رمز من رموز التاريخ، ومدرس في العادات والتقاليد والكرم والتواضع، فرض احترامه على الصغير قبل الكبير، احتراماً يقوم على الحب لا الرهبة، استقى العادات والتقاليد من تاريخ آبائه وأجداده، ومن قيم الإسلام والعروبة التي تعتصم بها دولة الإمارات.

يؤمن بأنه صاحب رسالة، ألا وهي تعليم النشء العادات والتقاليد والمهن التي مارسها السابقون، وهو بذلك يعد نموذجاً يحتذى به في تربية الأجيال "البيان" زارت مجلس الشيخ سلطان بن علي بن سيف الخاطري، فكان الحديث عن عبق الماضي.

استهل الخاطري الكلام بالاستشهاد بمقولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان: من ليس له ماض لا حاضر له، ثم تطرق إلى أساليب غرس حب التراث في نفوس الشباب، ودور المجالس باعتبارها مصانع للرجال.

وأكد دور المجالس في تعليم الأبناء العادات الصحيحة ونقل الموروث الذي يحمله آباؤهم وأجدادهم، وتعليمهم أساسيات غابت عن الكثير من الأسر كآداب المجالس واستقبال الضيوف واحترام الكبير بالإضافة إلى التعاون، مشيداً بدور المجالس التي تقوم بتعليم أدق التفاصيل لتصنع رجلاً يحتذى به.

 

حكمة قائد

وأشاد سلطان بن علي الخاطري بحكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله وتمسكه بعاداته وتقاليده وكرمه قائلاً: كان طيب الله ثراه، قدوة ومثالا يجب السير على خطاه، فقد استطاع بحكمته وتواضعه أن يكسب قلوب شعب الإمارات، واحترام وحب الشعوب الأخرى، كانت كلماته حكمة صافية وتوجيهاته رؤية ثاقبة ومنهجاً قلما يتكرر في فن السياسة والإدارة، فهو رجل استثنائي حكم البلاد في مرحلة استثنائية وقاد سفينة التنمية بمهارة ربان ماهر.

وشبه الخاطري دولة الإمارات بالخيمة التي تم دق أوتادها في أعماق أرض صلبة وفي جميع الاتجاهات، فأصبحت راسخة قادرة على الصمود في وجه أعتى الرياح، ومضى قائلاً: هي واحة ذات أساس متين، يجمع أهلها الحب والانتماء، وهذا الأساس الراسخ يجعلنا ننام قريري العيون غير خائفين عليها من المستقبل.

وأضاف: الحديث عن المغفور له الشيخ زايد لا تكفيه الصفحات ولا توفيه الأقلام، فمواقف الراحل الكبير مع شعبه كثيرة يعجز عن وصفها اللسان، موضحا أن اهتمام الشيخ زايد بسكان الإمارات لم يبدأ مع إعلان الاتحاد، ففي الستينات كان المغفور له، رغم طول المسافات وصعوبة التنقل، يقوم بزيارات إلى إخوانه الشيوخ في مختلف إمارات الدولة ليطمئن على أحوال الشعب، ويتفقد احتياجاتهم، وهذا دليل على حب شعبه وأنه يتمتع بالرحمة والنخوة وكان نموذج عطاء متدفقاً يجب أن تتلمذ على يديه الإنسانية بأسرها.

وروى سلطان الخاطري قصة المغفور له الشيخ زايد عندما كان مسافرا لأحد الدول وبينما هو جالس في أحد المطاعم شاهد مجموعة كبيرة من الطيور تأتي للبحث عن الطعام ، فأمر المغفور له بمبلغ شهري لمالك المطعم مقابل أن يطعم هذه الطيور يومياً.

وتساءل على سبيل تأكيد المعنى: أية رحمة هذه وأي عطاء؟

إننا إزاء سيرة رجل سيذكره التاريخ بحروف من نور في أنصع الصفحات، وأحسب أننا سنكتشف ملامح عظمة هذا الرجل كلما مر التاريخ، فهو كاللوحة الفنية الكبيرة، لا تستطيع مشاهدتها على النحو المناسب فيما أنت تقترب إليها.

