بذلت دولة الإمارات جهوداً كبيرة ظهرت نتائجها على أرض الواقع في دمج الطلبة من أصحاب الهمم في النظام التعليمي، وقد تجسّد ذلك في إتاحة الفرص التعليمية الكاملة لهم، وحصولهم على أفضل الحلول والممارسات بمدارس الدولة. وعملت الجهات القائمة على التعليم في مختلف إمارات الدولة على إعداد الاستراتيجيات والإطارات وبناء الخطط التي من شأنها تحقيق المساواة لتلك الفئة في الانخراط التعليمي.
واختلفت التحديات التي كانت تواجه التعليم الدامج، حيث أصبحت حالياً مدارس الدولة كافة مجهزة لاستقبال هذه الفئات من حيث البنية التحتية، وتوفير الإمكانات، وحالياً دخلت التحديات التعليمية وبرزت في خلق برامج مطورة، وإنشاء مراكز متخصصة داخل المدارس لضمان أحقية الدمج لكل الإعاقات سواء الشديدة أو البسيطة، والنقص في الكوادر التعليمية التي يمكنها أن تحاكي الإعاقات الشديدة مثل الشلل وغيره، أو التعامل مع طيف التوحد، بالإضافة إلى تكلفة الدعم المطلوب لانخراط هؤلاء الطلبة في التعليم.
معايير
بداية، تؤكد نورا السعدي عضو فريق التعليم الدامج في هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي، أن الهيئة وضعت جميع المعايير والإرشادات اللازمة ضمن إطار سياسة التعليم الدامج من أجل تمكين جميع الطلبة من أصحاب الهمم من الحصول على حقهم في التعليم ضمن بيئات مشتركة، وذلك تحقيقاً لاستراتيجية دبي لأصحاب الهمم 2020.
وأوضحت السعدي أن عمليات الرقابة التي تجريها الهيئة والتي ستنطلق دورتها للعام الدراسي الحالي قريباً في جميع المدارس الخاصة بدبي، يتم التركيز فيها على التجربة التعليمية الدامجة لجميع الأطفال باختلاف قدراتهم التعليمية، وتعتبر من بين أبرز نقاط التركيز للمقيمين التربويين خلال عمليات ضمان الجودة، إذ يتم التأكد فيها من مدى جودة تقديم المدارس لتجربة تعليمية دامجة لجميع الأطفال باختلاف قدراتهم، لا سيما لأبنائنا الطلبة والطالبات من أصحاب الهمم.
أعداد محددة
وحول قبول المدارس لأعداد محددة من الطلبة أصحاب الهمم، أكدت السعدي أنه لا يوجد عدد محدد لكل مدرسة، حيث يعتمد ذلك على قدرات الطالب والمصادر المتوفرة في المدرسة بما يحقق بيئة دامجة للطالب وتلبي احتياجاته الفردية، ضمن حقيقة أن الطلبة أصحاب الهمم يتمتعون بجميع الحقوق التي يحظى بها بقية الطلبة بما في ذلك حقوق القبول.
ويتعين على مزودي خدمات التعليم عدم رفض قبول أي طالب في أي منشأة تعليمية بناء على وجود إعاقة يعاني منها، مما يضمن لجميع الطلبة الالتحاق بالمنشأة التعليمية التي يختارها لهم أولياء أمورهم، وحصول جميع الطلبة أصحاب الهمم على حق أولوية الالتحاق ببرنامج تعليمي.
وذكرت أن جميع المدارس الخاصة في دبي ملتزمة بتوفير نطاق من الخدمات الأساسية لجميع طلبتها بمن فيهم الطلبة أصحاب الهمم وأن تضمن حقوق طلبتها في الحصول على جميع هذه الخدمات والأنشطة التعليمية المتخصصة.
استراتيجية
من جانبه، أكد علي الحوسني مدير هيئة الشارقة للتعليم الخاص، أن الهيئة ومن خلال استراتيجيتها الجديدة للأعوام 2022 - 2024 أكدت التزامها بمواصلة تطوير وتعزيز جودة وكفاءة منظومة التعليم الخاص في الإمارة، وتطوير البيئة التدريسية والمُخرجات التعليمية بما يواكب أحدث الاتجاهات العالمية، كما حرصت الهيئة في وضعها لاستراتيجيتها أن تتضمن محاور شمولية، تنطوي على جميع أدوات وعناصر المنظومة التعليمية الخاصة في الإمارة، لتشمل جميع المؤسسات التعليمية من مدارس ورياض أطفال وحضانات ومراكز الطفولة المبكرة ومعاهد تدريبية، وصولاً إلى الكادر التعليمي وأولياء أمور الطلبة والمتعلمين والمستفيدين من التعليم الخاص.
