خصال زايد جواهر نفيسة وأفعاله ثمـار يانعة منحتنا السعادة

العظماء لا يرحلون لأنهم يتركون من طيب ذكرهم ما يبقى خالداً أبد الدهر، وتتناقل الأجيال سيرتهم غضّة حيّة كما لو أنهم يعايشونها لحظة بلحظة..

والمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان قامة إنسانية باسقة، يفوح عطره على كل من عاصره، فأصبحت يومياته معهم كنزاً ثميناً يتناقلونه بين أبنائهم وأحفادهم ميراثاً عزيزاً يستقون منه ما يهتدون به في الحياة..

هذه صفحة يومية لأناس عاصروا الشيخ زايد بن سلطان يروون أحاديث الفكر والقلب والوجدان ممزوجة بعبق المحبة الغامر.

«من يتحدث عن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، يواجه صعوبة كبيرة في اختيار الموضوع أو الدرس الذي تعلمه منه، فخصال المغفور له هي كالجواهر في كل معانيها، وأفعاله الحميدة هي ثمار يانعة أبرزت لنا ما يسمى اليوم السعادة».. بهذه الكلمات العذبة يصف عيد بخيت مسلم المزروعي، أحد المقرّبين الذين رافقوا الوالد الراحل، العلاقة الوثيقة التي جمعته بالشيخ زايد رحمه الله، ويعبر عن مدى الأثر الطيب الذي تركه رحمه الله فيمن حوله.

والمزروعي نال خلال فترة عمله التي وصلت إلى 51 عاماً، العديد من الميداليات والشهادات التقديرية لجهوده ومبادراته على كافة المستويات؛ تقديراً وتثميناً للدور الذي اضطلع به خلال فترة عمله في المؤسسات الحكومية، ولما بذله من جهود لتعزيز وتطوير المنظومة التعليمية في ميادين العمل المدرسي والتربوي.

ويعتبر المزروعي أحد أبرز الإماراتيين الذين أثبتوا خلال فترة وجيزة من العمل جدارة عالية ودقة في تنفيذ مهام العمل، وتميز بكونه إنساناً صلب الإرادة ويحظى بمحبة الناس واحترامهم، ما مكّنه من شغل مناصب قيادية، منها عضوية المجلس الوطني الاتحادي، ووكيل دائرة الخدمات والمباني التجارية في أبوظبي، ومدير عام تطوير المناهج والوسائل التعليمية.

دروس

وعن أول موقف ودرس تعلّمه من الشيخ زايد يقول: «كنت أحد الأشخاص الذين سمحت لهم الفرصة أن يعاصروا هذا الرجل العظيم، وعرفته زعيماً كريماً وشجاعاً، تعلقت به منذ الصغر، أخذت منه صفات قلّ أن تتوافر أو تجتمع في شخصية واحدة، فتعلمنا منه حب الخير والتفاني في العمل والإخلاص للوطن، ولمست بتواجدي بشكل دائم في مجلسه بحكم أن أبوابه مفتوح للجميع، الإرادة القوية وبعد نظره وفطنته الاجتماعية».

وتابع: «إذا رجعنا إلى الوراء سنجد أن بذرة السعادة كان قد زرعها المغفور له الشيخ زايد عندما تولى مقاليد الحكم بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي في ذلك الوقت، حيث كانت الحياة صعبة والطرق غير معبدة بالأساليب الحديثة، فضلاً عن شحّ مياه الشرب، وفي ذلك الوقت كانت معظم البيوت الموجودة في أبوظبي مبنية من سعف النخل، حيث يقيم فيها عدد من أفراد قبائل المزاريع والمناصير والقبيسات والقبائل التي توافدت إلى إمارة أبوظبي، ولم يجدوا بيوتاً لسكنهم فشرعوا في إقامة هذه البيوت الهشة التي تكيفوا معها مع مرور الوقت، إلا أن الشيخ زايد، رحمه الله، كانت لديه حرقة وهو يرى أبناء شعبه لا يعيشون في مبان حديثة».

حينها كان السعي إلى إيجاد حلّ لتلك المعوقات الشغل الشاغل لاهتمام وتفكير الشيخ زايد، وفي أحد الأيام وأثناء خروجه من قصر الحصن متوجهاً في زيارة لأبناء المنطقة، عكف طول الزيارة على ترديد كلمة «هم أولاً.. هم أولاً»، يقصد بأن الإنسان على أرض الإمارات هو الأول في الاهتمام، فعلينا أن نحرص كل الحرص على تأمين كافة احتياجاتهم.

وأضاف: «طلب المغفور له حضور جميع المخططين وكل من يستطيع البناء إلى موقعه، وعند وصولهم أمرهم بإنشاء ما تسمى بـ«البيوت الشعبية»، طالباً منهم المسارعة في بناء بيوت تتألف من غرفتين وصالة، حتى يستطيع أن ينقل الساكنين في بيوت سعف النخيل إلى مكان أفضل للعيش.