وقال: واصل هذه المسيرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، فجميعهم "عيال زايد" الذين نهلوا من نبع حكمته وتتلمذوا في مدرسته.. مدرسة الرحمة والعطاء.

وأضاف: حينما زار الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لإمارات الدولة، وجلس مع المواطنين وسمع منهم واستمعوا إليه، شعرت بأن زايد مازال موجودا بيننا، وبأن أبناءه يسيرون على نفس الدرب، وما هذا بغريب، فهم فروع من شجرة طيبة مباركة.

وتحدث الخاطري عن أهمية تعريف الأبناء بالعادات والتقاليد التي نشأ عليها الأجداد، من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية للمجتمع، وحماية النشء من رياح التغريب التي تجتاحنا بفعل العمالة الوافدة، أو بسبب غزو الفضائيات ووسائل الإعلام، والتوسع الكبير في استخدام شبكة الإنترنت، وما إلى ذلك من مستحدثات لا نستطيع العيش من دونها.

ولا نستطيع تجاهل آثارها السلبية والإيجابية معاً، موضحاً أن المعادلة الناجحة، تقتضي الأخذ بروح العلم، وعدم الاختباء داخل شرنقة الأنا على حد تعبيره- وأيضاً ممارسة الانتقاء والاختيار للتعرف على الصالح من الفاسد.

وقال: حرصت على غرس حب العادات والتقاليد في نفوس أبنائي بإسلوب لا ينتهج الشدة، وإنما التعريف بأن هذه العادات، إنما هي ملامح ثقافة عتيدة راسخة، وليس ممكناً لهم أن يتنكروا منها أو يتعالوا عليها، وإن بلغوا الجبال طولاً، وإن تقلدوا أرفع المناصب، مؤكداً أن الآخر لن يحترمنا حينما نتماهى فيه، وإنما سيقدرنا ويعرف قيمتنا كلما تمسكنا بجذورنا.

ويلتقط محمد سلطان الخاطري "رجل أعمال" طرف الحديث، ليتحدث عن الرفاهية التي يتمتع بها مواطنو الدولة قائلاً: وفرت القيادة سبل الراحة للمواطنين فأنشاءت البيوت والمستشفيات والمدارس والطرق واستجابت لمطالب واحتياجات الشعب وهي مستمرة في توفير الحياة الكريمة، وهذا ليس غريباً على قيادتنا التي كثيراً ما تؤكد أنه لا خير في ثروة ليست لصالح الناس.

وقال: إننا في دولة الإمارات، نحمد الله على أن العلاقة فيما بيننا وبين أصحاب السمو الحكام، ليست محدودة بضوابط اللهم إلا ضوابط الاحترام والتقدير من قبلنا، والحب والعطاء من قبل سموهم، فمجالس الحكام وبيوتهم مفتوحة لنا، وفي وسع أي مواطن أن يقرع الباب، وأن يوصل صوته لحكامه، وهذه ميزة لا تتمتع بها أعتى الديمقراطيات البرلمانية، لذلك فإننا متكاتفون وإياهم ونقف جميعاً على قلب رجل واحد.

وأضاف: لا يفهم الكثيرون عمق هذه العلاقة، لأنهم ليسوا منا ولا يعرفون عاداتنا وتقاليدنا، ولا يستوعبون قيم البداوة والعروبة الأصيلة التي نشأنا عليها، وهذا أمر لا يعنينا ولا يجب أن يدفعنا إلى محاولة مسخ وتشويه مجتمعنا حتى يرضى الآخر عنا، ويكفينا فخراً أننا راضون وسعداء بما نحن فيه، ولسنا في حاجة إلى نماذج مستوردة نرتديها فلا تليق علينا ولا بنا.

 

تجارب

وأشاد علي سلطان الخاطري بما اكتسبه من خلال حضوره الدائم للمجالس وملازمته المستمرة لها لتصبح مرجعا له في المواقف والمراحل التي تمر بها حياته.

