بادرت إدارات مدرسية بوضع سلسلة خطط طموحة لرفع التحصيل الطلابي، بعد انقطاعهم عن الدراسة المباشرة لمدة عام ونصف العام، نتيجة جائحة «كوفيد 19»، التي أفرزت عن وجود ثغرات وفجوات تعليمية، كان أبرزها ضعف المهارات الكتابية نتيجة الاعتماد الكلي على الدروس «الأونلاين»، وضعف التواصل والتأخر الدراسي وخصوصاً في صفوف الحلقة الأولى ورياض الأطفال، وتراجع النشاط البدني للطلبة، وانطواء طلبة الحلقة الثانية والمرحلة الثانوية، وانعزالهم بسبب الألعاب الإلكترونية.

وعلى الرغم من وجود وسائل داعمة طوال مدة تنفيذ النظام التعليمي «التعلم عن بعد» إلا أن الصفوف الأولى ورياض الأطفال كانوا بحاجة ماسة للتعليم المباشر لترسيخ مفاهيم التعليم والتعلم، ما دعا تربويين إلى وضع أدوات يواجهون بها فجوة الانقطاع عن التعليم الوجاهي خلال «كورونا».

وحدد تربويون لـ«البيان» 10 مرتكزات ينبغي على المؤسسات التعليمية التركيز عليها، وفق خطط منهجية، تعتمد على قياس مدى الفاقد التعليمي وبناء خطط معالجة. وتمثلت تلك المرتكزات في وضع برامج تعليمية مساندة بعد الدوام المدرسي، ومشاركة كل الطلبة في الأنشطة الرياضية، وتطبيق نظام البكالوريا الدولية في المرحلة المتوسطة، وتنفيذ الاختبارات الدولية، لمتابعة أداء الطلاب في التعليم الخاص، وتفعيل منهج التعلم القائم على البحث والاستكشاف لتطوير مهارات حل المشكلات والبحث والتفكير لدى الطلاب، بالإضافة إلى صقل مهارات الطلاب مع مراعاة مراحل الكتابة، وتفعيل استخدام المصادر الخاصة بالطلاب قبل نقلها إلى البرامج والأجهزة الإلكترونية، إلى جانب خلق الدافع الوجداني عند الطلاب لإثارة شغفهم وحبهم للتعلم، من خلال ربط المناهج بواقع الحياة، وتطبيق نظام تعلم عالي الأداء يرتكز على البحث في بناء الكفاءات المعرفية تقود الطالب إلى التقدم على المستويين الأكاديمي والشخصي مع التركيز على نوعية التعليم وليس الكم من المناهج التعليمية، وتقديم أنشطة لا صفية تتسم بالتجدد والابتكار.

تركيز
الدكتور سعيد مصبح الكعبي عضو المجلس التنفيذي رئيس مجلس الشارقة للتعليم أكد ضرورة التركيز على النوع وليس الكم في المرحلة الحالية لتعويض الفاقد التعليمي، واختبار المهارات المكتسبة، والتي يجب أن يتم العمل عليها وتعزيزها، لافتاً إلى أن الطالب أصابه نوع من الخمول، وباتت مسألة إعادة المهارات ضرورية لاكتساب المعرفة.

ونصح بأن يكون المعلم صبوراً على الطالب، وأن يعتمد مبدأ التنويع في أساليب التعليم المتبعة وتقبل الطالب كما هو، ونقله للمستوى الذي يريده، والابتعاد عن لغة التشكيك التي تحبط الطالب. واعتبر الكعبي المدرسة مجتمعاً مصغراً، لا يتلقى فيها الطالب دروسه فحسب، بل يتعلم فيها مهارات حياتية كالنظام والعمل الجماعي الوقوف لتحية العلم، مضيفاً: إن الحاجة ماسة لوضع برامج نفسية وترفيهية واجتماعية مع تعزيز التواصل بين البيت والمدرسة، مؤكداً أن سد الفجوة الحاصلة يحتاج إلى وقت، ولكن حالياً ينبغي العمل على الحد من تداعيات الجائحة وليس كل النواتج السلبية، لأنها سنحتاج إلى وقت طويل.

