اختتمت في دبي مساء أمس الأول فعاليات منتدى الإعلام الإماراتي السادس، الذي نظّمه «نادي دبي للصحافة» بالحضور المباشر بمقره في «سنترال ون مركز دبي التجاري العالمي»، بمشاركة لفيف من القيادات الإعلامية الإماراتية ورؤساء تحرير الصحف المحلية والكُتَّاب والمفكرين ورموز العمل الإعلامي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ناقش الحضور جملة موضوعات مهمة تتعلق بآفاق تطوير قطاع الإعلام في الوقت الذي تستعد فيه الدولة لخوض مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية خلال الخمسين عاماً المقبلة، وبما يتماشى مع رؤية القيادة الرشيدة وتطلعاتها لدور الإعلام المحلي في مساندة جهود التطوير سعياً إلى بلوغ أرقى مستويات التميز لتظل دولة الإمارات العربية المتحدة دائماً النموذج والقدوة للدول الرائدة في إرساء أسس المستقبل الذي يوفر كل مقومات التقدم والازدهار لشعوبها.



تدابير
 


وفي أجواء تنظيمية اتسمت بالحفاظ على تطبيق التدابير الاحترازية والوقائية بصورة دقيقة، جاء النقاش صريحاً وبناءً واتسم الحوار برغبة حقيقية من قبل جميع المشاركين في إحداث نقلة نوعية في قطاع الإعلام الإماراتي حيث تطرق الحضور إلى استعراض جملة من الموضوعات المهمة التي تتعلق بأبرز التحديات التي يواجهها القطاع حالياً والرؤى والأفكار التي أسهم بها الحضور في سبيل الارتقاء بمنظومة العمل الإعلامي في ضوء استراتيجية جديدة تكفل لكافة مؤسساته فرصة توسيع مشاركتها في دعم مسيرة التنمية الشاملة في الدولة ومواصلة دورها كمرآة تعكس تطلعات المجتمع وتلقي الضوء على أهم مسارات التطوير وما تثمره من إنجازات تصب في صالح المجتمع.

وفي أولى الجلسات الثلاث التي تضمنها جدول أعمال المنتدى، وتحت عنوان «الإعلام الإماراتي أمام تساؤلات المستقبل» اتفق الحضور على ضرورة وضع استراتيجية إعلامية متكاملة تضمن تنسيق وتوحيد جهود العمل الإعلامي وتعزيز قدرته على مواكبة إنجازات وطموحات دولة الإمارات، حيث بدأ النقاش بسؤال وجهه مديرو الجلسة إلى سعادة منى غانم المرِّي، رئيسة نادي دبي للصحافة، حول عما إذا كان الإعلام الإماراتي لديه استراتيجية عمل واضحة ترقى إلى حجم طموحات وإنجازات الدولة وقادرة على مواكبة رؤيتها للمستقبل وما تصبو إلى تحقيقه من إنجازات ضخمة فيه.


قيادات إعلامية خلال جلسات المنتدى


شفافية كاملة

وبدأت منى المرّي إجابتها بالتأكيد على أهمية الالتزام بالشفافية الكاملة واعتماد مقاربة نقدية صريحة في مناقشة الواقع الإعلامي بكل أبعاده كمطلب أساسي في أي جهد هدفه الارتقاء بمستوى وأداء الإعلام الوطني الذي حقق الكثير من التقدم من الناحية التقنية والبنية التحتية بفضل الاستثمار الحكومي والدعم القوي للقطاع على المستويين المحلي والاتحادي وتخصيص ميزانيات مالية ضخمة لدعم تطويره المستمر.

ورأت المرّي أن الإعلام الإماراتي يفتقد لاستراتيجية وطنية واضحة ومتكاملة المعالم، معتبرة أن ما يشهده القطاع حالياً عبارة عن جهود متفرقة لا يوجد لها إطار جامع أو نسق شامل وموحّد على مستوى الدولة، ولا يقتصر ذلك على المكاتب والمؤسسات الإعلامية بل يشمل أيضاً مكاتب الاتصال الحكومي ودوائر الاتصال المؤسسي لدى الجهات الحكومية.

وحددت منى المرِّي 4 نقاط تطوير رئيسية للإعلام المحلي، يأتي في مقدمتها افتقاد التنسيق المطلوب والتكامل اللازم لتوحيد الجهود المبذولة من مختلف الجهات الإعلامية على كافة المستويات، موضحة أن هذا الواقع يؤدي إلى تشتيت الجهود ويضعف الأداء، ما يؤكد ضرورة وجود آليات فعّالة للتنسيق الشامل ضمن استراتيجية إعلامية وطنية تشكل محوراً للعمل الإعلامي.

