سعيد بن طحنون مستذكراً لحظات عايشها مع القائد المؤسس:

زايد ماضينا المشرّف وحاضرنا السعيـد ومستقبلنا المشرق

ت + ت - الحجم الطبيعي

العظماء لا يرحلون لأنهم يتركون من طيب ذكرهم ما يبقى خالداً أبد الدهر، وتتناقل الأجيال سيرتهم غضّة حيّة كما لو أنهم يعايشونها لحظة بلحظة..

والمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان قامة إنسانية باسقة، يفوح عطره على كل من عاصره، فأصبحت يومياته معهم كنزاً ثميناً يتناقلونه بين أبنائهم وأحفادهم ميراثاً عزيزاً يستقون منه ما يهتدون به في الحياة..

هذه صفحة يومية لأناس عاصروا الشيخ زايد بن سلطان يروون أحاديث الفكر والقلب والوجدان ممزوجة بعبق المحبة الغامر.

«شكلت مدينة العين حالة وجدانية خاصة في عقل وفكر المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كانت مبعث سعادته واهتمامه ورعايته، منها كانت خطواته الكبيرة والواسعة للقفز على الصعاب والتحديات لبناء دولة عصرية تسابق معطيات الزمن، وتحرق المسافات والمراحل، فأثر المغفور له بإذن الله تعالى زايد في كل شبر من ثراها، وفوق كل حبة رمل من صحرائها، وتحت ظل كل شجرة غرسها بيديه تنتصب بشموخ وكبرياء، ومع كل قطرة ماء تجري في فلج»، تلك بضع من كلمات بدأ فيها الشيخ سعيد بن طحنون آل نهيان، الحديث عن زايد الخير، زايد الإنسان، مؤكداً أن المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد، هو ماضينا وحاضرنا، وصورة مستقبلنا الذي بناه على حب الخير والعطاء والتسامح.. وتلك خصال زايد الإنسان.

عندما طلبنا من الشيخ سعيد بن طحنون آل نهيان، إجراء حوار عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، بمناسبة عام زايد، لاستعراض الجوانب والقيم الإنسانية التي كان يتحلى بها، كونه واحداً من أبناء دولة الإمارات الذين عايشوا الشيخ زايد، عن قرب، وأولاه الثقة عندما شرفه وكلفه بتولي عدة مهام رسمية في بلدية العين والمجلس التنفيذي في أبوظبي ورئاسة نادي بني ياس، وحرص على تنفيذ توجيهات المغفور له الشيخ زايد رحمه الله بكل أمانة وإخلاص.. لم يتردد «بوزايد»، وعلى الفور قال: «إن الحديث عن الشيخ زايد، رحمه الله، لا يرتبط بمناسبة أو عام، ولا يحتاج إلى تحديد مواعيد، فهو ماثل بيننا في كل لحظة من لحظات حياتنا، يسكن في القلب والعقل والوجدان والخاطر، هو كتاب من سفر التاريخ مفتوحة صفحاته، لمن أراد أن يقرأ ويتبصر ويتعلم فن القيادة والريادة، وحب العطاء والتسامح وصنع البسمة والفرح والسعادة».

وأضاف، أن الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، لا تكفي ساعات محددة للحديث عن مآثره وسيرته العطرة المليئة بحب الخير والمواقف الإنسانية، مهما تحدثنا فلن نوفيه حقه، فقد أصبح هو نبض الحياة التي نعيش فيها وسوف يبقى ذلك خالداً في وجدان شعب أبناء الإمارات، الذين عرفوا قبله شظف العيش وقساوة الحياة، وفي عصره وعهده عرفوا السعادة والفرح، وعمّ الخير على الجميع، ومازال خيره يفيض حتى بعد رحيله عنا جسداً.

قيم وأصالة

وأشار الشيخ سعيد بن طحنون إلى أن المغفور له الشيخ زايد أورثنا دولة عصرية بكل معنى الكلمة، تمتلك كل مقومات التطور الحضاري، مبنية على القيم والأصالة والموروث الحضاري والانتماء الوطني للأمتين العربية والإسلامية، زرع فينا قيم الأصالة والشموخ والكبرياء، أينما ذهب أو حل أبناء الإمارات، تجد لهم احتراماً وتقديراً ومكانة في قلوب الناس، تلك المحبة التي أورثها زايد لأبناء شعبه قل مثيلها، وهي تجسد علاقة اللحمة الوطنية بين القيادة والشعب، وهو النهج الذي تسير عليه قيادتنا الرشيدة والحكيمة، في ظل رعاية وقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهم أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات.

