تشهد العلاقات الإماراتية ـ الهولندية، تطوراً ونمواً كبيرين خلال السنوات الماضية، تمثلت في توسع الزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين، والتي تُرجمت إلى توقيع سلسلة من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات، كما تجسدت في حرص الشركات الهولندية التي تزيد على 250 شركة تعمل في مختلف القطاعات للوجود والمشاركة في المعارض الاقتصادية والتكنولوجية التي تُقام في الدولة، وفتح قنوات جديدة للتعاون الاقتصادي والاتجاري والصناعي والتقني.
ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الثنائية في عام 1972، استمرت العلاقات قوية ومتوازنة بين البلدين الصديقين، تقوم على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، سرعان ما تطورت وتنامت وازدهرت بشكل ملحوظ في شتى المجالات.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والمملكة الهولندية في عام 1972، بعد تأسيس اتحاد دولة الإمارات، حيث عينت المملكة الهولندية أول سفير لها غير مقيم في 24 مايو 1972، وعينت دولة الإمارات أول سفير لها غير مقيم في عام 1973.
وافتتحت هولندا سفارتها في أبوظبي في عام 1977، وعينت أول سفير مقيم في عام 1987، وظل التمثيل الديبلوماسي الإماراتي في هولندا، يعتمد على السفراء غير المقيمين حتى عام 2002، حيث تم افتتاح سفارة دولة الإمارات في لاهاي رسمياً، يوم 10 سبتمبر 2002، وقدم علي ثاني السويدي أوراق اعتماده سفيراً مقيماً للدولة لدى المملكة الهولندية في نوفمبر 2003.
علاقات تاريخية
ويعود تاريخ العلاقات بين البلدين إلى مئات السنين، حيث يرجع تاريخها إلى مرحلة الاكتشافات الهولندية في القرن الخامس عشر والسادس عشر، حيث اعتبرت سواحل دولة الإمارات، نقطة تزود السفن الهولندية بالمؤن، في طريقها إلى الهند وسواحل إندونيسيا.
أما تاريخ علاقات البلدين المعاصر، فيعود إلى مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي، حيث عملت شركة «شل» على توقيع عدد من العقود للتنقب عن النفط في إمارة أبوظبي، واستمرت هذه العلاقة، بعد تأسيس دولة الإمارات، تبعها زيادة حركة التجارة بين البلدين، والدخول في مشاريع اقتصادية واستثمارية.
وتعد الشركات الهولندية اليوم، من أكبر العاملين في التجارة والصناعة، وخاصة في مجالات النفط والغاز والموانئ، وبناء الجزر واستصلاح الأراضي الزراعية في دولة الإمارات، أما استثمارات دولة الإمارات في هولندا، فتشمل قطاع الطاقة والموانئ وقطاع الطيران، حيث تعمل شركة طيران الإمارات وطيران الاتحاد، بالتعاون مع شركة الطيران الهولندي KLM، على ربط البلدين بـ 4 رحلات يومية بين أمستردام ودبي، وأبوظبي.
وتعد دولة الإمارات، ثاني أكبر شريك تجاري لهولندا على المستوى العربي، حيث تستحوذ على 16 % من إجمالي تجارتها مع الدول العربية، بينما تعد هولندا أحد أهم مصادر واردات الإمارات من السلع الغذائية ومصنوعاتها، وتستحوذ على أكثر من 15 % من إجمالي تجارة الإمارات مع دول القارة الأوروبية من هذه السلع.
سياحة واستثمار
بالنسبة لهولندا، تعتبر الإمارات شريكاً تجارياً مهماً في المنطقة، حيث توجد شركات مثل Royal Dutch Shell وFriesland Campina Rainbow في أبوظبي، منذ 60 عاماً أو أكثر، قبل فترة طويلة من افتتاح هولندا لأول سفارة لها في الإمارات عام 1977.
وساهمت الشركات الهولندية بقدر كبير في بعض معالم الإمارات، على سبيل المثال: شيدت شركة الجرف «ڤان أورد» جزيرة النخيل الشهيرة في دبي، وشيدت شركة «بوسكاليس»، شركة التجريف الهولندية ميناء خليفة في أبوظبي، وتم بناء ملعب هزاع بن زايد في العين من قبل بام إنترناشيونال الهولندية، وقامت شركة الجيوتقنية «فوجرو»، على سبيل المثال، بأبحاث التربة لبرج خليفة.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالاستدامة، لدى كلا البلدين أهداف طموحة لمزيج الطاقة في المستقبل، لذا، فإن مجالات مثل كفاءة الطاقة، والطاقة المستدامة، والزراعة المستدامة، أو إدارة المياه، أو إعادة استخدام النفايات، توفر فرصاً كبيرة للتعاون.