وأشارت إلى أن المحور الثاني الذي يحتاج إلى التطوير في المنظومة الإعلامية الإماراتية يتمثل في عدم كفاية الاستثمار في الكادر البشري الذي توليه القيادة الرشيدة أولوية مطلقة، كما أن الدولة تتمتع بوفرة في المواهب والخبرات المواطنة والعربية باعتبارها مركز جذب للعقول والكوادر البشرية المؤهلة في مختلف القطاعات والمجالات من كافة أنحاء العالم.

وأوضحت أن الاستثمار في تطوير الكوادر المواطنة لا يعني بالضرورة التوظيف التقليدي المباشر، بل يشمل تمكين الموهوبين والمبدعين الإماراتيين من أصحاب الشركات الناشئة والصغيرة من خلال منحهم تعاقدات تعزز أعمالهم وتدعم نجاحهم في عالم ريادة الأعمال، ولفتت في هذا الإطار إلى أن المكتب الإعلامي لحكومة دبي بادر مع بداية جائحة «كوفيد-19» إلى التعاقد مع شباب إماراتيين موهوبين في مجال العمل الحر(Freelance) ضمن تخصصات إعلامية متنوعة وذلك لدعم أعمال التغطية الإعلامية للجهود والعمليات الحكومية الضخمة التي انطلقت لمواجهة تداعيات الجائحة.

ولفتت رئيسة نادي دبي للصحافة إلى أن دعم هذه الفئة من الشباب ضروري للغاية وبحاجة لوجود خطة واضحة لدعمهم محلياً واتحادياً، خاصة مع تنوع اختصاصات رواد الأعمال التي تشمل التسويق وتصميم الغرافيكس والإعلان الرقمي وغيرها، وبالتالي فإن دعمهم يصب في إطار تطوير صناعة الإعلام أيضاً وهو ما لم يتم تحقيقه بالشكل المطلوب بعد.

أما المحور الثالث للتطوير وفقاً لمنى المرّي، فيتجسد في ضرورة تجديد المحتوى، إذ إن الإعلام المحلي لا يفكر تماماً خارج الصندوق ولا يزال محدوداً ضمن أطر البيانات الصحفية الرسمية الصادرة عن المكاتب الإعلامية ودوائر الاتصال المؤسسي لدى الجهات الحكومية، مشيرة إلى أن تجديد المحتوى الإعلامي يبقى دون المستوى المأمول.

وقالت المرِّي: إن تداعيات الجائحة أثرت سلباً على العديد من الخبرات والمواهب الإعلامية في المنطقة، وفي ظل ما تتمتع به الدولة من مكانة مرموقة بالنسبة للشباب العربي باعتبارها أرض الفرص وتحقيق الأحلام، فمن الضروري أن يبادر الإعلام الإماراتي إلى احتضان مثل هؤلاء الموهوبين وتقديم الفرص المناسبة لتوظيف أفكارهم الجديدة ومواهبهم بالشكل الأمثل بما يعزز قوة الإمارات الإعلامية على المستوى الإقليمي.

ورداً على سؤال حول آليات معالجة هذه التحديات وبناء الاستراتيجية المطلوبة للإعلام، أكدت منى المرّي، ضرورة إقامة حوار إعلامي داخلي بناء يحلل واقع وآفاق القطاع ويضع الحلول العملية والموضوعية، مشددة على ضرورة إشراك الشباب في هذا الحوار والاستماع لصوتهم والإنصات لأفكارهم بما يوفر الفرص المطلوبة للاستفادة منهم على أرض الواقع بالتزامن مع الاستثمار في العقول وتنمية المواهب وعدم التركيز فقط على الاستثمار في المنصات الرقمية، بل تهيئة الكوادر الشابة القادرة على التعامل مع هذه الوسائط بالطريقة المثلى ومواكبة مستجداتها.

محمد الريسي



خطوط عريضة



من جانبها، أوضحت منى بوسمرة، رئيس التحرير المسؤول لصحيفة «البيان» تعقيباً على ضرورة وضع استراتيجية إعلامية إماراتية متكاملة، أن السنوات الماضية شهدت العديد من اللقاءات الإعلامية الاستراتيجية على مستوى الدولة، وجلسات عصف ذهني للنقاش تم خلالها إعداد خطط ووضع مبادرات واستراتيجيات على مستوى متقدم، مشيرة إلى أن هذه المخرجات اليوم لا تزال حبيسة الأدراج.