وأكد قائلاً :حرصي على حضور المجالس بانتظام، علمني الكثير من أمور الحياة، لأننا نأخذ من تجارب الماضي لنعيش الحاضر، والتعليم وحده في المدارس ليس كافيا بأن يلم الشخص بكل ما يحيط به من حوله، فالمدرسون عندما يقومون بالعملية التعليمية يحثوننا على البحث والاطلاع على ثقافتنا التي يمكن أن نتعلمها من خلال القراءة في كتب التاريخ أو التطبيق العملي في المجالس المحافظة، ولو أكتفى الطالب بالتعليم الذي يحصل عليه في المدرسة لأصبح لديه فجوة معرفية سيعاني منها حينما ينخرط في المجتمع وعندما تحاصره ظروف الحياة.

وقال: إن الموازنة بين العملية التعليمية والاطلاع على ثقافتنا المليئة بالعادات والتقاليد الحميدة هي وحدها الوسيلة التي تخلق جيلاً واعياً، وقد علمتنا المجالس احترام الكبار وتقدير الصغار والكثير من آداب الحديث والإنصات، بالإضافة إلى المواهب التي انصقلت في هؤلاء الشباب.

فالحوار في المجالس والمناقشات هي تجارب وواقع عاشه أباؤنا وأجدادنا وبالطبع أننا سوف نمر بهذه التجارب، ومن هنا علينا إدراك مراحل الحياة المختلفة، واستذكار تربية والدانا التي غرست فينا حبه وطاعته وتقدير كل الناس مهما كانت مكاناتهم، ونحن اليوم نربي أطفالنا على هذه العادات ونفرح حينما نشاهدهم يطبقون الذي تعلموه بسرعة وبحب، فتستعيد مخيلتنا أيام الطفولة..

أما أحمد سلطان الخاطري "رجل أعمال" فقد ركز على دور الأسرة الذي يجب أن يسبق دور المدرسة، وقال: يجب أن لا تتهاون الأسر في تربية الأبناء لأن مستقبلهم مرتبط بالطريقة التي تربوا عليها، ففي الماضي كان المولود عندما يولد يقوم بتربيته جميع أفراد العائلة وذلك ضمن إطار الأسرة الممتدة، ومن ثم يستقي الصغير القيم والعادات والتقاليد منذ نعومة أظفاره.

ووصف التعليم بأنه قواعد نظرية تقف في صف الأسرة والمجالس لتكمل مسيرة التربية التي تخرج رجالاً وقادة للمجتمع، منوها إلى أنه يمكن أن يطبق الشخص ما تعلمه من المجلس في المدرسة وفي المجتمع والعكس صحيح، ومن الممكن أن يتعلم من المجالس أشياء لا يجدها حتى في التعليم.

وتتطرق في حديثه على أهمية التوسع في المجالس في كل منطقة لنقل التراث والعادات والتقاليد التي تساهم بشكل كبير في تربية أبناء الجيل في الوقت الحالي، وأن يقود هذه المجالس الشيوخ وكبار السن الذين يختزنون التاريخ في عقولهم، ويشارك فيها أيضا قادة الرأي العام والتربويون، وكل من يساهم في صناعة الجيل الحالي ،لأن المجالس هي الجانب التطبيقي لترسيخ الأفكار التي تساهم في تنشئة جيل واع محافظ على العادات والتقاليد.

مواكبة التطور

ويؤكد ناصر سلطان الخاطري "موظف في وزارة الداخلية" أنه رغم طبعهم وحياتهم البدوية ومنطقتهم التي تبعد عن المدينة عشرات الكيلو مترات، الإ انهم يستخدمون وسائل الاتصال الحديثة مثل الآي باد والبلاك بيري والآيفون والأنترنت، ليواكبوا التطور وتثقيف الجيل الجديد بما يدور حولهم، لأنه لا بديل عن الانفتاح على العصر، بشرط عدم الخروج من بوتقة الواقع الحضاري والثقافي للمجتمع.ورأى أنه بالنسبة للأطفال فتجب مراقبتهم عند استخدام الوسائل الحديثة، لما في ذلك من جوانب سلبية إن استخدمت بشكل غير صحيح.

ولابد أن تتم المراقبة بشكل غير مباشر حتى لا يشعر الطفل بأن ولي الأمر لا يثق فيه، موضحاً أن بعض الأشخاص يتأثرون بسبب الإفراط في استخدام التكنولوجيا وخاصة الانترنت، وينجرفون إلى سلوكيات مرفوضة، تؤدي إلى هز سلامتهم النفسية والاجتماعية، ومن ثم تنعكس سلبا على المجتمع بأسره.