وأوضح أن المغفور له الشيخ زايد، كان مدرسة في القيادة، ونموذجاً في كونه الأب الحاني على أبناء شعبه، مذ كان ممثلاً للحاكم في مدينة العين مطلع ستينيات القرن الماضي، فقد كانت أفكاره تسبق زمانه.

قائد استثنائي

ولفت إلى أن الشيخ زايد، رحمه الله، كان رجلاً استثنائياً في زمن استثنائي، كانت المنطقة وما زالت تعج بتحولات وتحديات إقليمية لا مكان فيها إلا لمن يمتلك رؤية مستقبلية وقدرة على اتخاذ القرارات المصيرية الشجاعة، فلقد كانت الحياة العامة لأبناء المنطقة هي همّه وشغله الشاغل، كان فكره دائماً نحو تأسيس دولة تمتلك مقومات عصرية، حيث كانت الحياة صعبة جداً في المعيشة والمعاش، فالطبيعة تفرض نفسها، وبفطنته ورؤيته وبما أنعم الله عليه من بصيرة وحكمة، استطاع أن يبنى تلك الدولة، بعد أن عمّ الله علينا بالخير الذي سخره زايد من أجل إسعاد أبناء شعبه ووطنه، كان همّه أن يرى أبناء شعبه يعيشون حياة سعيدة.

مواجهة التحديات

أما عن التحديات الطبيعية، فيقول الشيخ سعيد بن طحنون، لقد كانت المياه قليلة، فساهم المغفور له الشيخ زايد في حفر الأفلاج والآبار، من أجل توفير المياه، لأنها أصل الحياة، وتشهد له أفلاج العين على ما قدمت يداه، ومن ثم جاءت الخطة الثانية بتحول الصحراء إلى واحات خضراء، حيث أطلق حملة واسعة وأعد الخطط والبرامج الزراعية على الرغم من الآراء التي كانت تأتيه من بعض الخبراء والمستشارين، بأن الأرض الرملية لا تصلح للزراعة، لكنه قهر المستحل، وها هي واحات النخيل تتحدث عن ملايين أشجار النخيل تقف بشموخ في الواحات والمزارع التي أولاها اهتماماً ورعاية خاصة، فيكفي أن تلقي نظرة على امتداد الطرق لتجد الواحات والأشجار والمزارع تتحدث عن نفسها، بفضل من الله وبهمة زايد، رحمه الله.

إشراف شخصي

وأشار إلى أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كان يشرف بنفسه على توزيع الأراضي الخاصة للمزارعين من المواطنين، ويقدم لهم الدعم المادي في كل ما يحتاجونه من مستلزمات من أجل مزارعهم، وكان يشتري المحصول منهم ويوزعه بالمجان أو بأسعار أقل من سعر المنتجات المستوردة.

توزيع المساكن

وبالنسبة للمساكن فقد كان هاجسه الكبير أن يوفر المسكن المناسب واللائق لأبناء شعبه، فأوجد في المرحلة الأولى نظام المساكن الشعبية، حيث كان يوزع تلك المساكن على أبناء الدولة في مختلف المناسبات، ويحرص على أن يتحول الناس إلى السكن في منازل حديثة بدل بيوت الشعر وسعف النخيل، التي كانت السمة الأساسية للسكن في ذلك الوقت، كما كان يحرص على أن يتجمع أفراد الأسرة أو القبيلة في منطقة واحدة، لزيادة اللحمة الوطنية والمجتمعية بين أبناء الأسر والقبائل، لتشكيل نواة مجتمع متماسك.

وفي مرحلة ثانية حدثت نقلة نوعية في طريقة توزيع الأراضي والمساكن، حيث تم توزيع منازل جديدة بمواصفات أحدث تناسب البيئة المجتمعية من حيث طرق العيش والحياة الخاصة والحفاظ على الخصوصية الأسرية، فتم توزيع المساكن الطابقية والفلل الحديثة، ما ساهم في استقرار المجتمع وبات التوسع الديموغرافي يتطور بشكل متسارع، وباتت الأحياء الشعبية تتشكل بسرعة بعد أن تم توفير البنية التحتية والمرافق الخدمية لتلك التجمعات السكنية، وكانت تقام المدارس، حيث التعليم المجاني ومراكز الرعاية الصحية، وها هي مساكن المواطنين تبنى وفق أحدث وأجود المواصفات السكنية.

