الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد اللعبة في «وول ستريت»

ت + ت - الحجم الطبيعي

«تجار الدين» الصادر عام 1992، هو كتاب تأريخ نقدي لشركة الأسهم الخاصة «كيه كيه آر»، ويروي قصة من أوائل الثمانينيات، عن اللحظة التي اكتشف فيها أحد المسؤولين التنفيذيين في الشركة برنامج «فيزيكالك»، برنامج جداول البيانات الثوري، الذي قلب الأمور رأساً على عقب في «كيه كيه آر» وول ستريت بأكملها.

وكتب جورج آندرس عن الطريقة القديمة في ممارسة الأعمال أنه «لم يكن بوسع كيه كيه آر تعقب شركات عدة في الوقت نفسه، لأن مخططاتها المالية كانت تتطلب أسابيع من الحسابات اليدوية». لكن مع ظهور برنامج «فيزيكالك»، «فجأة، أصبح من الممكن تفكيك مالية الشركات العملاقة في فترة ما بعد الظهر».

وبعد برنامج فيزيكالك، ظهر لوتس 1-2-3، وبعدهما مايكروسوفت إكسل. وبالنسبة للمستثمرين مثل مارتن براند، الذي يدير مجموعة الاستحواذ بالرافعة المالية في الولايات المتحدة التابعة لشركة بلاكستون، فقد أصبح من الممكن إجراء تحليل للصفقة خلال التحدث على الهاتف مع المصرفي الذي يقدم العرض.

ولدى شركة بلاكستون فريق يضم العشرات من علماء البيانات والمهندسين، يعملون جنباً إلى جنب مع المستثمرين لتطوير أدوات أتمتة تخفف عبء عمليات المعالجة على الموظفين المبتدئين دون التضحية بالعمليات الحسابية الصارمة اللازمة لوضع مليارات الدولارات في العمل.

ومن بين هذه الأدوات «بي إكس أطلس»، وهو نموذج موحد للاستحواذ بالرافعة المالية (LBO) يمنح صانعي الصفقات في بلاكستون قراءة شبه فورية لمدى جدوى الصفقة، وما إذا كانت تستحق دراسة أكثر إسهاباً. ووصف براند ذلك بأنه «أمر مثير للإعجاب حقاً».

ورغم زيادة إمكانيات وميزات برامج جداول البيانات سنوياً، ظل المصرفيون والمستثمرون ممن هم في العشرينيات من العمر عالقين في كتابة الأرقام والمعادلات يدوياً في الخلايا، ثم ربطها وتنسيقها.

وقد يكون هذا العمل الشاق على وشك الانتهاء بفضل التقدم المزلزل في قوة الحواسيب. وأصبح السؤال التالي المثير للاهتمام، ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لعوائد الاستثمار، وسعادة الكادحين في وول ستريت، والمهارات اللازمة للجيل القادم من صناع المال.

ويحاول إيان غوتينسكي سد الفجوة بالنسبة للشركات التي تفتقر إلى مطورين تقنيين داخليين مثل بلاكستون. ويقدم خريج كلية هارفارد للأعمال عام 2021 والمستثمر السابق في الأسهم الخاصة برنامجاً لنمذجة الاستحواذ بالاستدانة المسمى «موزايك». وكما هو الحال مع نموذج «بي إكس أطلس» من بلاكستون، يمكن لـ«موزايك» حساب عوائد الاستثمار من خلال عدد قليل من المدخلات اليدوية السريعة.

كما يوفر موزايك تصورات مفيدة توضح ما إذا كانت العوائد ناجمة عن تحسينات في التشغيل، أو في الرافعة المالية وحدها. وتستغرق العملية برمتها دقائق. وفي هذا الصدد، يقول غوتوينسكي إن هذه النماذج الأولية لا تتسم بالسرعة فحسب، بل خالية من العيوب، ما يقلل احتمالية الأخطاء البشرية الشائعة، مثل إدخال أرقام أو روابط خاطئة. إضافة إلى ذلك، يمكن تنزيل موزايك على برنامج إكسل وإجراء مزيد من التعديلات من قبل الفريق المسؤول عن الصفقة عند الضرورة.

وللآن، تشمل قائمة عملاء غوتوينسكي شركات كبرى، مثل واربورغ بينكوس وسي في سي كابيتال. وأوضح مستخدم، رفض كشف هويته، أن الموظفين المبتدئين مكلفين بمسؤوليات يومية عديدة، بينها مراقبة الشركات الحالية، وذلك كان أفضل استغلال لوقتهم، مضيفاً «النمذجة أصبحت سلعة أساسية».

وقال ويليام ديرينغر، المؤرخ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ومصرفي استثماري سابق إن «أحد الأشياء المدهشة في قصة جداول البيانات خلال فترة الثمانينيات، خاصة بقطاع الأسهم الخاصة، هو أن جداول البيانات سمحت للممولين بإدراك الأشياء وتصورها بشكل مختلف». وأضاف: «أعتقد أنه من المرجح أن توفر أدوات الأتمتة الجديدة لتحليل البيانات المالية أشكالاً جديدة من الرؤى وسعة أفق على نحو مماثل».

وفي ورقة بحثية، أشار ديرينغر إلى مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز عام 1989 وثّقت النقلة الثقافية التي اجتاحت وول ستريت في بداية عصر «فيزيكالك». وجاء فيها «أصبحت المعرفة العملية بجداول البيانات على الحاسوب تحظى بأهمية أكبر من امتلاك ذوق رفيع أو العضوية في سكول آند بونز»، حيث تشير الأخيرة إلى جمعية سرية أرستقراطية في جامعة ييل.

في هذا الوقت من العام، ترحب البنوك الاستثمارية بدفعات المتدربين الجدد وتعلمهم أسس نمذجة جداول البيانات. والهدف الرئيس ليس مجرد فهم الآليات، ولكن تنمية التفكير النقدي والحدس ومهارات حل المشكلات.

وتاريخياً، كان إتقان مهارات برنامج إكسل هو العملة المطلوبة في هذا المجال لهؤلاء المتدربين الجدد. وقد تعني أدوات الصندوق الأسود الجديدة أن المهارات الفنية ستصبح قريباً أقل أهمية، بنفس الطريقة التي قد يحل بها مهندسو «أوامر الذكاء الاصطناعي» محل المبرمجين.

ولطالما كان هناك فجوة بين العناصر التي تجعل المساعد المبتدئ جيداً، وهي القدرة على المعالجة الأولية، وكبار المسؤولين التنفيذيين، وهي الحسم والنضج ولعب الجولف بمهارة. ومن الآن فصاعداً ستبدأ هذه الفجوة بالتضاؤل تدريجياً.

كلمات دالة:
  • FT
Email