نجحت البنية التحتية الرقمية في الإمارات هذا العام بلعب دورها كرافعة رئيسية للاقتصاد الوطني، ليس من حيث ضمان استمرارية عمل كل القطاعات الحيوية بكفاءة خلال أزمة «كوفيد 19» فحسب، بل أيضاً من خلال وضع منظومة رقمية متكاملة في متناول كل الشركات للدخول إلى مستقبل يقوم على اقتصاد المعرفة مدعوماً بالتكنولوجيا الحديثة، الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، لتثبت للعالم أن التحول الرقمي لم يعد ترفاً أو خياراً، بل ضرورة حتمية فرضها التطور البشري في مجالات التكنولوجيا الرقمية، واحتياج الإنسان دائماً إلى بلوغ ما هو أفضل.

وتمكنت الدولة بفضل هذه البنية التحتية الرقمية وحرص قيادتها على الاستثمار في تقنية الاتصالات والمعلومات من توفير كل ما يلزم لحوالي 80% من العاملين في القطاعين العام والخاص ليتمكنوا من العمل عن بُعد، منذ بداية الجائحة، لتضمن بذلك استمرارية الأعمال من جهة، والمساهمة في الحد من انتشار الفيروس من جهة أخرى.

وسارعت الشركات منذ بداية العام في ضخ الاستثمارات ودمج التكنولوجيا في استراتيجياتها، وهو ما أصبح أمراً حتمياً لاستمرارية أعمالها في زمن ما بعد «كورونا»، حيث قام 40% من الشركات في الإمارات بالفعل بنقل حوالي 20% من أنشطتها إلى السحابة، في مؤشر على جدية خططها الخاصة بالتحول الرقمي، فيما يتوقع خبراء أن يساعد التحول الرقمي المتسارع، الشركات على استهداف أسواق جديدة، وإنشاء قنوات تفاعل نشطة مع العملاء، فضلاً عن تبسيط عمليات الإنتاج خلال العام المقبل.

مراتب متقدمة

وبالرغم من التحديات الجمة التي واجهتها اقتصادات العالم بأسره، سُلّطت الأَضواء على قوة البنية التحتية الرقمية التي يقودها قطاع تقنية الاتصالات والمعلومات يدعمها في ذلك تاريخ يزخر بعقود من الخبرات التراكمية، تمكنت من تأسيس ثقافة تقوم على الاستثمار والريادة والابتكار وصنع المستقبل فأثمرت شركات محلية نمت وتطورت حتى بلغت العالمية.

وفي 2020، استمرت الإمارات في تحقيق مراتب متقدمة في مؤشرات الأمم المتحدة الخاصة بالتحول الرقمي والحكومات الرقمية، حيث حققت الدولة المركز السابع عالمياً في البنية التحتية للاتصالات والمركز الثامن عالمياً في مؤشر الخدمات الرقمية، فيما حققت المركز السادس عشر في مؤشر المشاركة الرقمية بعدما كانت في المركز 17 في الدورة السابقة للمؤشر 2018.

كما بدأت شركات التكنولوجيا العالمية الاستعداد ووضع خطط مستقبلية لتتخذ الإمارات مقراً إقليمياً، كي تستفيد من البنية التحتية والبيئة الرقمية المتطورة. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على جاهزية الدولة من حيث البيئة الرقمية الشاملة والمتكاملة والتي تدعم مختلف الأنشطة الاقتصادية حاضراً ومستقبلاً.

حكومة رقمية

واستحدثت حكومة الإمارات في يوليو الماضي منصب رئيس الحكومة الرقمية والذي تولى مهامها حمد عبيد المنصوري مدير عام الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات، في خطوة تعبر عن إدراك وفهم كامل لما يحدث من متغيرات كبيرة في العالم، ويمثل قراءة حكيمة وبُعد نظر للمتغيرات المتسارعة في عالمنا الرقمي أكثر من أي وقت مضى.

وأجمع خبراء أن معاهدة السلام التي عُقدت بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر الماضي تفتح فرصاً غير مسبوقة وفورية للتعاون التقني بين الدولتين في 10 مجالات حيوية على الأقل ودعمها بالتكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية وتفتح نوافذ رئيسية لتبادل الخبرات العلمية مع الإمارات وفي مختلف مجالات التكنولوجيا الفائقة (HiTech)، بما في ذلك الزراعة والسياحة والعقارات والأغذية والتجارة والمصارف وغيرها.