بدوره تحدث الدكتور محمد بن جرش «ولي أمر» عن التغيرات، التي صاحبت جائحة «كورونا» في ما يتعلق بالشق التعليمي سواء على نطاق الطالب أو المعلم الذي بات عليه التسلح بسلاح التدريب والطالب التسلح بالخبرات في استخدام المنصات التعليمية الحديثة، وفي قياس أثر نقل المعرفة خلال الحصص، التي كانت في فترة «كورونا»، متسائلاً: هل لدينا خطط علاجية نفسية لكل أطراف العملية التعليمية للمعلم أو الإداري أو الطالب؟

الفجوات
وقال أيمن فائز شيخ الزور منسق قسم التربية الإسلامية في المدرسة العالمية الأمريكية في دبي، إن توقف التعليم الواقعي أدى إلى اضطراب في حياة الطلاب الاجتماعية والنفسية نتيجة الانفصال عن الأقران والتواصل اليومي واللعب المستمر وتفريغ الطاقة، بينما التعليم عن بعد يفتقد هذه الأمور جميعها.

وأوضح: إن الفجوات التعليمية ينتج عنها ترحيل الطلاب للسنوات اللاحقة دون تحقيق كامل لأهداف المرحلة، التي درسوها عن بعد بسبب عدم امتلاك كل المهارات بالشكل المطلوب وعدم توفر الدعم لمن هم بحاجة إليه، وعدم توفر البيئة التعليمية الغنية بالمصادر البصرية والسمعية والطاقة الإيجابية. وعدم توفر الإجراءات الاعتيادية الصارمة للامتحانات والتقييمات، وبالتالي فقدان صدقيتها الكاملة في غالب الأحوال.

ولفت إلى عدم إغفال اعتماد كثير من الطلاب على الأهل في حل واجباتهم أو تسليم مهامهم، ما أثر كثيراً في استيعابهم لدروسهم كما يجب.

أما علاج وسد هذه الفجوات التعليمية فيتمثل في إجراء تقييمات دقيقة للطلاب، والحصول على معلومات كافية لإجراء خطط علاجية وتطويرية ولو تطلب ذلك التعديل على بعض المناهج للفئات المتضررة لمرحلة مؤقتة لبناء جسور تعليمية بين ما قبل الفجوة التعليمية وما بعدها.

استرجاع الفاقد
وتحدثت الدكتورة فاديا دعاس دكتوراه بالتربية وسفيرة السعادة في المدارس البريطانية العالمية بعجمان عن فاقد تعليمي وصفته بالجزئي، أحدثته منظومة التعلم عن بعد، لكنها ترى أنه يمكن تعويضه وإثراؤه «بالعمل التشاركي»، مقترحة لتحقيق ذلك خلق حالة من التوازن بين التعليم الواقعي والافتراضي، بما يضمن الاستمرار في استخدام التقنيات وخصوصاً كوسائل تعليمية تعلمية في المدارس، ولوقت قصير جداً لا يتجاوز الساعة في عمل الواجبات والبحث على محركات البحث بعد اليوم الدراسي، وفي البيوت، لضمان استمرارية التطور ومواكبة التقنيات الحديثة والتدريب الذاتي على مهارة التعلم الاستخدام لهذه التقنيات.

واعتبرت تنمية وتطوير مهارات اللغة من الأمور التي يجب العمل على تعويضها بشكل فوري وآنيّ، مشيرة إلى أن وجوب العمل على تنمية مهارة الاستماع والقراءة والتحدث والكتابة، وأن يتم ذلك من خلال من خلال تحديد المستويات والمهارات ومناقشتها مع الأهل وبناء خطة لاسترجاع الفاقد وبناء المهارات المطلوبة، على أن توضع هذه الخطة بالتعاون مع أولياء الأمور ومنسقي المواد والإدارة المدرسية ودعت إلى التركيز على مهارات القرن الحادي والعشرين من تفكر وإبداع وممارسة مهارات بعيداً عن نهج الحفظ.