واعتبر أن الجمع بين وسائل التربية الحديثة والتربية القديمة، ومراقبة الأطفال منذ صغر سنهم عامل مهم في توليد الرقابة الذاتية عندما يكبرون، مشيرا إلى أنه يربي أولاده على الخشونة والصلابة وذلك من خلال اصطحابهم إلى ركوب الجمال وتعليمهم حياة البدواة، وأن التربية الجيدة هي التي تزرع في نفس الطفل الحب والقناعة وليس التي تبنى على الإكراه.

علم وتثقيف

وأشار أحمد عبيد الخاطري "موظف في الهيئة الوطنية للطوارئ وإدارة الأزمات" إلى دور المجالس من الناحية العلمية والتثقيفية، فكثيراً ما يحدث أن تناقش أساليب التعايش مع مرض السكري الذي ينتشر في الدولة كالنار في الهشيم، أو مخاطر الوجبات السريعة، وبدانة الأطفال، وأسس التربية السليمة فضلاً عن المواضيع الدينية والأدبية والقضايا التي تهم الرأي العام، كقضايا القروض والإسكان والإسراف في رمضان.

وقال: من الموضوعات التي نوقشت في المجلس واستفدت منها شخصياً: مرض التوحد، والنظريات العلمية التي تحاول تفسير مسبباته وأساليب التعامل مع الأطفال المصابين به.

وأضاف: من فوائد المجالس أنها تعزز التواصل بين الحضور ليتعلم الأطفال آداب التحدث مع الكبار مما يزيد الثقة في انفسهم والجرأة أيضا، ويتعلمون أيضا لغة الحوار التي غابت عن الكثير من أبناء جيلنا الحالي.

كما تساعد المجالس على نشر تعاليم الدين، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها، وتؤدي جميع هذه العوامل في تكوين جيل واع مؤهل للانخراط في المجتمع، وعلى مستوى الوظيفة أيضاً فالشباب الذين يبتعدون عن أهاليهم والمجالس تجدهم متمردين على الوظيفة وعلى مسؤولهم لغياب الكثير من القيم عن أذهانهم، عكس الشباب الذين تعلموا الانضباط في المجالس.

ودعا الشباب إلى المثابرة والتردد على المجالس باستمرار لاستغلال أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالنفع، لأن وقت الفراغ بالنسبة للشباب وخاصة في سن المراهقة يتأثر بسلوكيات وعادات غريبة تتصف بعضها بالسلبية.

 

التفكك الأسري

من جانبه قال عبد الله بن علي الكتبي "موظف حكومي": مما لا شك فيه أن المجالس تساعد على تقوية جدارن المجتمع، وإزالة التشققات التي تشوب البناء الأسري، بسبب طبيعة الحياة السريعة والخالية من الود والتآلف.

وأشار إلى التبعات الخطيرة التي ترتبت على التفكك الأسري والتي كانت واضحة الآثار على الأطفال، الذين تُركوا بين يدي الخادمات الأجنبيات، اللاتي لا يهمهن أن يشبوا مواطنين صالحين، ولا يعرفن من الأساس قيمنا الأصيلة.

وأضاف: مثل هؤلاء الأطفال يسقطون مستقبلا فرائس سهلة للانحراف، وعادةً ما يعانون من ضعف الوازع الديني، مما يؤكد أن تخلي الأسرة عن دورها التربية، إنما هو جريمة ضد المستقبل والحاضر معاً.

وقال: أولت الحكومة الرشيدة اهتماما كبيرا بالمحافظة على العادات والتقاليد فطرحت المسابقات وأنشأت المراكز التي تغرس وتنمي في نفس الجيل الحالي والأجيال القادمة حب العادات والتقاليد، وما يحصل من تراخي بعض الأسر عن دورها في تربية الأبناء يجعل الجهود الحكومية كمن يحرث البحر، فالأسرة أولا وأخيراً.

 

دروس وعبر

وتطرق سالم سلطان الخاطري "طالب جامعي" إلى المواقف التي ساهمت في تعليمه أهم معاني الرجولة منذ كان طفلاً.

