لعب القصيد عموماً، والشعر الصادر خاصة عن شعراء حقيقيين، يتبنون رسائل إصلاحية، وينفعلون بقضايا مجتمعاتهم وشعوبهم، دوراً محورياً في التغيير نحو أفضل صور الحياة والارتقاء بأقوامهم إلى قمم الفلاح والنصر، حيث إن موهبة التعبير الفني لا تقتصر عندهم على هوى النفس واستعراض مكنونانتها وهواجسها الضيقة.
ولطالما عبأ الشعر العربي نفوس الناس بقيم الاستنارة ودعاهم صادقاً إلى تبني أسباب النماء وتوحيد الكلمة باتجاه العزة والمجد، وطالما راجت تلك الأبيات التي روجت لهذه المفاهيم والمرامي فانتشرت بين الناس، خاصة المتنورين منهم فكانوا رواداً هداة إلى خير المجتمع.
ومن بين دعاة الإصلاح الاجتماعي الشاعر المصري علي الجارم المولود عام 1881 والمتوفى عام 1949م الذي كان حجة في اللغة العربية، وفارساً أبياً من فرسانها، رغم أنه درس في بريطانيا وكان عضواً في مجمع اللغة العربية، ففي إحدى روائعه الشعرية تقدم برسالة نصح صادقة صادرة عن فؤاد أب حنون يريد الخير لابنته، ومن خلالها يرسل الفكرة إلى كل الفتيات العربيات اللائي افتتن بأسلوب المرأة الغربية في حياة التحرر من القيم الفضلى والاحتشام، طالباً الربط بين المظهر والمخبر باعتبار أن الثياب إنما هي رسائل موجهة للمجتمع برمته، تحمل مكنونات وقناعات من يرتدي.
إن الثياب، بأطوالها وألوانها وتصاميمها ليست قضية شخصية، وإنما هي رسائل حقيقية وجادة تدل على مضمون ومعان يستهدفها صاحبها ويقصد إيصالها إلى مستقبل، مادام قد خرج بها إلى العلن. ووراء كل ثوب قصة وهدف وحزمة قيم أفكار، وإلا فالمرتدي لا يدري قيمة الأثواب، ولذلك جاءت رسالة الشاعر صريحة في وصف التبرج باعتباره تنصلاً من جمال النفوس.
ولهاثاً وراء جمال مصطنع زائف سرعان ما يذوي وينكشف بؤسه، وهذا ما لا يريده الجارم لابنته الأثيرة إلى نفسه ولا لغيرها من أخواتها البنات الكريمات فيقول:
يا ابنتـي إِن أَرَدْتِ آيـةَ حُسْـنٍ
وجمـالاً يزيـنُ جِسمـاً وعقـلا
فانبـذي عـادَةَ التَّبَـرُّجِ نـبـذاً
فجَمالُ النفـوسِ أَسمـى وأَغلـى
يصنع الصانعـون ورداً ولكـن
وردة الروض ِ لا تضارع شكلاً
صبغة اللهِ صبغةٌ تبهـرُ النـفــسَ،
تعالى الإِلـهُ عـزَّ وجَـلَّا
ثم كوني كالشمـسِ تسطـعُ للنـاسِ
سواءٌ: من عَـزّ منهـم وذَلاَّ
فامنحي المثريـات لينـاً ولطفاً
وامنحي البائسات بـراً وفضـلاً
زينةُ الوَجْهِ أن ترى العيـنُ فيـه
شرفـاً يسحـرُ العيـونَ ونُبْـلا
واجْعَلِي شيمـةَ الحيـاءِ خِمـاراً
فهـو بالغـادةِ الكريمـةِ أَولـى
ليسَ للبنـتِ فـي السعـادةِ حـظٌّ
إن تناءى الحَيـاءُ عنهـا ووَلَّـى
والبسِي من عفافِ نفسِـك ثوبـاً
كلُّ ثـوبٍ سـواهُ يفنـى ويَبْلـى
وإِذا ما رأيـتِ بُؤْسـاً فجُـودي
بدموعِ الإحسان يَهْطُلْـنَ هطـلا
فدموعُ الإِحسانِ أنضرُ في الخـدِّ
وأبهـى مـن اللآلـي وَأَغْـلَـى
وانظري في الضميرِ إِن شِئْتِ
مرآةً ففيـه تبـدو النفـوسُ وتجلـى
ذاك نصحي إلى فتاتـي وسُؤْلـي
وابنتـي لا تـرد لـلأب سُـؤْلا