بني جامع الزيتونة في تونس عام 116 هجري على يد عبدالله بن الحبحاب والي هشام بن عبد الملك على افريقيا، وهو الثاني بعد جامع عقبة بن نافع بالقيروان، في حين تؤكد مصادر اخرى ان بناء الجامع يعود الى عام 79 هجرية، وينسب الى حسان بن النعمان فاتح تونس وافريقيا، وهو الاقرب الى الحقيقة. ويمثل تحفة معمارية على مساحة جملية تقدر بـ 5 الآف متر مربع، تتميز ببيت الصلاة بمساحة 1344 مترا مربعا، وتقع في شكل مربع غير منتظم معمدة تحتوي على 15 مسبكة وسبع بلاطات عريضة، ولها سقوف منبسطة، كما يوجد صحن بدون اروقة تسيّجه جدران مدعمة في الركنين ببرجين.

اما قبة المحراب فتتميز بزخرفة كاملة للمساحة الظاهرة في الطوابق الثلاثة بزخارف دقيقة تمثل جمال واصالة العمارة الاسلامية في عصورها الاولى. ومنذ بنائه الاول شهد جامع الزيتونة توسيعات وتحسينات و ترميمات بدءا من العهد الاغلبي، ووصولا الى دولة الاستقلال، وكان قد اتخذ في القرن الثامن للهجرة شكل المؤسسة الجامعية ذات القوانين والنواميس والعادات والتقاليد والمناهج والشهادات الاكاديمية، وتم ادخال بعض العلوم الصحيحة على برامجه بفضل اجتهاد اساتذته و شيوخه وطلبته في ظل الاستعمار الفرنسي.

وعن اسمه يقول المؤرخون انه جاء من شجرة زيتون كانت موجودة في المكان الذي بني فيه الجامع فسموه بها، لم يكن المعمار وجماليته الاستثناء الوحيد الذي تمتّع به، بل شكّل دوره الحضاري والعلمي الريادة عربيا وإسلاميا، إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس. ولعب دورا طليعيا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب، وفي رحابه تأسست أول مدرسة فكرية بإفريقيا ومن أبرز رموزها علي بن زياد مؤسسها وأسد بن الفرات، والامام سحنون صاحب المدوّنة التي رتبت المذهب المالكي وقننته.

واشتهرت الجامعة الزيتونية في العهد الحفصي بالفقيه المفسّر والمحدّث محمد بن عرفة التونسي صاحب المصنّفات العديدة والعلامة عبد الرحمن ابن خلدون التونسي مؤسس علم الاجتماع، والجامع عرف نكسة كبرى عندما دخله الجيش الاسباني في 1573، فيما يعرف بموقعة الجمعة، واستولوا على مخطوطاته، ونقلوا عدد ا منها إلى إسبانيا وإلى مكتبة البابا.

وكان الزيتونة جامعا وجامعة تخرج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء ورجال الدين والسياسة والفكر والادب، من بينهم المؤرخ وعالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون، والفقيه ابن عرفة، والتيجاني، وابو الحسن الشاذلي المتصوف صاحب الطريقة الشاذلية، والعلامة محمد الخضر حسين شيخ الازهر.