وقال: بينما كنت جالساً بصحبة الأطفال في أحد المجالس، وكان يحضرها عمي راشد بن عبدالعزيز النعيمي، وكان ذا إسلوب فريد في توجيهنا، حيث يكتفي بالإشارة بأصابعه إلى الشيء الذي يريد، وحينما كان يرمي فنجان القهوة للأعلى فهذه إشارة إلى أنه في حاجة إلى شرب القهوة، مما كان يدفع لخدمته.

ومضى قائلاً: تركني أصب له القهوة ثم نهرني لأني ارتكبت خطأ فادحا عندما أمسك بدلة القهوة باليد خطأ ،الإمساك بالدلة باليد اليسرى، فرفض احتساء الفنجان وطلب من صغير آخر أن يسكب له القهوة حتى أراه وأتعلم.

وقال: كانوا إلى هذا الحد يحرصون على أدق التفاصيل ويهتمون بتعليمنا آداب الجلوس والحديث والإصغاء وتناول الطعام والترحيب بالزوار الذين يتوافدون على المجلس، وهذه القيم والأخلاقيات هي التي شكلت شخصياتنا وعززت هويتنا الوطنية.

 

نظرة العين

وعبر عبدالعزيز بن سلطان وعلي بن أحمد بن سلطان وراشد بن أحمد بن سلطان عن سعادتهم بهذا المجلس الذي ساهم في تكوين شخصياتهم التي يغلب عليها طابع البداوة، ومن ثم أصبحوا متمسكين بالعادات والتقاليد، وتحدثوا عن تربية والدهم لهم والذي أصبح يفهمونه من نظرة عينيه ويعرفون إن كان الذي يفعلوه خطأ أو صوابا، ومن الأشياء الجميلة الحاضرة في المجلس أنه بالإمكان تحديد اصغرهم من أكبرهم من خلال تسلسلهم في الجلوس، حيث تتحدد أماكنهم بناء على أعمارهم وهذا يعكس احترامهم وتماسكهم، وتقدير الصغير للكبير.

 

 

إحراز المراكز الأولى حصيلة المجالس

 

من أهم الإنجازات التي تحققت على هامش المجالس، التميز الذي حصل عليه الطالب سلطان محمد سلطان الخاطري في الصف الثاني الإعدادي من خلال مشاركته في بطولة الرماية بالسكتون المقامة قبل أربعة شهور على مستوى الدولة، والتي أحرز فيها المركز الأول.

وعن العوامل التي ساعدته في الوصول إلى هذا المستوى قال سلطان بأن إحرازه لهذا المركز جاء نتيجة جلوسه في المجالس، وتحفيزه للوصول إلى المراكز العليا أثناء استماعه إلى القصص التي تتناول المواقف البطولية والتي حثته على التميز في كافة المجالات والميادين، وتشجيع والديه وجده له.

وأكد حرصه على حضور المجالس باستمرار سواء كان بصحبة والده أو جده، مشيراً إلى أن الرماية هواية اكتسبها من والده منذ الصغر، وهي إحدى العادات المتوارثة على جميع أفراد العائلة.

ويضع سلطان أمامه الوصول لأن يكون بطلاً عالمياً في الرماية ويرفع علم بلاده على جميع المحافل الدولية.

مديح من الابن لأبيه

 

 

عبر محمد سلطان الخاطري اعتزازه بما غرسه فيه والده من قيم حميدة بقصيدة ألقاها خلال المجلس وجاء فيها:

 

نحشم على سمعتك ونطول لي سالوا العربان عنا

ياصامل الوقفات والطول لي صار للمنطوق فنا

تحتار فيك أصحاب العقول واللي بنفسه يستضنا

بالطيب ولا مقارع فحول مافيك يالمنعور هنا

ولي سكرت بيبان القفول وتغلقت منا ومنا

لك ياسمينا الراي مفعول وان قلت قول ماتثنى

مالك شبيه ومالك مثول نادر ويفخر بك وطنا

متسلسل من سبعة زحول يشهدلهم ماضي زمنا

هذا ويعل سنينك تطول ماتأخذك الأيام عنا

 

حكمة الخاطري في تنشئة الأبناء

 

لا تقل التربية مشقةً عن عملية تأسيس الشوارع المعبدة "تسبقها خطوات يجب اتباعها قبل البدء فيها"، هي حكمة أطلقها الوالد سلطان بن علي الخاطري عندما تطرق في حديثه إلى التربية، وقال إنها عملية يجب أن تراعي أساسيات يجب البناء عليها بناءً صحيحاً في مرحلة الطفولة من أجل تحقيق الغايات المرجوة عندما يصبح الولد يافعاً.

وأكد أن التربية في الماضي قد تكون أسهل من التربية في الحاضر ويرجع السبب إلى أن مغريات الحياة كثيرة والمشكلات إلى جانب الأفكار والعادات الدخيلة على المجتمع والتي باتت تؤثر على أفراده تأثيراً قوياً عبر وسائل الإعلام الحديثة.

وأكد أهمية دور ولي الأمر ومتابعته الأبناء متابعة صحيحة ومستمرة، والتنبه إلى حجم الخطورة التي قد تنتج عن هروب الابن فكرياً واتجاهه إلى عادات وتقاليد لا تمت بعاداتنا وتقاليدنا بأي صلة وإنما تدفعه للانحراف عن تعاليم ديننا الحنيف وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

 

 

25 عاماً من غير أجهزة التكييف!

 

التمسك بالماضي أمر حرص سلطان بن علي الخاطري عليه طوال حياته، مثلما حرص على إظهار التمسك به خلال نقاشات المجلس، ومن ملامح هذا التمسك أنه رفض لمدة 25 عاماً النوم في غرفة مكيفة.

وعن السبب الذي دفعه إلى ذلك قال: حياة الماضي كانت تخلو من أجهزة التكييف، والناس لم تشكُ أو تتبرم، وكانوا بصحة أفضل، وقد دأبت على التوجه إلى سطح المنزل ليلاً لأنام دون أن أشعر بحرارة الجو.

وفيما يتعلق بالعلاج في المستشفيات فلا يذهب سلطان الخاطري إليها إلا في الحالات المستعصية واللازمة، حيث أشار إلى أن المجتمع الإماراتي القديم ذكر في تاريخ الطب والموروث الشعبي عينات دوائية قد تكون في الطعام ذاته.

وأضاف: الرياضة لها أهمية كبرى في صحة الإنسان، حيث أكد بأنه من المواظبين المواظبين عليها وتحديدا المشي لما فيه من فوائد جمة.

 

مواقف رجولية

 

 

تطرق ناصر سلطان الخاطري في حديثه حول الموقف الذي لا يكاد ينساه كلما يرى الدلة في يد الأطفال.

وقال: عندما كنت صغيراً أمر والدي بجلب الدلة لشرب القهوة، فقفز الإخوة جميعهم وهجموا على دلة القهوة ليمسك كل منهم الدلة من جهة يريدون أن يسكبوا لوالدهم ، مما أدى إلى تحطم الدلة إلى أشلاء وأخذ كل منهم بجزء من الدلة في يده، مما أظهر ملامح الإعجاب والدهشة في وجهه، وأشاد بصراعهم على تلك الدلة من أجل الحفاظ على إحدى مظاهر العادات والتقاليد المتبعة في المجالس.

 

 

عادات وتقاليد.. تنتقل بين الماضي والحاضر

 

اكتسبت عائلة سلطان علي الخاطري عادات وتقاليد توارثها الأبناء من أجدادهم وظلوا متمسكين بها، وكانت أول مظاهر التشبث بالماضي تتمثل بالعيش وسط الكثبان الرملية واستنشاق هواء البيئة البدوية في منطقة الساعدي، ورفضهم الانتقال إلى ما يسمونه بنشاز الحياة المدنية والتخلي عن جميع عناصر ومكونات هذه الحياة.

وتهيمن العادات والتقاليد القديمة على مجالس الخاطري، وتسيطر على كل المترددين عليه، من أصغرهم سناً إلى أكبرهم، وأهم تلك العادات: امتناع جميع الأبناء عن التقدم أمام والدهم عند ذهابهم إلى المجالس لاسيما الزيارات المتعارف عليها إلى العائلات والقبائل المعروفة.

