يا ترى هل الاستعطاف هو الاعتذار، أم إن الاستعطاف شيء والاعتذار شيء آخر؟ يرى بعضهم كالحمدوني في تذكرته أن الحمد والاستعطاف كليهما يلحق بالمدح، قال تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم). الآية رقم 22 من سورة النور.
وفي الحديث الشريف: «من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل لم يرد على الحوض».
ـ وأوصى بعض الحكماء ولده فقال: يا بني لا يعتذر إليك أحد من الناس كائناً من كان في أي جرم كان، صادقاً أو كاذباً إلا قبلت عذره، وكفاك بالاعتذار برّاً من صديقك وذلّاً من عدوك.
ـ نعم... ومن صور الاستعطاف ما حُكي أن محمد بن الحنفية أحد أبناء الحسين بن علي رضي الله عنهما جرى بينه وبين أخيه الحسن كلام افترقا بسببه متغاضبين، فلما وصل محمد بن الحنفية إلى منزله كتب إلى أخيه الحسن رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن لك شرفاً لا أبلغه، وفضلاً لا أدركه، أبونا عليّ لا أفضلك فيه ولا تفضلني فيه، وأمي امرأة من بني حنيفة، وأمك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ملء الأرض نساء مثل أمي ما وفين بأمك. فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وتعال لتترضاني، وإياك أن أسبقك إلى هذا الفضل الذي أنت أولى به مني والسلام. فلبس الحسن بن علي رضي الله عنهما رداءه ونعليه وجاء إلى محمد وترضّاه.
إذاً فالاعتذار هو الشعور بالذنب والندم عليه، والاستعطاف فوق ذلك هو التضرع إليه ليعطف عليه ويسامحه.
أجل... وبعد هذا العرض نجد أن للاستعطاف عند المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، نصيباً كبيراً في شعره، فقوله:
أرجوك واترجاك تضيفي علي بصيت
يمناي له في لمس يمناك راحاته
ويقول في قصيدة أخرى:
روف بي يا ريم لوطاني
لك امسلّم ماليه دوره
ويقول أيضاً:
ارحم رحمك الله لو ريتني تشافيت
قربك يزيح العوق عني وليعاته
ويقول في قصيدته المشهورة: «يا خفيف الروح كيف انتو»:
يا خفيف الرّوح كيف انتوا
يا شفا قلبي من اعواقه
ارحموني لو تكرّمتوا
بالوصل وانا من اشفاقه
ارحمو ذا الرّوح لا هنتوا
لي لكم بالشّوق توّاقه
ارحموا من به تحكّمتوا
من جفاه النوم ما ذاقه
أقول: ما أجمل هذه الأبيات للشيخ زايد في الاستعطاف، ولكن قولوا لي: من يستعطف مَن؟ إنه الشيخ زايد بن سلطان، وكان يومئذٍ رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحبيباً حلّ في قلوب الملايين. فهل هو يا ترى يحتاج إلى أن يترجى ويستعطف إلى هذه الدرجة التي أنا تأثرت بها، ومعروف عنه إذا طلب شيئاً وُجد له في لحظته، وبالسلطة التي في يده كان يستطيع أن يطلب ما شاء وممن يشاء؟!
لكن يلاحظ أن كل هذه الاستعطافات استرحامات عاطفية، وفي مجال العواطف يقول الشاعر:
إن لم يكن وصل لديك فعِدْ به
أملي وماطلْ إن وعدت ولا تفِ
فالمطل منك لدي إن عزّ الوفا
يحلو كوصل من حبيب مسعف
ولكم أقول لمن تحرش بالهوى
عرّضتَ نفسك للبلا فاستهدف
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى
فإذا عشقت فبعد ذلك عنّف