وأضاف أن عدد الطلبة المدمجين في المدارس الخاصة للعام الدراسي 2021 - 2022 بالشارقة بلغ 489 طالباً، وأن أبرز الإعاقات المدمجة هي الإعاقات الجسمية والصحية من إعاقات بصرية وسمعية واضطرابات في التواصل أو اضطرابات سلوكية.
تحديات
ومن جهته، قال فيليب طومسون، رئيس قسم الدمج في مجموعة جيمس للتعليم: هناك تحديات عدة تواجه التعليم المدمج الذي يحقق المساواة في الفرص لجميع الطلاب، فالمدارس والمعلمون يسعون إلى تقديم الأفضل لطلابهم، ولكنهم في بعض الأحيان لا يعرفون تحديداً ما الذي يجب عليهم فعله، لذلك نسعى لتطوير المعلمين وتدريبهم على كيفية الاستجابة وتلبية احتياجات الطلاب المختلفة.
أما التحدي الآخر فهو التكلفة، حيث تقدم المدارس مستوى معيناً من الدعم، ولكن يتعين على أولياء أمور الطلاب أصحاب الهمم دفع تكاليف هذا الدعم الذي يحتاجه أطفالهم في حال احتاجوا إلى خدمات متخصصة.
دمج
وقالت تريسي فيرغسون، مديرة الدمج في مدرسة متروبول، إن التحديات التي واجهتها قبل سبع سنوات عندما انتقلت إلى دبي للمرة الأولى تلاشت اليوم، فوتيرة التغيير تسير بسرعة وفي الاتجاه الصحيح. وتابعت: يتم دعم دمج أصحاب الهمم عبر البرامج والمبادرات الرئيسية التي تشمل حملات التوعية الطلابية والشراكات الرائدة في مجال التعليم المدمج للجميع، وكذلك تطوير المعلمين وتدريبهم، وتجهيز مرافق المدارس بما يلزم لتنفيذ هذه البرامج، وذلك من خلال خطط مستقبلية مدروسة بعناية.
أساليب تعليمية
وأفاد معلمون بأن تطوير الأساليب التعليمية والمعرفية يسهم في إنجاح عمليات الدمج، من خلال سعي المعلمين إلى مواءمة برامجهم وخططهم وطرق تدريسهم لتتماشي مع كل الفروق الفردية للطلبة وتراعي في الوقت ذاته فئات الطلبة من أصحاب الهمم.
وقالت هبة إبراهيم حميدي معلمة تربية خاصة رياضيات في مدرسة الاتحاد الخاصة، إن طرق التعليم الإلكترونية ساعدت الكثير من الطلبة والمعلمين على رفع مستواهم العلمي والمهني على التوالي، وقد شمل هذا التغيير أثراً إيجابياً على طلاب فئة صعوبات التعلم (أصحاب الهمم)، حيث إنه وفر لهم وسائل شيقة وغير تقليدية بالوقت نفسه، وتتناسب مع مختلف مستوياتهم الإدراكية وأنماط تعلمهم.
جهود
من جانبه، أكد خالد محمود آغا استشاري تربية خاصة بمدرسة الحكمة في عجمان، أن إدارة المدرسة تبذل جهوداً ملموسة لدمج الطلبة من أصحاب الهمم في النظام التعليمي، وتحقيق التعليم الدامج لهم وذلك بإتاحة الفرص لذوي الاحتياجات للانخراط في نظام التعليم الخاص للتأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم.
وأضاف أن أبرز صفات معلمي طلبة ذوي الاحتياجات الخاصة هي تبني المعلم اتجاهات إيجابية نحو الدمج للطلبة ذوي الإعاقات مع الطلبة العاديين، وامتلاك المعلمين الدافعية للعمل في صفوف الدمج، وقبول المعلمين التعامل مع الأخصائيين ذوي العلاقة، إضافة إلى المرونة في تعديل وتكييف الأساليب والمناهج لتلائم الحاجات الفردية للطلبة المدموجين والقدرة على التعامل مع ما تتطلب البيئة الصفيّة من تغيرات وتعديلات، بالإضافة إلى التعاون مع معلمي التربية الخاصة في إعداد الخطط التربوية الفردية، وتدريب المعلمين والمعلمات على حقيبة دمج أصحاب الهمم المقررة من قبل إدارة التربية الخاصة.
ثقافة
وأفاد الدكتور ماهر حطاب مدير مدرسة الأهلية الخيرية في عجمان: تجربة الدمج تواجه تحديات كبيرة في تطبيقها وكسب مخرجاتها ويمكن أن نذكر عاملين اثنين من هذه التحديات، الأول: هو استعداد الطرف الآخر لتقبل مثل هذه الفئة في المجموعات التعليمية وفي الصف الدراسي، والثاني: في مدى أهلية الكوادر التعليمية في التعامل معهم ومدى قدرتهم على تقديم المساعدة النافعة والحقيقية لهم، وعليه فإن القيادات المدرسية وإدارات المدارس مسؤولة عن بث ثقافة تقبل الآخر واحترام قدرات الآخرين مهما قلت أو كثرت، وهذا يبدأ من تقبل المعلمين لهذه الفئة والتحلي بالصبر عند التعامل معها.
