لم يكن شعب الإمارات في عهد «الإمارات المتصالحة» يتوق للوحدة والاتحاد فقط، بل كان يتطلع إلى أبعد من ذلك في تأسيس بلاده، وتحويلها إلى دولة قوية متماسكة ومتطورة، وجاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، القائد المؤسس لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، لينادي بإقامة اتحاد بين إمارات الساحل المتصالح، وتولى هذه المهمة مع أخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، فقامت دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن لبى حكام الإمارات القادة المؤسسون دعوة الشيخ زايد، والشيخ راشد لينضموا إلى الاتحاد وتنطلق مسيرة دولة المعجزات واللا مستحيل.
وخلال الخمسين عاماً الماضية اجتازت دولة الإمارات شوطاً طويلاً، منذ اتحادها، حيث حققت خلال العقود الخمسة الماضية العديد من الإنجازات والنجاحات في المجالات الاقتصادية والتعليمية والتكنولوجية والطبية والتعليمية، كما شهدت الدولة أيضاً نهضة عمرانية وحضارية توجتها كونها واحدة من أفضل الوجهات السياحية والاستثمارية على الصعيدين الإقليمي والعالمي على حد سواء، وتخطط القيادة الرشيدة اليوم لتصميم استراتيجية الخمسين سنة المقبلة، لتحقيق المزيد من الإنجازات والمكاسب للأجيال القادمة.
وفي هذا الصدد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن «الاستعداد للخمسين يمثل شارة البدء في صياغة استراتيجية عمل وطنية هي الأكبر من نوعها للاستعداد للخمسين عاماً المقبلة على كل المستويات الاتحادية والمحلية، والاستعداد للاحتفال باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات عام 2021، على أن تشارك كل فئات المجتمع من المواطنين والمقيمين والقطاع الحكومي والخاص والأهلي في تصميم مستقبل الخمسين عاماً المقبلة في دولة الإمارات».
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن «الاستعداد للخمسين عاماً سيشكل بإذن الله منعطفاً نوعياً في مسيرتنا المباركة.. نكتب فيه فصولاً جديدة في محركاتنا الاقتصادية والمجتمعية والتنموية المتسارعة لنكون الأفضل عالمياً خلال خمسين عاماً قادمة».
زايد متوسطاً الحكام
عودة إلى البدايات
وللعودة إلى البداية كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يتسم بسعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال والحكمة، وكان، رحمه الله، يتملكه اليقين بأن الاتحاد هـو طريق القوة وطريق العزة والمنعة والخير المشترك، وكان يرى أن الفرقة لا ينتج عنها إلا الضعف والهوان، وأن الكيانات الهزيلـة لا مكان لها في عالم اليـوم، وكان يقول، رحمه الله: «إن تجربتنا الوحدوية فـي دولة الإمارات هي البرهان الساطع على أن الوحدة والتآزر هما مصدر كل قـوة ورفعـة وفخـر» .
وأدرك المغفور له الشيخ زايد أنه من أجل تعزيز الانسجام الداخلي والتماسك والتلاحم الوطني بين أبناء شعبه، يحتاج في البداية إلى نسج خيوط الثقة وبنائها من خلال التفاعل الشخصي مع كل المواطنين، ووصف، رحمه الله، مرحلة مـا قبل الاتحاد بأنها تاريخ مضى، وعلينا أن نأخذ منــه الدروس والعبر لكي نثبت للتاريخ أن إيماننا وعزائمنا كانت أقـوى مـن كل الصعوبات والشدائد التي فرضت علينا.
وفي 18 فبراير 1968، اتفق المغفور لهما، بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي على تشكيل وحدة بين الإمارتين، وتنسيق الأمن والدفاع والخارجية، وتوحيد الجوازات بينهما، وفي اجتماع عُقد في دبي في 18 يوليو 1971، قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، هي: أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين الإمارات، وفي 2 ديسمبر 1971م أُعلن رسميًّا تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة، وبعد ذلك، أي في 10 فبراير 1972 انضمّت رأس الخيمة إلى الاتحاد، فأصبح الاتحاد متكاملاً باشتماله على الإمارات السبع.
ويعود الفضل في قيام الدولة لحماسة الشيخ زايد والآباء المؤسسين لتشكيل الاتحاد، وتعاملهم مع التحديات والصعوبات بحكمة وبروح من الانسجام والتعاون، وتم اختار أصحاب السمو حكام الإمارات الشيخ زايد لرئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليصبح بذلك أول رئيس للدولة، وهو المنصب الذي أكسبه لقبه الدائم «الأب المؤسس»، وكان حاكم دبي آنذاك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، قد تمّ انتخابه ليكون نائباً للرئيس، وهو منصب استمرّ فيه حتى وفاته عام 1990، وبعدها تمّ انتخاب ابنه الأكبر الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، ليخلفه في ذلك المنصب. وفي اجتماع عُقد في 20 مايو 1996م، وافق المجلس الأعلى للاتحاد على نصّ معدّل للدستور، جعل من دستور البلاد المؤقّت، الدستور الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعُيّنت أبوظبي عاصمة الدولة.
زايد وراشد والحكام خلال أحد الاجتماعات | أرشيفية
زايد بن سلطان آل نهيان -أبوظبي
ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، في مدينة العين عام 1918، وحكم والده الشيخ سلطان بن زايد إمارة أبوظبي من عام 1922 ولغاية 1926.
