوركهارت (1784 1817). رحالة مسلم سويسري، يعتبر من أدق وأشمل الذين كتبوا عن جزيرة العرب. كان "بوركهارت" يأمل أساساً في الوصول إلى تمبكتو ومنابع نهر النيجر. ولكن رحلاته قادته إلى الشرق الأوسط، حيث اكتشف مدينة البتراء ومعبد أبوسمبل، وعاش ستة أشهر في مكة.
عرض "بوركهارت" خدماته على الجمعية الإفريقية في لندن، وتم الاتفاق معه على أن يحاول الوصول إلى تمبكتو مع قافلة للحج، كانت في طريق عودتها من مكة. وبدأ يتهيأ للرحلة بدراسة اللغة العربية والطب والفلك والدين الإسلامي في كمبردج وحلب، حيث تعلم حياة البداوة. وفي عام 1812 بدأ رحلته إلى النيجر بالسفر إلى جنوب سوريا ثم القاهرة، وعندما لم يجد قافلة متجهة إلى هناك، اتجه إلى بلاد النوبة في السودان، ثم عاد إلى القاهرة.
وعندما علم في أسيوط أنه لا أمل له في الذهابإلى غرب إفريقيا قرر أن يحج، وانضم إلى قافلة متجهة إلى مكة عن طريق شندي ثم سواكن في السودان، ومنها بحراً عام 1814 إلى جدة، حيث وصفها ووصف عادات أهلها وتجارتها، ثم تحرك إلى مكة عاقداً النية على أن يقضي فيها مدة شهر فقط.
من مصر تنفيذاً لمهمته الإفريقية
في الفترة ما بين عامي 1809 و1817 م كانوا يعرفونه في مصر باسم الشيخ إبراهيم بن عبدالله، عاش وأمضى سنوات وتجول في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ثم استقر في مصر ومنها انطلق في صعيد مصر ثم شمال وشرق السودان وسافر إلى بلاد الحجاز. وفي يونيو من عام 1812 توجه إلى مصر ليبدأ في تنفيذ مهمته الإفريقية الأساسية، والتي قام برحلته من أجلها، حيث مر بفلسطين والأردن، ثم وصل الشيخ إبراهيم إلى القاهرة لينتقل منها إلى إسنا في صعيد مصر، ومنها توجه جنوباً إلى بلاد النوبة، وشمال وشرق السودان.
رحلة طويلة
عد رحلته الحجازيّة التي دامت سنتين ما بين 1814 و 1815 والتي أدّى فيها فريضة الحجّ، وكان إلى حدّ تلك السنة يعتبر أوّل حاجّ أوروبي، عاد ثانية إلى مصر، ليبدأ رحلة طويلة نحو سيناء شرقاً والنوبة المحاذية للسودان جنوباً، وكان مصحوباً في هذه الرحلة الثانية بقافلة من البدو، وركّز اهتمامه في هذه المرحلة التي ابتدأها في شهر مارس من سنة 1814 اهتمامه على دراسة المسالك التجاريّة والطرق المؤدّية إلى أهمّ المدن والمراكز، ورسم كلّ ذلك ضمن خريطة مفصّلة قد تخدم في ما بعد "الرابطة الإفريقيّة"، كما زار أيضاً المعابد المصريّة القديمة، ودرس عادات النوبيين وقبائل البدو، وفي طريق عودته إلى القاهرة شاءت الصدف أن تقترن هذه العودة بأهمّ اكتشاف قام به خلال هذه الرحلة الطويلة، فعند وصوله إلى منطقة أبي سنبل، التي كانت في ذلك الوقت متوارية تحت التراب، قام بزيارة معبد صغير مهمل، صار معروفاً اليوم باسم «معبد نيفريتيتي".
من مالطا إلى حلب
في فبراير من عام 1809 بدأ "يوهان بوركهارت" الرحلة إلى الشرق، حيث أبحر متجهاً إلى مالطا، ومنها إلى مدينة حلب السورية، وقضى في حلب ثلاث سنوات، وتعرف على الثقافة الحلبية وتعلم العربية أكثر، وأثناء إقامته في حلب، سافر إلى المناطق المحيطة فشاهد المدن السورية، ثم ذهب إلى شمال العراق وزار المناطق الأثرية في كل من سوريا ولبنان، وكان خلال هذه الفترة قد أطلق لحيته وارتدى الملابس العربية واعتنق الإسلام واتجه إلى دراسة القرآن وأطلق على نفسه اسم الشيخ إبراهيم بن عبدالله. عرض "بوركهارت" خدماته على الجمعية الإفريقية في لندن، وتم الاتفاق معه على أن يحاول الوصول إلى تمبكتو مع قافلة للحج كانت في طريق عودتها من مكة. وبدأ يتهيأ للرحلة بدراسة اللغة العربية والطب والفلك والدين الإسلامي في كمبردج وحلب، حيث تعلم حياة البداوة.