علاوة على ذلك، يحرص الجميع على الامتناع عن الضحك بأصوات عالية وسط الرجال لاسيما الأطفال الذين لا يسمح لهم بالضحك أمام الكبار والتدخل في الأحاديث التي لا تعنيهم، وذلك كله من الآداب التي تحرص عليها هذه العائلة المصرة على التمسك بموروثها، كما أن الالتزام بهذه العادات والتقاليد أدى إلى الالتزام بتعاليم الدين والعبادات المنعكسة صورتها على الأبناء من خلال التزامهم على أداء الصلاة في المسجد.

عقاب في الظلام!

 

بينما كان الوالد سلطان بن علي الخاطري مصطحباً أبناءه إلى إحدى المحلات التجارية، فوجئ بمغادرتهم جميعاً فور وصوله إلى المحل المقصود واندفاعهم باتجاهه دون الاستئذان منه، مما أثار في نفسه الغضب الشديد ودفعه لإعادتهم إلى السيارة رغماً عنهم، ليأخذهم إلى منطقة بعيدة تكاد تخلو من السكان في ليل يسوده الظلام الحالك.

وقال الوالد لهم بأنه سيتركهم ليعانقوا ظلام الليل دون وجود أي بشر، موضحاً أن هذه الرحلة القصيرة زرعت في نفوسهم الخوف من كسر جدار الاحترام، ليظل درساً راسخاً في أذهانهم على مر الأيام.

 

 

 

مجلس الخاطري مد الجسور بين الحاضر والماضي

 

قال سلطان بن علي الخاطري ان حكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله وتمسكه بعاداته وتقاليده وكرمه قائلاً: كان طيب الله ثراه، قدوة ومثالا يجب السير على خطاه، فقد استطاع بحكمته وتواضعه أن يكسب قلوب شعب الإمارات، واحترام وحب الشعوب الأخرى، كانت كلماته حكمة صافية وتوجيهاته رؤية ثاقبة ومنهجاً قلما يتكرر في فن السياسة والإدارة، فهو رجل استثنائي حكم البلاد في مرحلة استثنائية وقاد سفينة التنمية بمهارة ربان ماهر.

وشبه الخاطري في مجلسي دولة الإمارات بالخيمة التي تم دق أوتادها في أعماق أرض صلبة وفي جميع الاتجاهات، فأصبحت راسخة قادرة على الصمود في وجه أعتى الرياح، ومضى قائلاً: هي واحة ذات أساس متين، يجمع أهلها الحب والانتماء، وهذا الأساس الراسخ يجعلنا ننام قريري العيون غير خائفين عليها من المستقبل.

 

 

هويتنا لم تتغيرو جنسيتنا تحمل ثقافة الامارات

 

الدكتورة آمنة خليفة في «محطات» تقول : ارتحلت الأسرة من الإمارات إلى السعودية ومن السعودية إلى قطر، فيما يشبه رحلة الشتاء والصيف، فقد تزوجت أختي من إماراتي لكنه يعمل في قطر فانتقلنا من السعودية إلى الدوحة ولأباشر الصف الخامس في مدارس قطر، والتي شهدت مراحل تعليمي حتى الجامعة.

طوال تلك الفترة، لم تتغير هوياتنا ولم تتغير جنسياتنا فنحن إماراتيون نحمل وثائقنا الرسمية الإماراتية، وعليه عوملنا معاملة غير المواطنين في كل من السعودية وقطر.

وكان حصولي على شهادة الثانوية العامة من قطر ضمن العشرة الاوائل على القسم الأدبي منعطفا أو محطة ثالثة في مسيرة حياتي، فقد كانت دولة قطر تسمح للمتفوقين من أبناء غير المواطنين القطريين أن يبتعثوا للدراسة على حسابها في قطر أو في الخارج.

كنت أتمنى دراسة الاعلام في الخارج، ولكن الظروف الاجتماعية وليست الظروف الأسرية؛ حالت دون ذلك، وكانت مثل هذه الظروف تحد من انطلاقتي، وعليه اتجهت إلى كلية المعلمين والتي أنشئت قبل حصولي على الثانوية بسنتين فدرست دراسات إسلامية ولغة عربية، حيث لم تكن الخيارات كثيرة وقتها. وتخرجت بعد ثلاث سنوات وكنت الأولى على دفعتي ليلوح أمامي منعطف جديد.