القلم والرمل

يقول المزروعي: «الشيخ زايد، رحمه الله، كان يرسم لمن حوله بعصا وسميتها «القلم»، لينقل أفكاره وآراءه إليهم، وكانت صفحته هي الرمل التي كان يمسحها بيديه، ثم يعود ليرسم ويكتب عليها مرة أخرى، وعندما تساءل المخططون عن المخطط الذي يمكن اعتماده لتنفيذ المباني الجديدة، قام برسم مخطط على الرمال لمبنى يضم غرفتين وصالة، وأمرهم ببناء البيوت وفقاً لهذا المخطط».

وشدد الشيخ زايد وقتها على ضرورة إنجاز المباني بأسرع وقت ممكن، وهنا جاءت عقبة جديدة تمثلت في قلة المياه العذبة التي تستخدم في عملية البناء، حينها طلب منهم الشيخ زايد بأن يقوموا بخلط مياه البحر مع المياه الحلوة، مرجعاً السبب إلى أنه يريد بناء منازل تقي هؤلاء الناس الحر والبرد لمدة 7 سنوات فقط إلى أن يتم بناء مبانٍ جديدة وفقاً للمواصفات الحديثة.

وقال: «انتهت إجراءات إنشاء هذه البيوت في وقت قياسي، وتم نقل الناس إليها، الذين ابتهجوا فرحاً وسعادة لهذه المكرمة، حيث تسلموا مساكنهم مفروشة ومجهزة بكافة الاحتياجات، وقام المغفور له بزيارتهم وتفقد أحوالهم، للاطمئنان عليهم».

الناس سواسية

وبعد 6 سنوات نقلهم إلى بيوت جديدة، موجهاً العاملين لديه بصرف تعويض قدرة 100 ألف درهم لكل صاحب منزل، وبعد عامين تم نقل باقي القبائل إلى بيوت أخرى جديدة، حينها تم إعطاء الأهالي 150 ألفاً كتعويض لهم، وعندما علم الشيخ زايد قال: «الناس عندي سواسية، أعطوا 50 ألفاً أخرى للقبائل التي عوضت منذ عامين بمبلغ 100 ألف ليرتفع إجمالي مبلغ التعويض إلى 150 ألف درهم أسوة بأقرانهم».

وقال: «تمكن الشيخ زايد من أن يؤسس مدرسة نموذجية في سلوكه وطباعه وعاداته اليومية، فكان، رحمه الله، ينهض مبكراً فيؤدي صلاة الفجر، ثم يجتمع بالقبائل ويتناول الإفطار معهم، ليباشر بعدها مناقشتهم في الأمور السياسية وأحوالهم المعيشية، متفقداً مريضهم ومقدماً يد العون والمساعدة لفقيرهم».

وتابع: «لا شك أن لكل زمان ومكان رجال يعملون على صناعة وكتابة تاريخ أوطانهم ومجتمعاتهم، يرسخون بأعمالهم وإنجازاتهم حضارة خالدة للأجيال، والمغفور له الشيخ زايد أحد كُتاب تاريخ المنطقة والعالم، لكون الله تعالى وهبه شخصية فذة، اتسمت بالشجاعة وبعد النظر على المستوى العربي والعالمي».

كان المغفور له عند تقلده مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي يعمل في عدة مجالات، منها رعاية الإنسان، وتطوير البنية التحتية، فضلاً عن إيجاد الوسائل والحلول وإزالة المعوقات عن التنمية الزراعية، وفي نفس الوقت بدأ بالإنسان لأنه البذرة الحقيقية في البناء، واليوم نرى أن غراس زايد قد أثمرت وأن مجتمع الإمارات من أفضل المجتمعات العالمية تواصلاً وقدرة على التفاعل مع الآخرين، وهذه كلها مورثات حميدة توارثناها من القائد الذي عودنا على ترك أبوابه مفتوح أمام الناس.

اهتمام بالزراعة

وقال: «زايد يعتبر تجربة فريدة في التاريخ الحديث للمنطقة، حيث برز على المستوى العربي والإقليمي ونال العديد من الأوسمة والجوائز في كافة المجالات الإنسانية والخيرية والاجتماعية، وفي مجال الزراعة اهتم المغفور له بزراعة المسطحات الخضراء، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وتوزيع المزارع على المواطنين وإعطاء كل مزارع 100 نخلة، حيث كان الشيخ زايد يرد جملة (أعطوني زراعة أعطيكم حضارة، فوالله لو أن كفي يُزرع لزرعته)، وذلك إيماناً منه بأهمية الزراعة».