«الشيخ عبدالله» يقيم 6 أشهر في مكة
بادر يوهان لودفيج بوركهارت أو "الشيخ عبد الله" كما أطلق على نفسه، وهو في محطّته الأولى من رحلته المشرقيّة، بتدوين ما لاحظه من حياة شعوب المنطقة، بل وغامر بالذهاب إلى المناطق المجاورة لسوريا وبلاد ما بين النهرين، وبالأخصّ تدمر وبعلبك، ولكنّ مربط فرسه لم تكن سوريا، إذ إنّ مهمّته الأساسيّة هي الذهاب إلى البلد الذي عاش ومات فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ولإنجاز ذلك؛ ركب ضمن قافلة الحجيج الذاهبين إلى الحجاز سنة 1814 على مركب مكتظّ بالمسافرين، وأدى مع بقيّة زوّار بيت الله الحرام مناسك الحج وأقام في مكة ستة أشهر، وزار قبر النبيّ «صلّى الله عليه وسلّم»، بالرغم من أنّ قدومه إلى المدينة المنوّرة صادف ظروف غير مواتية.
إقامته في سوريا اكسبته السحنة العربية
في كتاب نشر سنة 1831 والذي يعتبر من أهمّ المراجع، بل إنّ "يوهان" التقى فعلاً بمحمد علي باشا، ووصفه بأنّه الرجل القوي في مصر.
أمّا عن رحلته فإنّها اقتصرت في تلك المدّة الوجيزة على مصر والسودان وسوريا والمملكة العربيّة السعوديّة، التي لم يزر منها سوى جدّة والطائف ومكّة والمدينة المنوّرة، ليعود بحراً من ميناء ينبع نحو قناة السويس بمصر. فبعد إقامته بسوريا التي تعتبر الموطن الذي أكسبه السحنة العربيّة الإسلاميّة، وتمكّن فيها من إتقان اللغة العربيّة، بل وصل به الأمر إلى حدّ ترجمة قصّة مغامرات روبنسون كريزواي.
ترك "بوركهارت" وصفاً جيداً للمسجد الحرام وقد أدى مناسك الحج. ونظراً لعدم الاستقرار السياسي، اضطر أن يقضي شهراً هناك، ثم غادرها إلى المدينة المنورة التي لم يصفها بتلك الصورة الشاملة التي وصف بها مكة. ووصل إلى ينبع التي تفشى فيها مرض الطاعون.
ومنها ركب سفينة متجهة إلى مصر، ووصل إلى القاهرة بعد غياب سنتين ونصف السنة.
سيرة
ولد يوهان لودفيغ بوركهارت سنة 1784 م من أب سويسري وأم إنجليزية، واضطر سنة 1806م إلى الانتقال إلى لندن بعد احتلال الامبراطور الفرنسي نابليون لبلاده، وكان الجو العام في لندن مهتماً بالعالم الإسلامي ومسابقة فرنسا هناك، والتحق "بوركهارت" بالجمعية الملكية المعنية بالاكتشافات الجغرافية في أفريقيا. وبالرغم من أن أغلب نشاطات الجمعية كانت تدرس مجاهل أفريقيا، إلا أن الدين الإسلامي كان مثيراً "لبوركهارت" وخاصة مع ظهور الدولة السعودية سنة 1745م، وذيوع صيتها في أرجاء العالم، فقرر "بوركهارت" ترك الجمعية ودراسة اللغة العربية في جامعة كامبردج. أطلق بوركهارت لحيته ليرافق الحجاج الأفارقة إلى الشرق متنكراً بشخصية رجل مسلم الباني اسمه الحاج إبراهيم، ووصل إلى حلب، وتعمق أكثر باللغة العربية، واتصل بقبائل عنزة في بلاد الشام. رحل إلى مصر سنة 1812م واتصل بمحمد علي باشا الذي كان يتقلد ولاية مصر للتو، ورافقه بوركهارت لغزو جزيرة العرب، ومكث في الحجاز من سنة 1814م إلى سنة 1816م، ولاحظ "بوركهارت" تعصب الترك ضد العرب الذي كان يقدرهم كثيراً، ولم يستطع إخفاء إعجابه بهم وبنبالتهم وشجاعتهم وخاصة قبائل.. حرب، وعنزة، والبقوم، وغالية، والبقمية. وقد دون "بوركهارت" جميع نتائج بحوثه في كتاب اسماه (رحلات في شبه الجزيرة العربية) وكتاب (تاريخ الوهابيين) ثم (ملاحظات على البدو الوهابيين).