شجرة باسقة، لها ارتباط خاص بالإنسان، راسخة رسوخ الجبال، شامخة شموخ الأبطال، قوامها ممشوق، وعذوقها دانية، يهواها من يراها ويحبها أصحابها ويعشقها جيرانها، لا يتساقط ورقها..

ولا يفسد نتاجها، شكلها فريد، وطلعها نضيد، وطعمها لذيذ، وثمرها مفيد، هي النخلة، الشجرة الطيبة كما ضرب بها المثل في القرآن العظيم، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم : 24]، وذلك لرسوخ أصلها، وامتداد فروعها إلى السماء، وهي فوق ذلك جميلة المنظر، حسنة المخبر، كثيرة الثمر، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

النخلة في القرآن

كما ورد ذكر النخلة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، فذكرت بصيغة المفرد (النخلة) في موضعين:

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم : 23]

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم : 25]

وذكرت بصيغة المفرد بلفظ (لينة) في موضع واحد:

{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر : 5]

وذكرت بصيغة اسم الجنس الجمعي الذي يفيد العموم (نخل) في (11) موضعاً في القرآن الكريم، كما ذكرت بصيغة الجمع الأخرى بلفظ (النخيل) في (7) آيات.

النخلة في الحديث الشريف

ورد ذكر النخلة في مواضع كثيرة جداً في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفها بالبركة وشبه بركتها ببركة المسلم، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: كنا عند رسول الله فقال: »أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلاَ وَلاَ وَلاَ، تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ«.

قال ابن عمر: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، قال رسول الله : »هِيَ النَّخْلَةُ«. فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَبَتَاهُ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ عُمَرُ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. [أخرجه البخاري].

ومن بركة النخل أنه يمكن إعادة استخدامه وتدويره، ويستفاد من كل جزء منه؛ من الجذوع، والخوص، والسعف، والجريد، والشوك، والتليل، والكرب، والشماريخ، والليف، وغيرها.

وقد استخدمت النخلة في بناء مسجد النبي ، فكانت أعمدة المسجد وسواريه من جذوع النخل، وتم تظليل السقف بجريد النخل، واستمر الأمر على ذلك إلى خلافة عثمان رضي الله عنه.

وارتبطت النخلة بالمسلمين عبر سنة النبي في تحنيك المولود، وفي السحور والإفطار في رمضان، وفي العيد، والصدقة وزكاة الفطر، وغير ذلك.

الفوائد الغذائية والطبية للتمر

يعتبر التمر أقرب ما يكون إلى الغذاء الكامل المتكامل، فله فوائد غذائية وصحية كثيرة، وقد أخبر النبي عن الأهمية الغذائية للتمر، فقال لزوجه الحبيبة عَائِشَةَ رضي الله عنها: »يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ«. قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. [رواه مسلم].

كما أخبر النبي عن الفوائد الطبية للتمر، وخاصة عجوة المدينة، واحتوائها على مضادات للسموم والأكسدة، فقال : »مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ« [أخرجه البخاري].

النخلة في الشعر العربي

وذكرت النخلة في الشعر العربي حيث قال أبو العلاء المعري:

وردنا ماءَ دجلةَ خيرَ ماءٍ

وزنا أكرمَ الشجرِ النخيلا

وقال الأمير الأندلسي عبد الرحمن الداخل:

تبدَّتْ لنا وسط الرُّصافةِ نخلةٌ

تناءتْ بأرض الغربِ عن بلدِ النخلِ

فقلت شبيهي في التغرب

والنوى وطول التنائي عن بنيَّ وعن أهلي

نشأتِ بأرض أنت فيها غريبة

فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي