منصات رقمية سرية للتبليغ عن «التنمر» في المدارس

ليس هناك من فرحة تعدل فرح الأهل عندما يلتحق أطفالهم بالمدرسة في الصفوف الأولى، وبدء التعلم والنهل من العلوم والمعارف المختلفة، وصولاً إلى الجامعة والتخرج بالشهادات العليا من التخصصات التي يحلمون بها لهم، غير أن بعض السلوكيات التي يتعرض له بعض هؤلاء الأبناء في المدرسة قد تطفئ جذوة الفرح بهم، وتشعل فتيل الخوف والقلق على مستقبلهم واستقرارهم النفسي والاجتماعي والأكاديمي، وتعكير صفو البيئة التعليمية.

ويعتبر التنمر المدرسي في مقدمة تلك السلوكيات التي قد يتعرض لها بعض الطلبة في المدارس، إذ إن التنمر سلوك متكرر يهدد سلامتهم النفسية، وينفّرهم من المدرسة، ويؤثر على مدى تقبلهم للمعرفة وتحقيق التفوق الدراسي، ومن إقامة صداقات وثيقة ومتينة فيما بينهم، ويكون التنمر على شكل ممارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، سواء كان هذا التنمر لفظياً أو جسدياً أو اجتماعياً أو إلكترونياً أو إلحاق الأذى بالممتلكات الخاصة، وقد يأخذ أشكالاً متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنياً أو لفظياً، أو عزل طفل ما بقصد الإيذاء.

وثمة فرق بين من يتعرض للإغاظة أو المضايقات من صديق أو زميل في المدرسة بطريقة تتسم بالدعابة والود المتبادل المقبول بين الطرفين، وبين من يتعرض له بعنف وأذى وتعمد وتكرار وباستخدام القوة؛ فالأفراد الذين يمارسون التنمر يلجؤون إلى استخدام القوة البدنية للوصول إلى مبتغاهم من الأفراد الآخرين، وفي كلتا الحالتين، سواء أكان الفرد من المتنمرين أو يتعرض للتنمر، فإنه معرض لمشكلات نفسية خطيرة لا تحمد عاقبتها.

في التحقيق التالي نتعرف إلى التدابير التي تتخذها إدارات المدارس الحكومية والخاصة لمواجهة التنمر بين الطلبة، والإجراءات المتبعة للتعامل مع الحالات التي قد تظهر، ودور كل من المدرسة والأسرة والطالب للقضاء على هذه السلوكيات العدوانية، وبعض الدراسات والخطط والبرامج التي تقوم بها الجهات المختصة ذات العلاقة في الدولة، عطفاً على نصائح ومقترحات اختصاصيي علم النفس للتخفيف من الآثار النفسية التي قد تلحق بالطلبة الذين تعرضوا للتنمر.

كما نتعرف إلى دور الإمارات البارز في التصدي لقضية التنمر على المستوى الدولي، وحرصها على الانخراط في المبادرات الدولية لمكافحة هذا السلوك العدواني من خلال دعمها للتقارير الدولية والبحثية التي تعدها المنظمات العالمية.

الأبواب المفتوحة
أكد مسؤولو دعم الطفل في عدد من المدارس الحكومية والخاصة أنهم يتخذون إجراءات صارمة لضمان بيئة تعليمية آمنة، مشيرين إلى أهمية تطبيق سياسة «الأبواب المفتوحة» وتعيين سفراء من الطلبة في التصدي لظاهرة التنمر، فيما حرصت المدارس الخاصة على إنشاء منصات رقمية سرية للتبليغ عن حالات التنمر، واستثمرت في فريق القيادة الطلابية من المرحلة الثانوية لمراقبة السلوكيات العامة وتعزيز بيئة مدرسية إيجابية، وشددت على أهمية التبليغ الفوري وعدم السكوت على هذه التصرفات.

