«الكوثر».. هي من الكلمات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وتحديداً في سورة الكوثر وبعض الآيات الأخرى، ويبدو أن الكوثر من الجوائز العظيمة التي سيظفر بها المسلم عند دخوله الجنة. هناك عطاء إلهي يليق بكرامة الإنسان، وهناك عطاء ماديّ يعطيه الله لكل مخلوقاته، فالذي يحبهم يعطيهم الإيمان، والصلة به، فأعطى حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، تكريماً له وتشريفاً، الحوض الكــوثر، يقـول تعالى «إنــا أعطيناك الكـوثر».
فالمعطي هو الله والعطاء على قدر المعطي، فهو ملك الملوك، فما الكــوثر؟ هو حوض عظيم، يوضع في أرض المحشر يوم القيامة، يشرب منه صلى الله عليه وسلم هو وأمته، سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكوثر، فقال «ذاك نهر أعطاني إياه ربي»، وفي رواية، قال «إنه نهر وعدني به ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم».
مصدر جريانه
يصب فيه ميزابين يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من فضة، فماء حوض الكـوثر من نهر في الجــنة، يسمــى بنـهر الكـوثر، فلذا سمي هذا الحوض باسم النهر الذي يأتي الماء منه، وعرضه وطوله وزواياه سواء، من أيله وهي بلد في الشام، إلى صنعاء في اليمن. أما جدرانه وأرضيته، حافتا ذلك الحوض من الذهب، ومجراه على الدر والياقوت، ترابه المسك، وحصباؤه اللؤلؤ. عدد أوانيه وأباريقه أكثر من عدد نجوم السماء، وخصائص وصفات المياه فيه، أطيب رائحة من المسك، ولونه أبيض من الثلج واللبن، وطعمه أحلى من العسل، وأثر الشرب كبير، بدليل «من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً»، ذلك حسب ما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم.
موقعه
في ما يتعلق بموقع الحوض، اختلف فيه، منهم من قال إنه يكون بعد الصراط، ومنهم من يقول إنه يكون قبل الصراط، ويعتبر فقراء المهاجرين هم أول الناس وروداً عليه. أما الذين يمنعون من شــربه، فليس كل من انتمى إلى الأمة المحمدية سينال نعمة وشرف الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يده الشريفة، بل هناك رجال من هذه الأمة يأتون إلى الحـوض، فتذودهم، أي تبعدهم، الملائكة عنه، فيقول صلى الله عليه وسلم «إنهم من أمتي»، فيقال له «إنك لا تدري ما أحدثوا بعــدك»، وفي رواية «إنك لا تدري ما عملوا بعدك»، فهم الذين بدلوا وغيروا في دين الله.
فلذا على العبد أن يجتهد في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفته في أي شيء من هديه، رجاء أن يمنّ الله عليه بالشرب من هذا الحوض المبارك، وإلاّ فأيّ خزي وندامة، أشد من خزي وندامة من يدفع من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ به العطش مبلغاً لا يطاق ولا يحتمل، فيمنع من الشرب من ذلك الماء البارد الطيب، فحري بالمسلم الاجتهاد في الدين، والتضرع إلى الله وحده، ودعوته بسقيانا من حوض نبيه من كفه شربة لا نظمأ بعدها أبداً.