وتطرق المزروعي إلى عدد من المواقف التي ترسخ جهود المغفور له في الدفاع عن حقوق المواطن أمام جميع المحاولات التي تستهدف الإضرار بحقوقه، وقال: «مع بداية النهضة الحضارية لدولة الإمارات توافد عدد من التجار إلى أبوظبي طالبين السماح لهم ببناء عدد من المجمعات التجارية والمحال، فأجابهم الشيخ زايد حينها: (لا مانع لدي، لكن يضع كل واحد منكم 150 مواطناً معه في المشروع ويكون لهم نسبة من الربح، حيث لا يمكن أن يتميز شخص بكل شيء ويترك المواطن من دون دعم)».

مأرب

وقال: «أثناء زيارة المغفور له الشيخ زايد إلى اليمن استفسر من أحد المسؤولين عن أسباب عدم إعادة بناء سد مأرب، وكان حينها قد سبق وأن زار السد عدد من الحكام العرب ولم يفكّروا في إعادة بنائه، وعزا المسؤول السبب في ذلك إلى قلة الإمكانيات المادية، ليأمر الشيخ زايد بإعادة بناء السد على نفقته الخاصة».

وحول أول زيارة أجراها الشيخ زايد إلى منزله في أبوظبي قال المزروعي: «في عام 1985 وعندما كان الشيخ زايد مسافراً إلى باكستان، نظر إليّ وكان قبل ذلك قد أمر بتخصيص مسكن جديد لي انتقلت إليه برفقة أفراد أسرتي، وإذا به يقول لي حينها بالمطار: (يا مزروعي أنت بخيل.. لماذا لا تعزمني.. سكنت في البيت ولم تعزمنا!)، فقلت له أبشر.. فعندما تعود بالسلامة إلى الوطن سيكون الشرف لي أن أستقبلك في منزلي».

وتابع: «وعند عودته من رحلة السفر تشرفت بحضوره برفقة أبنائه إلى منزلي المتواضع، حيث تناولنا جميعاً وجبة الغداء، بعد ذلك دعا جميع أبنائي الصغار لمجالسته، وتبادل الحديث معهم وأخذ الصور التذكارية»، مضيفاً: «كانت زيارته شرفاً كبيراً لنا ووساماً على صدورنا، حيث إن هذا القائد غرس في أنفسنا كل مشاعر المحبة والمودة والولاء».

أما الزيارة الثانية للشيخ زايد إلى منزلي فكانت في عام 1990، حيث قمنا بدعوته لزيارتنا، وقام حينها المغفور له بتلبية الدعوة والحضور إلى منزلنا للمرة الثانية، إذ تناولنا سوياً وجبة الغداء، موضحاً أن زيارة المغفور له كان لها الأثر الكبير بين جميع أفراد الأسرة.

حياة كريمة

وأما فيما يخص حرص الشيخ زايد على توفير كافة مقومات الحياة الكريمة للمواطنين، فقد استشهد عيد المزروعي بإحدى المقابلات الصحفية التي أجريت مع المغفور له، وقال: «في أحد الأيام توجّه أحد الصحفيين البريطانيين بسؤال إلى الشيخ زايد قال فيه: أنت ترفّه شعبك وتعطيه الكثير أليس ذلك يعلمهم الكسل.. فقال له الشيخ زايد: هل عندك أولاد؟ فأجاب الصحفي نعم، فقال له: فأين يعيش أولادك؟ فأجاب الصحفي: معي في المنزل، فقال له الشيخ زايد: هؤلاء كلهم أولادي يعيشون معي في البيت فهل أتركهم».

وشدد عيد المزروعي على أن بذرة الخير والعطاء دائماً تنبت خيراً، وهو ما تجلى في سيرِ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات على خطى المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لترسخ دولة الإمارات دورها الحضاري والإنساني وتصبح نبراساً يحتذى به، إذ انعكست إنجازاتها على الوطن ومواطنيه في أوجه الحياة كافة، عدالة وأمناً وصحة وتعليماً.

وأفاد عيد المزروعي: «نعيش اليوم مكرمات متواصلة من قيادتنا الرشيدة التي تعتبر ثمرة عطاء وحب زايد لأبنائه المواطنين، والكلمات عن المغفور له، بإذن الله، مهما كثرت فلن تعبر عمّا يدور في مشاعرنا تجاهه، لكنها كلمات تنبع من القلب لابن من أبناء زايد ولرجل تعلّم في مدرسة زايد عن قرب، وأعتقد أنه كان قائداً فذاً وهبه الله تعالى الحكمة والقدرة والصبر حتى تمكن من أن يتخطى كل المشاكل والعقبات».

2018

أكد عيد بخيت مسلم المزروعي أن اختيار عام 2018 ليكون «عام زايد» يجسد المكانة الاستثنائية والفريدة التي يمثلها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، لدى كل إماراتي، فهو القائد المؤسس لدولة الاتحاد وواضع أسس النهضة العصرية التي تشهدها دولة الإمارات على المستويات كافة، وهو رمز الحكمة والخير والعطاء على المستويين العربي والدولي.

الأكثر مشاركة