وتطبق المدارس الحكومية لائحة سلوك يعد التنمر فيها من المخالفات الخطيرة (الدرجة الثالثة) ويخُصم من المتنمِر 12 درجة، ويتم إيقافه عن الدراسة داخل حرم المدرسة، كما يتم انعقاد فوري للجنة إدارة السلوك واتخاذ القرارات المناسبة، بالإضافة إلى تحويل الطالب للجهة المختصة مثل جهات تقويم السلوك للمرة الأولى لمدة لا تزيد على ثلاثة أسابيع، فضلاً عن استدعاء فوري لولي الأمر وتوقيعه على الإنذار والقرار، ومتابعة واستلام تقارير تطور حالة الطالب من قبل الجهة المختصة، وفي حال تكرارها يخصم منه 12 درجة أخرى وتتخذ بحقه كافة الإجراءات السابقة، وفي حال عدم اعتدال السلوك، يتم نقل الطالب المتنمر إلى مدرسة أخرى تأديباً.

بيئة آمنة
وقالت نوال الحايك، مسؤولة دعم الطفل في مدرسة دبي الوطنية، إن مدرستها تحرص على تطبيق إجراءات صارمة وضوابط سلوكية تهدف إلى منع ظاهرة التنمر بين الطلبة، وضمان بيئة تعليمية آمنة ومحترمة، حيث يقوم مشرفو ومشرفات الأقسام بمختلف الأعمار بتوجيه الطلبة حول أهمية التعامل مع بعضهم البعض بالاحترام المتبادل، وتحذيرهم من عواقب السلوكيات المسيئة، مع التأكيد على أهمية إبلاغ المدرسين أو المشرفين عند حدوث أي نوع من التنمر.

وأضافت: «عند الإبلاغ عن حالة تنمر، تتخذ الإدارة إجراءات فورية للتحقق من الأمر، حيث يتم استدعاء جميع الأطراف المعنية وإجراء تحقيقات دقيقة لمعرفة الحقائق، وبناء على النتائج، تُتخذ الإجراءات التأديبية المناسبة لضمان عدم تكرار الحادثة، بعد ذلك، يتم تحويل المشكلة إلى قسم الدعم النفسي والاجتماعي للبدء في تنفيذ الخطط اللازمة للعلاج السلوكي والنفسي». ولفتت إلى أن قسم الدعم النفسي والاجتماعي يلعب دوراً حيوياً في التصدي لظاهرة التنمر، وفور تحويل الحالة إلى القسم، يبدأ الأخصائيون الاجتماعيون في وضع خطة علاجية تناسب الطالب المتضرر.

قيادة طلابية
وقالت جانيت فولي، مدير قسم حماية الطفل في مدرسة جيمس ويس جرين الدولية: «تتعامل المدرسة مع حالات التنمر من خلال نهج استباقي يركز على الطالب، ومشاركة اختصاصيي الصحة النفسية ولجنة مكافحة التنمر في القسم الثانوي وأبطال جودة الحياة من المرحلة الابتدائية، وعند الإبلاغ عن أي حادثة تنمر، يتعاون الطلبة الكبار المدربون والموظفون لمعالجة الموقف بسرعة وفعالية، وتركز المدرسة على التدخل المبكر، وفهم الأسباب الجذرية للمشكلة، وتقديم الدعم للمتضررين ومرتكبي التنمر على حد سواء».

وأضافت: «يلعب فريق القيادة الطلابية لدينا، الذي يضم طلبة من المرحلة الثانوية دوراً مهماً في مراقبة سلوكيات التنمر وتحديدها، حيث يتلقون تدريباً خاصاً لدعم أقرانهم، مما يساعد على تهدئة المواقف واحتوائها».

وبينت المسؤولة أن المدرسة تنفذ نظام إحالة وإبلاغ ذاتياً يُتيح للأفراد الإبلاغ عن التنمر بسرية إذا رغبوا في ذلك، ويمكن الوصول إلى هذا النظام عبر رمز الاستجابة السريعة الموزع في كافة أنحاء المدرسة، والذي يوجه المستخدمين إلى نموذج آمن عبر الإنترنت يديره مستشارو المدرسة، وبعد تقديم أي تقرير، تتخذ المدرسة إجراءات فورية للتحقيق ومعالجة الوضع بالتعاون مع الأطراف المعنية لضمان سلامة ورفاهية جميع الطلاب.