تحديات
وقال عبدالرزاق حاج مواس مساعد مدير مدرسة الاتحاد الخاصة- الممزر، إن ابتعاد الطلبة عن حرم المدرسة الواقعي أسفر عن بروز تحديات أسهمت في ظهور فجوة تعليمية لدى الطلبة. وأوضح أن الكثير من التجارب العلمية في مختبرات العلوم الواقعية لن تستطيع التكنولوجيا أن تحل مكانها مهما بلغت من تطورها، كما أن جلوس الطلبة في المنزل خلال فترة التعلم عن بعد وافتقارهم إلى التواصل الحقيقي مع أقرانهم قد أثر سلباً على صحتهم النفسية وجودة حياتهم، وكذلك فرض هذا التحول المفاجئ إلى التعلم عن بعد تغييرات سريعة في كيفية تقييم الطلبة وآليات الاختبارات، وهنا تتفاوت قدرة هذه الآليات على قياس المستوى الحقيقي للطالب وتحديد مهاراته.

وشدد على أهمية تكاتف جهود الجميع في التخطيط لسد الفجوة التعليمية، وتكييف المناهج والخطط لتغطية المهارات المفقودة لدى الطلبة. كما ينبغي على المؤسسات التعليمية تعزيز الصحة النفسية والعقلية والتخفيف من الآثار السلبية، التي خلفتها أزمة «كوفيد 19».

البحث والاستكشاف
ويرى صالح النعيم معلم اللغة العربية أن توقف العديد من الأنشطة، التي تركز على تواصل الطلبة الفعلي وجهاً لوجه، وممارساتهم التعليمية المختلفة بين جدران المدرسة، نتيجة لتطبيق منظومة التعلم عن بعد لأكثر من عام تشكل واحدة من التحديات الكبيرة في العملية التعليمية، مقترحاً ضرورة تحديد المهارات التي يحتاج إليها الطالب والعمل على تنميتها بشكل مباشر واستثمار المنصات في تنمية هذه المهارات.

وقال: إن الدمج بينها وبين التعليم المباشر أمر جيد لو تم توظيفه بشكل سليم، فعلي سبيل المثال في المواد العلمية وكذلك الأدبية يمكن للطلاب تنمية مهاراتهم المختلفة من الاعتماد على النفس والاستكشاف، والبحث عن المعلومات والعمل الجماعي والفردي والتشاركي والتعاوني بشكل أيسر من قبل وأكثر سلاسة، فوجود المصادر الرقمية بكثرة يسهل من هذا الأمر كثيراً، ويمنح للطلاب فرصة لتنمية المهارات المذكورة داخل المدرسة أو خارجها.

وأوضح معلم اللغة العربية أنه من المهم تحديد المهارات لكل طالب، وفق تصنيف علمي محدد ومن أمثلته تصنيفهم وفق الذكاءات المتعددة، ومن ثم تحديد المنصات والمواقع التي يمكن استثمارها وتتوافق مع هذا التصنيف، والعمل الجاد على حسن التوظيف وتنمية المهارات بشكل سليم، مشيراً إلى أن الطلاب فقدوا بعض المهارات أثناء فترة التعلم عن بعد، بيد أنهم اكتسبوا غيرها، ولكن هناك مهارات أخرى نحتاج لدعمها وتنميها فحياة المدارس بين جدرانها تختلف تماماً عن خارجها.

خطط طموحة
وقال علاء الدين العمرة، رئيس قسم اللغة العربية في مدرسة جيمس مودرن أكاديمي، إن وضع سلسلة خطط طموحة لرفع مهارات الطلاب في مختلف المجالات، تعد أولوية المؤسسات التعليمية حالياً مثل برامج ما بعد المدرسة، التي تشجعهم على المشاركة في العديد من الأنشطة الرياضية والعلمية مثل برامج التواصل والكتابة الإبداعية، وفن الخط والتصوير وغيرها.

وأوضح أن مدرسته أطلقت عدداً من المبادرات على المستوى الأكاديمي، التي من شأنها أن ترفع تحصيل الطلاب العلمي، حيث تم وضع خطة لتطبيق نظام البكالوريا الدولية في المرحلة المتوسطة وغيرها من الاختبارات الدولية لمتابعة أداء الطلاب. وأكد أهمية وضع خطوات لتشجيع الطلاب على العمل الجاد وبذل الجهد، منها دعم برنامج التربية الأخلاقية، الذي يسهم في صقل مهارات القيادة والتعلم من أجل الحياة وإدارة الوقت والإدارة الذاتية لديهم، كما اتجهت لتعزيز مهارة الكتابة لدى الطلاب بعد عامين من استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل مكثف عن طريق ورش عمل للكتابة ووحدة الكتابة المطولة على مستوى المدرسة.