المدرسة المجهزة والمعلمون المهرة
أبرز خطوات نجاح الدمج
أكد أكاديميان متخصصان أن أبرز الخطوات التي تساعد في عملية دمج الطلبة، تهيئة المدرسة وتوفير معلمين معدين إعداداً خاصاً لديهم المعرفة العلمية والمهارات التطبيقية، إضافة إلى كفايات التقويم والتقييم، وضرورة توفير غرف المصادر التي تتوافر فيها وسائل التقنية المساندة كلٌ حسب إعاقته.
وقال الدكتور أحمد العموش أستاذ علم الاجتماع في جامعة الشارقة، إن أبرز الخطوات التي تساعد على إنجاح عملية الدمج المدرسي للطفل من أصحاب الهمم هي، تهيئة المدرسة للدمج من خلال زيارة مسؤولي التأهيل للمدرسة والتحدث مع الإدارة والهيئة التدريسية وشرح أهمية عملية الدمج وإعلام أهل الطفل بمواعيد التسجيل في المدرسة وتحضيرهم لزيارة المدرسة.
من جانبه، أكد إبراهيم قرفال تخصص دراسات تربوية ونفسية، أن العملية التعليمية اللاحقة لعملية الدمج لا تشمل وترتكز فقط على آليات الدمج، بل إن هناك مجموعة متكاملة متفاعلة ضرورية لنجاح هذه العملية، منها تخطيط مناهج خاصة تختلف عن المناهج التقليدية لتطبق في المدارس التي تتبنى آلية الدمج، إضافة إلى أن البيئة الجديدة تحتاج إلى عمليات دقيقة لإعداد مجموعة من الامتحانات التشخيصية تحدد وتحقق عدة أدوات مثل الامتحان التشخيصي المستمر والامتحان البنائي وامتحان المتطلبات الأولية والامتحان الختامي.
أولياء أمور: الرسوم الباهظة أرهقتنا والتنمر هاجسنا
طالب آباء لأبناء أصحاب الهمم بضرورة وضع آليات محددة وملزمة لإدارات المدارس الخاصة حتى يتم قبول أبنائهم فيها، وتخفيض الرسوم الدراسية، خصوصاً تلك التي بخلاف الرسوم الدراسية السنوية التي تبلغ نسبتها 50 %، والتي أضحت تؤرق الآباء والأسر، كما طالبوا مشرفي المدارس بضرورة حماية أبنائهم من التنمر، والذي يشكل هاجساً لهم.
ويقول فهمي عبدالله ولي أمر طالبة من ذوي الهمم، والتي تعاني من ضعف السمع، إنه عانى كثيراً حتى يجد مقعداً دراسياً لابنته في إحدى المدارس الخاصة في عجمان، مبيناً أن الكثير من المدارس الخاصة ترفض دمج الطلبة من أصحاب الهمم، علماً بأن وزارة التربية والتعليم قامت بواجبها كاملاً تجاه الطلبة من ذوي الهمم، إلا أنه رغم ذلك، فالكثير من الإدارات المدرسية لا تحبذ قبولهم، مطالباً إياها بضرورة دمج الطلبة والتيسير على أولياء الأمور.
نشاطات
وفي السياق ذاته، تقول ميادة عبدالله، ولديها طالبة مصابة بمتلازمة داون، إن هناك الكثير من التحديات التي يواجهها أولياء أمور الطلبة من أصحاب الهمم تتمثل في عدم وجود المعلمات ذوات الخبرة الكافية في المدارس الخاصة، والتي تؤهلهن للتعامل بالصورة المثلى مع تلك الفئة من الطلبة.
توصيات
* ابتكار استراتيجيات تدريس حديثة حسب الإعاقات
* إنشاء مراكز متخصصة داخل المدارس لإدارة الدمج
* توقيع اتفاقيات مع مراكز خارجية لتقديم الدعم
* وضع آليات ملزمة للمدارس لقبول أصحاب الهمم
* تخفيض الرسوم الدراسية ورسوم معلمة الظل
* فتح المجال لاستقطاب معلمين في التربية الخاصة
* تكثيف الإشراف والتوعية لتجنيب تعرض الطلبة للتنمر
* مضاعفة التوعية المجتمعية بأهمية تقبّل ومساعدة تلك الفئات
* متابعة الحالات المدموجة من قبل فريق متخصص لدراسة أثر الدمج
* التنسيق بين المدارس والجامعات وإطلاع الاختصاصيين على آليات الدمج