تعد الحيتان من الثدييات، وهي من أكبر المخلوقات على الأرض وأقواها، فالحوت الأزرق قد يصل طوله إلى ثلاثين متراً، وقد يبلغ وزنه مئتا طن، والحيتان تعيش في البحار والمحيطات، وتلد فيها، وبعض أنواعها صغيرة الحجم تعيش في المياه العذبة (الأنهار)، والحيتان تتنفس عن طريق الرئة، وتخرج الهواء المستهلك عن طريق بخّه إلى الأعلى، ويكون ذلك عادة مصحوباً برذاذ الماء والبخار، فيرتفع لعدة أمتار.
خمسة مواضع
وتنقسم الحيتان إلى صنفين رئيسيين: الحيتان المسننة (ذات الأسنان)، والحيتان البلّينية التي لا أسنان لها، ويتوقع أن حوت يونس كان من هذه الحيتان البلّينية، ومنها الحوت الأزرق الذي يعتبر أضخم حيوان على وجه الأرض فيما نعرف.
وقد ورد ذكر الحوت في القرآن الكريم في خمسة مواضع، في سورة الأعراف الآية 163 في قصة أهل القرية حاضرة البحر الذين حرم عليهم الصيد في يوم السبت، ذكر بالجمع (حيتان).
وذكر بالإفراد (الحوت) في سورة الكهف في الآيتين (61، 63) في قصة موسى وفتاه إذ ذهب لملاقاة الخضر.
وفي سورة الصافات (142)، والقلم (48) في قصة صاحب الحوت يونس عليه السلام.
وعلى ذلك فقد ذكر (الحوت) في ثلاث قصص مهمة من قصص القرآن الكريم، فيها من الآيات والعبر والحكم ما ينبغي للإنسان أن يتأمله.
أصحاب السبت
القصة الأولى: قصة أصحاب السبت من أسلاف اليهود الذين كانوا يسكنون القرية حاضرة البحر (أيلة)، الذين أخذ عليهم العهد والميثاق ألا يصطادوا في يوم السبت، ثم ابتلاهم الله تعالى (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ)، فتظهر لهم الحيتان في يوم السبت على سطح الماء، لا تحتاج في صيدها إلى كبير عناء، وتختفي عنهم بقية الأيام، فتعدى بعضهم واستعمل أنواع الحيلة على أوامر الشرع، فحفروا الأحواض لتناسب إليها الحيتان في يوم السبت، وتحبس فيها، ليلتقطوها بعده، فاعتدى ذلك الفريق على حدود الله، فوعظهم فريق من أهل القرية ونصحوهم، ووقف فريق ثالث موقفاً سلبياً، فنجى الله تعالى من نهى عن السوء والمنكر، وأهلك الظالمين، وهكذا الحال في كل أمة شاع فيها الفساد، والحوت في هذه القصة هو الرزق المطلوب والخير المرغوب الذي جعله الله ابتلاء لهؤلاء الناس.
قصة موسى
القصة الثانية: قصة موسى وفتاه (يوشع بن نون)، إذ انطلقا كي يبلغ موسى مجمع البحرين حتى يقابل العبد الصالح (الخضر)، الذي علم من الله أنه على علمٍ ليس عند موسى، فرحل موسى ليتعلم منه، وكان معهما من الطعام الحوت، يحمله فتى موسى في مكتل، فلما بلغا مجمعاً بين البحرين، نسي الفتى الحوت، فاتخذ سبيله في البحر عجباً، وبعد أن جاوزا المكان طلب موسى الغداء فأخبره الفتى بخبر الحوت، فعلم أن ذلك هو المكان المطلوب الذي سيجد عنده الخضر، وأن ما حدث من الحوت وانسيابه إلى البحر ما هو إلا علامة، فرجع موسى، وقابل الخضر، وكان من حديثهما ما سجله القرآن في سورة الكهف.
الفلك المشحون
القصة الثالثة: قصة سيدنا يونس عليه السلام، إذ غضب من قومه فتركهم بلا إذن من الله، وركب الفلك المشحون (الممتلئ)، وكانت عادتهم إذا هبت الريح وثقلت الأوزان واحتاجوا إلى تخفيف حمل الفلك، أن يستهموا، فأيهم خرج عليه السهم رموه في البحر، فاستهموا فخرج السهم على يونس عليه السلام ثلاث مرات، فألقوه في البحر فالتقمه الحوت التقاماً، أي ابتلعه، فكان من المسبحين لله تعالى.
وقد ذكر يونس عليه السلام في القرآن الكريم أربع مرات باسمه، وذكر بوصفه مرتين: في سورة الأنبياء (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) [الآية 87]، و(النون) هو الحوت، وفي سورة القلم (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) [الآية 48].
فانظر لأهمية الحوت في هذه القصة، حتى سمي يونس عليه السلام بـ(ذا النون) و(صاحب الحوت).
وما أعظم ثبات هذا النبي الكريم وإيمانه وتسبيحه: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
وقد ورد أن هذا التسبيح هو اسم الله الأعظم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له بها«. رواه الترمذي والحاكم. وزاده الله كرامة فآمن قومه وقبلهم الله، قال تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)، والمئة ألف أكبر عدد ذكر في كتاب الله تعالى.