منى بوسمرة متحدثة خلال الجلسة بحضور منى المري



وأكدت أن الشباب شاركوا في هذه الاجتماعيات بفعالية وتم تقديم أفكار عملية تناولت مختلف مجالات العمل الإعلامي بما يشمل الجانب الأكاديمي وجرت مناقشة طروحات ورؤى متنوعة للمستقبل، لكن هذه الجهود لم تترجم إلى نتائج ملموسة.



استراتيجية شاملة



بدورها، أشارت الدكتورة حصة لوتاه إلى أن عدم وجود استراتيجية شاملة يؤدي إلى حالة من التخبط في العمل الإعلامي، ومن هنا تبرز أهمية تطوير استراتيجية تتضمن المستهدفات الرئيسية وتحدد آليات التنفيذ العملية والمأمول فعلياً من الإعلام بما يشكل خطوطاً عريضة للمؤسسات الإعلامية في الدولة الحكومية منها والخاصة على حد سواء.

ولفتت لوتاه إلى أن الدولة حققت تقدماً في العديد من الميادين لكن إعلام الإمارات ما يزال يواجه العديد من التحديات، مشيرة إلى أن الدولة تتعرض لحملات إعلامية خارجية لا يتم الرد عليها بالشكل المطلوب، ودعت إلى تقييم عمل المؤسسات الإعلامية التي تفتقد آليات محددة لتقييم الأداء والمحتوى الإعلامي على غرار المؤسسات العاملة في القطاعات الأخرى، مؤكدة ضرورة وضع الضوابط والأطر التقييمية اللازمة في هذه المرحلة بالذات.
 

سامي الريامي



مفترق طرق


من جهته، أكد محمد الحمادي، رئيس جمعية الصحفيين الإماراتية، أن الإعلام الإماراتي يقف على مفترق طرق وبحاجة لبوصلة حقيقة واضحة وموجهة، مشيراً إلى أن الجائحة رغم ما جاءت به من تحديات إلا أنها أيضا حملت العديد من الدروس المستفادة للجميع ولم يكن الإعلام استثناءً، مشيراً إلى تأكيد القيادة الرشيدة الدائم أن التحديات تخلق الفرص، ما يستوجب الاستفادة من دروس وتحديات الجائحة.

وأوضح أن الإعلام المحلي بادر بتغيير الكثير من آلياته وأدواته وأسلوب عمله لمواكبة التغيرات والتحديات، مشيراً إلى أن الحديث عن الجائحة وشبكة الجيل الخامس وجهان لعملة واحدة، خاصة وأن التطرق إلى شبكة الجيل الخامس برز بقوة منذ بدء الأزمة الصحية عالمياً، وأشار إلى أن الإعلام بحلول عام 2024 سيكون بشكل مختلف تماماً مع تشغيل شبكة الجيل الخامس ما سيحدث تحولاً واسعاً في أدوات ومنصات الاتصال والتواصل، وبالتالي سيؤثر ذلك مباشرة على الإعلام وعلى المنتج الإعلامي، فهناك توقعات بأن صالة الإنتاج والمونتاج والتحرير ستكون جميعها متوافرة في جيب أي شخص عبر الهاتف الذكي، وبالتالي سيكون هناك جيل جديد ومختلف من الإعلاميين وكذلك من المؤثرين، ومن هنا يجب بحث جاهزية الإعلام الإماراتي والمؤسسات الإعلامية لهذا المستقبل الجديد ويجب التحرك بسرعة أكبر للاستعداد له.

ولفت الحمادي إلى أن القطاع، وبشهادة القيادات الإعلامية، ما زال متأخراً عن الركب مقارنة بباقي القطاعات في الدولة، وأضاف: علينا كإعلاميين ألا نقبل بذلك، فالأدوات موجودة ويجب تفعيل الخطط والاستراتيجيات التي تم وضعها في اللقاءات السابقة«.



جاهزية الإعلام



ورداً على سؤال حول جاهزية الإعلام المحلي للمستقبل، أكد حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة»الاتحاد«ضرورة تحديد المطلوب من الإعلام، مشيراً إلى أن وجود فوارق في القدرة على قياس مؤشرات الأداء في مختلف مجالات العمل الحكومي مقارنة بقطاع الإعلام.