وفي نوفمبر الماضي، كشفت أبوظبي عن معهد الابتكار التكنولوجي، والذي سيكون له دور فاعل في تعزيز مكانة أبوظبي والإمارات مركزاً عالمياً لأبحاث التكنولوجيا المتطورة، ويضم المعهد تحت مظلته 7 مراكز بحثية متخصصة في مجالات الروبوتات الكمومية والمستقلة والتشفير والمواد المتقدمة والأمن الرقمي والطاقة الموجهة والأنظمة الآمنة.

ويعمل المعهد على أكثر من 25 مشروعاً تعاونياً طويل الأجل عن طريق شراكات مع أكثر من 20 جامعة عالمية رائدة. وسيتمتع المعهد بالمرونة الكافية لتحقيق تقدم سريع في الأبحاث، حيث يمتلك خارطة طريق بحثية محددة وتمويلاً بحثياً مكرساً طويل الأجل.

تجارة إلكترونية

وأدت أزمة «كوفيد 19» إلى ارتفاع كبير في حجم التجارة الإلكترونية بالإمارات، كما ازداد عدد التجار الراغبين في تطوير إمكانات تجارتهم الإلكترونية، بأكثر من 3 آلاف تاجر خلال الفترة من فبراير إلى مايو الماضي، وفقاً لتحليل «البيان الاقتصادي» الذي كشف كذلك عن زيادة فاقت 300% في إقبال المستهلكين على التسوق الإلكتروني خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وتتصدر الإمارات حالياً قطاع التجارة الإلكترونية في منطقة الخليج، من حيث توافر منصات التسوق الرقمي، وحجم التعاملات المالية السنوية.

تقنيات دفع حديثة

وشهدت المدفوعات الرقمية هذا العام إقبالاً كبيراً بين المستهلكين والتجار، واقتربت نسبة الدفع اللاتلامسي من 80% من إجمالي المدفوعات الرقمية، فيما عبّر 84% من سكان الإمارات تفضيلهم الدفع ببطاقات الائتمان على النقد وفق «فيزا». وهناك توقعات أن يصل حجم الدفع الإلكتروني عبر محافظ الدفع الرقمية في الهواتف الذكية في الدولة إلى 8.44 مليارات درهم بحلول 2022.

كما أكّد مختصون أن قرار مجلس الوزراء بإنشاء «شركة الاتحاد للمدفوعات الرقمية» في يونيو الماضي سيكون عنصراً جوهرياً وأساسياً على مستوى التحول الرقمي في الدولة من خلال تقليل الحاجة لحمل المحفظة وخفض من تكلفة الدفع الإلكتروني على البائع والمشتري، علاوة على إمكانية تجاوز أنظمة المدفوعات العالمية والتحكم بتسعير عمليات الدفع بما يناسب العملية التجارية.

وقال جياوي لو، الرئيس التنفيذي لشركة «هواوي» في الإمارات: شهدنا على مدار هذا العام تنامي دور تقنية المعلومات والاتصالات في الإمارات بشكل غير مسبوق، خصوصاً خلال فترة الجائحة، حيث ساهمت التقنيات الحديثة باستمرار العديد من الأنشطة كالتعليم والعمل عن بُعد والتواصل الاجتماعي بفضل تقنيات عصرية مثل المؤتمرات عبر الفيديو والحوسبة السحابية وغيرها.

تحفيز الشباب

قال جياوي لو، الرئيس التنفيذي لشركة «هواوي» في الإمارات: في ظل تطور البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات في الإمارات وزيادة الاعتماد على دمج عدد من التقنيات المتطورة كالجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مزيد من جهود تحفيز الشباب الإماراتيين على الاهتمام بالابتكار لمسايرة التطور التكنولوجي المتسارع من خلال تزويدهم بالمهارات التقنية والقدرات الرقمية التي تمكنهم من دفع عجلة التحول الرقمي في البلاد ودعم مسارات تحقيق الأهداف الوطنية بالاستفادة القصوى من التكنولوجيا.