وتولى الشيخ زايد، منصب ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية عام 1946، حيث انخرط بشكل مباشر بالشؤون الحكومية، وبدأ يمارس تجربته في الحكم من مدينة العين، وبعد نجاحه في إطلاق عجلة تطوير مدينة العين في الخمسينات، بالرغم من قلة الموارد، تولى الشيخ زايد حكم إمارة أبوظبي في أغسطس عام 1966، ووضعها على طريق النمو المستدام والتنمية حيث يضرب بها وبدولة الإمارات المثل في المنطقة كلّها.
زايد وراشد ومشاورات متواصلة لتأسيس الاتحاد
راشد بن سعيد آل مكتوم - دبي
يعد المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم قائداً فذاً ترك لدولة الإمارات ودبي إرثاً عظيماً، وحققت دبي تحت إدارته طفرة تنموية شاملة في جميع النواحي لتصبح مدينة حديثة، وعززت موقعها كونها مركزاً تجارياً بين الشرق والغرب.
وكان الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، قد تولى مقاليد الحكم في إمارة دبي في أكتوبر من عام 1958، عقب وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم في 10 سبتمبر من العام نفسه، وكان لمشاركة الشيخ راشد في مجلس الإمارات المتصالحة دور في التمهيد للاتحاد، وعمل مع الشيخ زايد على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبو ظبي في فبراير عام 1968.
خالد بن محمد القاسمي - الشارقة
تسلم الشيخ خالد بن محمد بن صقر بن خالد بن سلطان بن صقر بن راشد القاسمي حكم إمارة الشارقة، خلال الفترة من 24 يونيو 1965 إلى 24 يناير 1972 بعد الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، وشارك في اجتماعات تكوين الاتحاد ممثلاً عن إمارة الشارقة، ووقّع على الدستور المؤقت يوم 2 ديسمبر عام 1971، وأصبحت الشارقة جزءاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، وانضم عضواً إلى المجلس الأعلى للاتحاد، وعُرف عن الشيخ خالد بن محمد القاسمي، وطنيته وعروبته وتطلعه الدائم لتطوير الإمارة، وحرصه على قيام الاتحاد، وتوحيد الصفوف والجهود.
راشد بن حميد النعيمي - عجمان
وُلد الشيخ راشد بن حميد بن عبد العزيز النعيمي في 1902م بإمارة عجمان، وتولى حكم الإمارة في سنة 1928، وهو الحاكم التاسع للإمارة، والمؤسس الحقيقي لنهضتها وازدهارها، وأخذ أصول الحكم عن أبيه الذي حكم الإمارة لمدة 18 عاماً تقريباً منذ عام 1910، حيث كان عمر الشيخ راشد 8 سنوات، واستطاع في هذه الفترة أن يتشرّب معاني الرجولة وأساليب الحكم الرشيد.
ويعتبر الشيخ راشد مؤسس إمارة عجمان الحديثة، حيث نعمت في عهده بالأمن والاستقرار والسكينة.
محمد بن حمد الشرقي - الفجيرة
حكم الشيخ محمد بن حمد بن عبد الله الشرقي إمارة الفجيرة منذ عام 1942 حتى 1974، وطالب المغفور له السلطات البريطانية بالاعتراف بالفجيرة كونها كياناً مستقلاً، وتم له ذلك في عام 1952. كانت التنمية من أهم أولويات الشيخ محمد بن حمد الشرقي، الذي سخر كل الإمكانات لتحقيقها على كل المستويات، وتم في عهده إنشاء أول محكمة شرعية في عام 1969.
أحمد بن راشد المعلا - أم القيوين
تولى الشيخ أحمد بن راشد المعلا مقاليد الحكم في إمارة أم القيوين عام 1929م بعد وفاة والده راشد بن أحمد المعلا، وكان يبلغ من العمر 18 عاماً فقط، ومن الإنجازات التي تمت في عهده تأسيس بلدية أم القيوين، وتطوير الخدمات التعليمية والصحية وإنشاء المرافق، وشق الطرق وإنارتها، وتأسيس جهاز الشرطة، الذي حقق للإمارة مزيداً من الأمن والاستقرار، وغير ذلك الكثير، وعرف عن الشيخ أحمد بن راشد المعلا اهتمامه بشؤون المواطنين، وسعيه الدؤوب لتحقيق الأفضل، لهم وتعزيز مكانة الدولة عربياً ودولياً.
صقر بن محمد القاسمي - رأس الخيمة
تولى الشيخ صقر بن محمد القاسمي حكم إمارة رأس الخيمة في 17 يوليو 1948، وعمل بعد توليه الحكم على إرساء قواعد الوحدة الوطنية بين القبائل في الإمارة، وجمع شملها، والتأليف بينها وجعلها وحدة متماسكة، واهتم سموه بالتعليم والمعرفة، وأمر بإنشاء دائرة للمعارف لمتابعة شؤون البعثات العلمية في الإمارة، كما قام بافتتاح مدارس نظامية، وجعل التعليم إجبارياً للبنات كما هو للأولاد. انتخب سموه في عام 1965 رئيساً لمجلس حكام إمارات الساحل المتصالح، وظل في هذا المنصب إلى قيام الاتحاد، إلا أن إمارته لم تكن من بين الإمارات المكونة للاتحاد، ولكن في 10 فبراير 1972 أعلن عن انضمام إمارته لدولة الإمارات العربية المتحدة.