حمد الكعبي

وأضاف:»من الضروري ألا يكون الإعلام مجرد رد فعل بل يجب أن يبادر بالابتكار وتقديم المحتوى الذي يليق بإنجازات الدولة وإيجاد استراتيجية واضحة ومعايير محددة، لكن من جانب آخر، فإن النجاح الذي حققته الدولة في مواجهة فيروس كورونا كان للإعلام دور مهم فيه خاصة ما يتعلق بجهود التوعية والتي أدت إلى ارتفاع الإقبال على التطعيم«.

ولفت إلى أن الإعلام كمهنة ستظل موجودة مستقبلاً لكن يجب تطوير أدواتها ومواكبتها وتأهيل الشباب للتعامل مع الوسائط الجديدة.



نموذج القطاع الخاص



بدوره، قال رائد برقاوي، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة»الخليج«: إن المؤسسات الحكومية تشكل ما يقارب 75 % من المؤسسات الإعلامية، ودعا إلى تحويلها إلى القطاع الخاص مع دعم حكومي محدود، مشيراً إلى أنه لم يعد هناك إعلام حكومي بالكامل في العالم، داعياً إلى ضرورة الخروج من الإطار التقليدي وتحويلها إلى مؤسسات تجارية وربحية خاصة قد تحتاج إلى دعم مادي في مراحلها الأولى، مشيراً إلى أن الإبداع يأتي بشكل رئيسي من القطاع الخاص بما يشمل الإعلام.

رائد برقاوي



ولفت إلى أن الإمارات تعتمد على الاقتصاد الحر والابتعاد عن الاتكال على الحكومة مع التأكيد على أهمية الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص.

وفي ظل نضوج الإعلام الإماراتي، رأى برقاوي، عدم وجود ضرورة للتوجيه والإشراف اليومي على غرار الدور الذي قام به المجلس الوطني للإعلام، لكنه أكد الحاجة إلى الطاقات الشابة في ظل تطور الأدوات والوسائل.

 وأضاف:» هل يصل صوتنا إلى العالم، بالتأكيد لا، فنحن نخاطب أنفسنا، وحدود الإعلام الإماراتي قد تصل إلى الدول العربية لكن صوتنا لا يصل إلى الخارج، إذ ينصب التركيز بشكل رئيسي على المحتوى العربي، حتى أن الصحف المحلية الإنجليزية تخاطب الداخل بشكل رئيسي.



تواصل مباشر

من جانبه، أشار مصطفى الزرعوني، مدير تحرير الشؤون الإماراتية في جريدة الخليج تايمز إلى وجود 13 صحيفة في الإمارات 8 منها صحف خاصة، ولفت إلى أن معظم الجهات الحكومية باتت لا تسمح للصحفيين بالدخول والتواصل المباشر، مؤكداً تقييم عمل الصحفي والمحتوى الحصري والخاص وعدم الاتكال على البيانات الصحفية المعلبة.

وأكد أن غياب الاستراتيجية الإعلامية أدى إلى أن إدارات العلاقات العامة في العديد من الهيئات الحكومية لا تتفاعل مع استفسارات الإعلاميين لتوضيح المعلومات الضرورية للجمهور، فالمجتمع بحاجة للمعلومات، وهنا لا تقع المسؤولية فقط على وسائل الإعلام بل على الدوائر الحكومية المعنية بالشأن العام.

ودعا إلى محاسبة الجهات الحكومية التي لا تتعامل بشفافية مع الإعلام، كما دعا الصحافة لإبراز عدم تعاون أي جهة بخصوص أي خبر يهم الرأي العام.



استقطاب المواهب

بدورها، قالت سارة الجرمن، مديرة القنوات العامة في قطاع الإذاعة والتلفزيون ومديرة تلفزيون دبي: إن هناك ضعفاً في مستويات استقطاب المواهب وتطويرها في وسائل إعلامنا المحلي، وهناك التزام بطرق تقليدية للعمل بعيداً عن التفكير خارج الصندوق وهو ما يحد من نجاحات إعلامنا المحلي.

 

لمتابعة تفاصيل أخرى؛ إقرأ:

ـــ قيادات إعلامية: إعلامنا الوطني داعم في وقت الأزمات

ـــ تصورات لتطوير استراتيجية إعلامية أثناء الأزمات

ـــ إسهامات المؤثرين والمأمول من منصات التواصل على طاولة نقاش

ـــ إعطاء الشباب فرصة لإبراز قدراتهم في المحتوى الترفيهي

ـــ توصيل معلومات صحيحة للمجتمع مسؤولية كبيرة

ـــ المشاركون في المنتدى يستعرضون قضايا الإعلام المحلي