وترى ميادة البشوتي، رئيسة قسم اللغة العربية لغير الناطقين بها في مدرسة جيمس فاوندرز المزهر أن تمكين الطلبة بمهارات التعلم والمعرفة لمواجهة التحديات في عالم دائم التغير يهدف إلى توفير تعليم استثنائي، يرتقي بأداء الطلاب الأكاديمي ويشجعهم على التفرد والابتكار وترسيخ ثقافة حل المشكلات بأساليب إبداعية، وذلك إلى جانب مواءمة المنهاج ليدعم جميع الفئات، بما فيها أصحاب الهمم وطلاب الدمج.

وأوضحت ريما وهبي، رئيسة قسم اللغة العربية لغير الناطقين بها في مدرسة جيمس متروبول، إن المدرسة أطلقت نظام تعلم عالي الأداء، يرتكز على البحث في بناء الكفاءات المعرفية التي تقود الطالب إلى التقدم على المستويين الأكاديمي والشخصي، وذلك من خلال تزويده بالمهارات والسمات التي يحتاج إليها للنجاح في دراساته العليا وفي اختياره لوظيفة المستقبل. وأشارت إلى أن العمل الجماعي أولوية قصوى ونسعى دائماً إلى خلق جو من المنافسة واعتماد سياسة المكافأة لدعم مشوار الطلاب نحو تحقيق الأفضل، كما لا تتوانى المدرسة عن توفير الدعم النفسي والأكاديمي للطلاب وأولياء الأمور على حد سواء خصوصاً بعد فترة طويلة من التعلم عن بعد، ويشمل ذلك توفير بيئة إيجابية وحاضنة للجميع.

دعم المهارات الحياتية للطلبة أولوية المرحلة الحالية
ذكرت سماح عوض، مديرة قسم المواد التي تدرس باللغة العربية في أكاديمية جيمس الأمريكية أبوظبي، أن دعم المهارات الحياتية للطلبة هي أولوية في المرحلة الحالية، بعد عودة الطلبة إلى التعليم الواقعي، إذ يقع على المدرسة دور أساسي في تمكين الطلبة ودعم مهاراتهم الحياتية ليكونوا قادة في مجتمعاتهم ولهم بصمتهم للاستعداد لمواجهة الحياة المهنية وسوق العمل. وأكدت أهمية دعم مهارات الطالب وتفعيل دوره في المجتمع منذ الصفوف الأولى، معتبرة أن نظام التعليم القائم على المعايير وتفعيل أنماط التعلم من القيم والمبادئ الأساسية، التي تطور مهارات الطلاب المكتسبة وتدعمهم في رحلتهم التعليمية، يشكل أهمية كبيرة في دعم الطلبة.

ولفتت إلى تفعيل منهج التعلم القائم على البحث والاستكشاف لتطوير مهارات حل المشكلات والبحث والتفكير لدى الطلاب، مؤكدة أهمية خلق الدافع الوجداني عند الطلاب لنثير شغفهم وحبهم للتعلم من خلال ربط المناهج بواقع الحياة، بالإضافة إلى التشجيع على العمل بجد واجتهاد، والتركيز على تفعيل مهارات الكتابة أثر كبير في صقل مهارات الطلاب مع مراعاة مراحل الكتابة قبل الوصول إلى النتيجة النهائية وتفعيل استخدام المصادر الخاصة بالطلاب قبل نقلها إلى البرامج والأجهزة الإلكترونية.

ودعا الخبير التربوي الدكتور أحمد العموش إلى التركيز على الأنشطة اللاصفية على اختلافها، وتعزيز ثقافة العمل التطوعي، لضمان تكيف الطالب في مجتمعه المدرسي ومجتمعه المحلي، محذراً من مسألة التركيز على العملية التعليمية فقط، إضافة إلى تطرقه إلى الصحة النفسية للطالب وأهمية العمل عليها، مقترحاً أن تكون الأنشطة ابتكارية ومتجددة ليقبل عليها الطالب بجد.