تحولات مجتمعية

وأوضح أن تلك المرحلة شهدت تحولات مجتمعية كبيرة من خلال اندماج أبناء القبائل والأسرة في الأحياء الشعبية التي كانت توزع في الأراضي والمنازل على الموطنين، إضافة لذلك تم توزيع الأراضي الاستثمارية والقروض الميسرة والمزارع الخاصة.

مرحلة البناء

وسألنا الشيخ سعيد عن فترة توليه مهام رئيس بلدية العين في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فتوقف لحظة عن الحديث، وكأنه يستعيد شريطاً من الذكريات المليئة بالإنجازات التي شهدتها مدينة العين في تلك الفترة بفضل توجيهات المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، وأضاف، لقد شرفني، رحمه الله، بهذه المهمة التي أعتز بها، وهي وسام على صدري، كانت مدينة العين تشهد نمواً وتطوراً كبيراً وسريعاً في كل الجوانب الديموغرافية والاقتصادية والزراعية والمجتمعية، كانت محط واهتمام ورعاية زايد، فلقد كان يتابع فيها كل صغيرة وكبيرة، هدفه أن تكون المدينة واحة وسط كثبان الرمال تعج بالحياة، كنت في كل يوم ومنذ الصباح أتابع أنا وفريق العمل من المهندسين والمستشارين إنجاز التوجيهات والتعليمات، وتنفيذ المهام التي كانت توكل لي مباشرة، كان يوصينا حينذاك بالأمانة والحرص على إنجاز تنفيذ المشاريع في والوقت المحدد وبأعلى جودة، وضرورة التقيد بالشروط والمعايير، كُنا نطلعه على كل شيء، وكان رحمه الله يستفسر في كل يوم عن نسب الإنجاز ومراحل التنفيذ، لم يكن يكتفي بذلك، بل كان يفاجئنا بتواجده في مواقع المشاريع وفي أوقات مبكرة من الصباح.

وأضاف «كان يجلس مع المهندسين المشرفين ويسألهم عن أشياء لم تكن تخطر ببالهم. كانت توجيهاته بألا يكون هناك أبنية عالية أكثر من طابقين أو ثلاثة في مدينة العين، وأن يكون انتشارها المعماري أفقياً، من أجل الحد من التصحر، وظل هذا النهج سائداً حتى الآن، مع ضرورة أن تكون المنازل ملبية متطلبات الأسرة وتوسعها وحفاظها على الطابع المعماري المحلي».

مدينة الفرح

وتابع «في تلك المرحلة انتشرت في مدينة العين العديد من المشاريع السياحية والترفيهية، فالجميع يذكر مهرجان العين للربيع الذي كان يقام في مدينة ألعاب هيلي، حيث كان المهرجان الوحيد في منطقة الخليج، استقطب النخبة من الفنانين والفنانات من نجوم الفن العربي، كما كان هناك مهرجان العين للزهور، ومن خلاله فازت مدينة العين بلقب أجمل مدينة في العالم، إضافة لذلك كانت تقام المعارض الاقتصادية التي تأتي من جميع الدول العربية وتستقطب عدداً كبيراً من التجار، إضافة للمعارض الفنية ومعارض الكتب التي كانت مواعيدها ثابتة في كل عام، إضافة لذلك اشتهرت العين بالمناسبات الرياضية، حيث كان نادي العين ولا يزال يستقطب أقوى النجوم العرب والدوليين، وكانت دورة العين الرمضانية من أول وأقوى الدورات الرمضانية في الدولة».

اهتمام

اهتم المغفور له الشيخ زايد بالوطن والمواطن، فقد زرع في نفوس أبناء الوطن حب الوفاء والولاء للوطن، في إطار من اللحمة الوطنية، تعزز ذلك في العديد من المناسبات، فعندما نادى الوطن أبناءه للدفاع عن مصالحه العليا، لبى أبناء الوطن النداء وقدموا أروحهم زكية طاهرة، لتضيف إلى السجل الخالد سطراً جديداً، كتب بتلك الدماء الطاهرة التي يشع منها نور يرسم صورة المستقبل المقبل كما أراده الشيخ زايد وإخوانه في ظل قيادتنا الحكيمة والرشيدة.

Email