مهام وأدوار
وفي السياق ذاته، أكد غاريث كوبر، مدير قسم حماية الطفل في مدرسة جيمس البرشاء الوطنية، الدور الحاسم الذي يلعبه هذا القسم لضمان سلامة وجودة حياة الطلبة، وتشمل المسؤوليات الرئيسية المنوطة به قيادة جهود الحماية في المدرسة بدعم من أعضاء الفريق، بالإضافة إلى ضمان تدريب جميع الموظفين والتزامهم بالسياسات والإجراءات، ويحتفظ مدير القسم بسجلات حول المخاوف، والإجراءات المتخذة، وأي تواصل داخلي أو مع الجهات الخارجية.

ولفت إلى أن التعامل مع حالات التنمر يتم وفق الالتزام بسياسة مكافحة السلوك في المدرسة، حيث يتم إجراء تحقيق شامل يضمن إبلاغ الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور عند الاقتضاء لدعم المرحلة التالية، كما يتم تطبيق الإجراءات التأديبية لحوادث التنمر بشكل عادل ومنتظم ومعقول، مع مراعاة أي احتياجات تعليمية خاصة أو إعاقات قد تكون لدى الطلبة والنظر في احتياجاتهم. وذكر أنه يتم تسجيل الحوادث العامة للتنمر المشتبه به على منصة حماية المدرسة «Guard» ونظام تسجيل السلوك «Phoenix Classroom»، ويتم التحقيق في كافة حالات التنمر المشتبه بها لضمان اتخاذ إجراءات قوية وحاسمة لحماية جودة حياة جميع الطلبة.

وأكدت ميلاني موزيز، مديرة قسم حماية الطفل في أكاديمية جيمس الأمريكية أبوظبي، أن الأكاديمية تشجع الطلبة وأولياء الأمور والأوصياء والموظفين على الإبلاغ عن أي حوادث تنمر عبر مجموعة متنوعة من قنوات الإبلاغ، بما في ذلك خيار الإبلاغ بشكل مجهول، مشيرة إلى أن المدرسة تتبنى سياسة صارمة في هذا الشأن، حيث يتم التعامل مع جميع الحوادث بجدية تامة، وعند تلقي أي تقرير عن التنمر، تقوم المدرسة بالتحقيق الفوري في تفاصيل الحادث وطبيعته، لضمان اتخاذ الإجراءات المناسبة والفعالة لحماية الطلبة وتعزيز بيئة مدرسية آمنة وصحية.

تهديد كبير
من جهتها، قالت أمل الحمادي الاختصاصية النفسية والأسرية، إن الإهمال الأسري يشكل تهديداً كبيراً للطلبة، حيث يمكن أن يقودهم إلى التنمر ويضعهم تحت مخاطر نفسية واجتماعية وصحية مثل العزلة والتشاؤم والاكتئاب، مشيرة إلى أن هذه المشكلات تؤدي إلى تأثيرات سلبية على حياة الطلبة ومستقبلهم التعليمي.

وذكرت الحمادي أنها واجهت العديد من حالات الطلبة الذين يحتاجون إلى دعم نفسي وإرشاد بسبب تعرضهم للتنمر، موضحة أن الدعم في مثل هذه الحالات يعتبر أمراً حيوياً لحمايتهم من التأثيرات السلبية التي قد تترتب على التنمر، ومن الضروري أن يكون هناك تنسيق فعال بين الأسرة والمدرسة لتقديم هذا الدعم.

وأفادت الحمادي بأن الطلبة أصبحوا في الوقت الحالي أكثر وعياً تجاه ظاهرة التنمر، وهو ما يشير إلى تطور إيجابي في إدراكهم لمشكلات الصحة النفسية، ناصحة الطلبة بالإبلاغ الفوري عن أي حالات تنمر قد يتعرضون لها وعدم التساهل معها، لضمان حماية بيئة التعليم وتعزيز رفاهيتهم.

وأشارت إلى أن التصدي للتنمر يتطلب تكاتف الجهود المجتمعية والأسرة، حيث يجب على الجميع العمل سوياً لمواجهة هذه الظاهرة والتقليل من تأثيراتها. وأن التعاون بين الأسرة والمدرسة يمكن أن يسهم في توفير بيئة تعليمية أكثر أماناً وتحفيزاً للطلاب.

الأكثر مشاركة