رهانات الخمسين

يوم سيُخلّد في ذاكرة الوطن، وحدثٌ لن يُبارح مخيّلة أبنائه، ورهانٌ لم تهدأ سنابك جواده، ولم يتعب فارسه، خمسون سنة مضت حافلة بالكثير من المنجزات، وخمسون آتية قد رفع لها راية الرهان عُشّاق المجد، وأقران التحديات.

تطل هذه الصفحات لتنسج من أهداب الاتحاد وشياً مِن وَشْي روحه، غُلالة من كَلِمٍ في حب إمارات زايد الخير، بشراكة نتمنى أن تتواصل بين أعرق صحيفتين بالدولة، لتقفا معاً في سبيل الاحتفاء بما تبلور فوق هذه الأراضي الطيبة من نهضة هي أقرب للمحال منها للواقع في هذه الفترة القصيرة بمقاييس الأمم، وتدشين عهدٍ جديد مليء بالرؤى والخطط التي ينقطع دونها نَفَسُ الطموح للسنوات الخمسين المقبلة.

هذا الحدث المهم يستحق الكثير من التركيز الإعلامي، وسَبْر تفاصيل تلك السنين من أيام قيام الاتحاد الأولى وحتى أيامنا هذه، بعمق بحثي بعيد عن الإنشائيات المعتادة، فالدروس المستفادة من تجارب هذه المسيرة اللامعة هي أثمن ما يمكن الخروج به والتأكيد عليه وتوصيله للأجيال الناشئة، لتتعرّف على الحِقب الزمنية المهمة، كيف كانت هذه الديار قبل وحدتها، ما التحديات التي مرّت بزايد وإخوانه المؤسسين، عليهم رحمات الله، وكيف تعاملوا معها بأبعادها السياسية وتشظّياتها المجتمعية وظروفها الاقتصادية، وما هي التركيبة التي كانت أقرب للسحر في إذابة الجموع المتباينة همّاً وفكراً وعِرقاً، والتي تحمل ذاكرتها الكثير من منغّصات الماضي وإرثه المؤلم، لتُشكّل نواة دولة متحدة القلوب قبل وحدة الحدود الجغرافية، وكيف تسارعت وتيرة النهضة بشكلٍ بَزّ الأقران، واختصر في هذه العقود الخمسة ما قد يحتاج في غيرها لقرنٍ أو أكثر!

هذا «الجَرْد» لمسيرة الاتحاد ونهضته، والوقوف على أصغر حيثياته، هو أهم ما يتوجب على الإعلام إبرازه، وكما أنّه من الضروري التعريف بالمنجزات الحضارية المتتالية ومن يقف خلفها من فرق العمل من شباب وشابّات البلد، فإن الأكثر أهمية هو التعريف بالكيفية التي خرجت بها هذه المنجزات للنور، فالمعرفة هي أساس نهضة الأُمم، وتوثيقها والتأكيد عليها يُعزز من قدرة أي بلد على البقــاء في مركز تنافسي مع بقية اللاعبين الكبار على المشهد الحضاري العالمي.

هنا يتوجب علينا أن نتعامل مع الدور الإعلامي حسب مقاييس هذا العصر لا عصر السبعينيات والثمانينيات في القرن المنصرم، فما قد يكون مفيداً وحاسماً في تلك الفترة، لا يبدو أن له كبير موطئ قدم في عصر الإعلام الحديث، وبكون صحيفتي «البيان» و«الاتحاد» هما الرائدتان في المجال الإعلامي المكتوب، وكانت لهما أدوار مهمة للغاية في إبراز مكانة الدولة والتعريف بمنجزها التنموي والترويج للتجربة الاتحادية الرائدة، فإنّ على عاتقهما مسؤولية خطيرة حالياً مع تغيّر موازين القوى في المشهد الإعلامي، وخروج منصات رقمية مكتوبة ومرئية نجحت في سحب البساط من تحت أقدام العديد من وسائل الإعلام التقليدي، واستطاعت أن تجتذب لها أعداداً مهولة من البشر متجاوزة بذلك كل الحدود الجغرافية والمسافة والمكان، وما لم نُفكّر بالطريقة ذاتها التي يفكّر بها هذا الجيل الذي «أَلِفَ» هذه المنصات، ونسعى لتقديم المعلومة له بالطريقة التي يُفضّلها، وإلا فإننا سنعاني كثيراً في قادم الأيام، وستزيد الفجوة أكثر وأكثر مع الجمهور المستهدف الذي كاد أن يطوي صفحة الإعلام التقليدي تماماً!

إن المنعطفات الحرجة في تاريخ الإنسانية تحتاج لقرارات شجاعة، وما دامت الدولة في رؤيتها للخمسين المقبلة قد راهنت على المستقبل، وتسعى حثيثة الخُطى إلى مجاراة دول النخبة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنية الدقيقة وأبحاث الفضاء والطاقة النظيفة والمتجدّدة، فإنّ الوقت قد حان لنرى ثورة مبتكرة في صحيفتينا الموقرتين لمواكبة التحديات والرهانات العظيمة التي قطعتها القيادة الرشيدة على نفسها، و«البيان» و«الاتحاد» أهلٌ لذاك التحدي.

 

الأكثر مشاركة