قال الله تعالى: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين) البقرة: 26، فالبعوضة مخلوق صغير ضعيف، لكنها آية من آيات الله عز وجل لها مائة عين وثلاثة قلوب ويضم فمها ثمانية وأربعين سناً.

ولها ستة سكاكين في خرطومها وثلاثة أجنحة في كل طرف ومجهزة بجهاز تخديري لغرز الإبرة دون أن يحس الإنسان، كما أنها مزودة بجهاز حراري يعمل مثل نظام الأشعة تحت الحمراء يعكس لون الجلد في الظلمة، ومزودة أيضا بجهاز تحليل الدم والشم من مسافات بعيدة، وهذا المخلوق الصغير في حجمه، دليل على الخالق العظيم وعظيم قدرته وقوته، وجاء تذكير الله سبحانه به لنعلم آية خلقه وبديع صنعه.

ولقد حصل رونالد روس عالم الجراثيم عام 1902م على جائزة نوبل للعلوم لأنه درس نوعاً من أنواع البعوض وهي (أنوبوليس) واكتشف أنها السبب في نقل مرض الملاريا الذي يفتك بمئات الآلاف من الناس كل عام، ألا يستحق هذا المخلوق العجيب أن يضرب الله به المثل؟ وفي العصر الحديث أقيمت معاهد ومخابر في كافة أنحاء العالم لدراسة البعوضة، ونقلها للأمراض.

قوة البعوضة

البعوضة هي الحامل الرئيسي للحمى الصفراء، وتفشي المرض في البشر، وقد مات بسبب هذا المرض الملايين، إذ تقوم إناث البعوض بمص دم الإنسان، أما الذكور فإنها تتغذى على النباتات، ولعل الحكمة في ذلك ظاهرة في قوله سبحانه (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها...) و لم يقل بعوضاً أو البعوض، وقد تحدث البعوضة ثقباً في جسم الإنسان، وهذا الثقب سرعان ما يتعرض للانسداد، لكنها مزودة بمادة تفرزها تميع الدم وتمنع تخثره، والسؤال كيف تعلم البعوضة أن لديها كل هذه الوسائل والإمكانات، والأجهزة والأدوات؟ فالذي خلق الإنسان خلق هذه البعوضة.

كيفية الإصابة بمرض الملاريا؟

يدخل الحيوان الصغير الحجم في معدة البعوضة، لا يرى بالعين المجردة، ويتكاثر داخل البعوضة وتنشأ الملايين، لكنها لا تصيب البعوضة بأذى، وصدق الله العظيم القائل: (ولله جند السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً) الفتح: 7، ويقول (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) المدثر: 31.

يتواجد البعوض في أنحاء العالم ما عدا القطبين ولا تتواجد على ارتفاع 5500م ولا على انخفاض 1250م ولها أربعة وثلاثون جنسا و3100 فصيل، ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى البعوضة فسخر المرتابون والكافرون من ذلك، ثم تبين أن البعوضة أخطر حشرة على وجه الأرض، إذ يستطيع البعوض معرفة مكان الإنسان من خلال زفيره فلقد زوده الله سبحانه وتعالى بتقنيات يستطيع بها التقاط غاز الكربون الذي يزفره الإنسان، ويحلل كميته ومصدرها، بل يؤكد العلماء أن لديها قدرات تتفوق على أعقد الأجهزة الحديثة التي صنعها البشر! فسبحان الله العظيم.

وقد ذكر المفسرون سببين لإيراد هذا المثل إذ قال الحسن وقتادة "لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود، وقالوا ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله الآية"، وعن ابن عباس وابن مسعود "لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً...) قال المنافقون: الله أعلى و أجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة...).

ويتضح من النصوص أن هذا المثل إنما جاء تقريباً وتوبيخاً لهؤلاء الذين يشككون في القرآن حينما يضرب الأمثال بالمخلوقات الصغيرة، ويترك المثل بالحيوانات الكبيرة كالجمل والحصان، وربما لم يعرف الناس ما لهذا المخلوق من أثر وعجيب صنع إلا في العصر الحديث، حيث اكتشف العلم دقيق صنع الله في هذا المخلوق العجيب بعد انتشار المخابر والمجاهر وعلم التشريح، والله سبحانه الخالق للصغير والكبير، وهو العالم بأسرار الخلق جميعاً، وحين ضرب المثل بالبعوض علمنا الآن قيمة المثل وأثره، والعبرة بالمثل لا بحجم الممثل به وأهل الإيمان هم دائماً أهل التسليم والتصديق لله ورسوله.