توسع
واجتذب التوسع السريع في اقتصاد الإمارات وتنويعه، ومناخ الأعمال، عدداً كبيراً من رواد الأعمال الهولنديين إلى الدولة، والجدير بالذكر، أن هناك أكثر من 250 شركة هولندية تعمل في الدولة في صناعة النفط والغاز والزراعة والطيران والبنية التحتية والتجريف.
وهناك نوعان من النوادي الاجتماعية الهولندية «Nederland's Vereeniging» في دبي، و«Dutch in Abu Dhabi» في أبوظبي، وهم ينظمون التجمعات الاجتماعية والبطولات الرياضية، مثل المسيرات الصحراوية، كما أنها تساعد الهولنديين الذين انتقلوا للتو إلى دولة الإمارات، وهناك مجلسا أعمال هولنديان، كلاهما نشط للغاية: مجلس الأعمال الهولندي في دبي، ومجلس أعمال البنلوكس في أبوظبي، يوفر كلا المجلسين منصة لشركات الهولندية للالتقاء، ومناقشة فرص العمل، ويساعدان الوافدين الجدد إلى السوق، في التواصل مع نظرائهم الإماراتيين.
يذكر أن جناح مملكة هولندا في معرض «إكسبو 2020 دبي»، يتخذ شعار حلول مستدامة من وحي الابتكار الخلاق، هو مبنى ذكي يزخر بالحلول المستدامة، يتم فيه إنتاج المياه والطاقة والغذاء، من خلال حلول مبتكرة، تشمل مزرعة عمودية مخروطية الشكل، تظهر كيفية التكامل بين الماء والطاقة، ويقام الجناح الهولندي في منطقة الاستدامة باستخدام مواد محلية، تتم إعادة تدويرها بعد انتهاء إكسبو، لتقليل البصمة البيئية.
وتعمل في دبي ما يزيد على 140 شركة هولندية في مجالات مختلفة، وتشعر بالاستقرار والطمأنينة، سواء على صعيد السلامة الصحية، أو مزاولة الأعمال، خصوصاً في ظل التحديات التي فرضها التفشي العالمي لفيروس «كورونا» المستجد كوفيد 19، بحسب هانس ساندي القنصل العام لمملكة هولندا في دبي، ونوه بأن حجم التبادل التجاري بين دبي وهولندا، قفز بنسبة 56 % خلال عشر سنوات «2011-2020»، ليرتفع من 5.5 مليارات درهم في 2011، إلى 8.6 مليارات درهم في 2020.
التعاون الثقافي
تنوعت المشاركات الثقافية بين الدولتين، حيث تعمل سفارة الدولة في لاهاي، على تعريف الشعب الهولندي بعادات وتقاليد المجتمع الإماراتي المتسامح، وذلك من خلال عدة فعاليات، تنظمها وتشارك بها السفارة داخل مملكة هولندا، مثل المشاركة في مهرجان السفارات كل عام، والذي يتم من خلاله تقديم مأكولات ومشروبات وعرض صور وملابس، تعكس التراث الإماراتي الثري.
وتؤكد الدكتورة حصة عبد الله أحمد العتيبة سفيرة الدولة لدى هولندا، أن العلاقات القوية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة الهولندية، على مدار الخمسين عاماً الماضية، شهدت نمواً في شتى المجالات، وخاصة على المستوى الاقتصادي والتجاري والاستثماري، وهي مرشحة للمزيد من التطور والنمو، خاصةً في ظل توفر الرغبة والإرادة المشتركة للبلدين الصديقين بتعزيزها، ووجود العديد من الفرص والمجالات التي تعمق علاقات التعاون الثنائي.
وأضافت في كلمة على موقع السفارة الرسمي «نحن على قناعة أن التطوير المستمر، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية بين دولة الإمارات والمملكة الهولندية، هو مفيد لكلا البلدين».
المشاورات السياسية
وتعمل لجنة المشاورات السياسية بين دولة الإمارات وهولندا، على تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وجرى خلال المشاورات التي عقدت افتراضياً في أغسطس عام 2020، استعراض تجربة البلدين في مكافحة (كوفيد 19)، وجهود دولة الإمارات الإنسانية في هذا الصدد، ومساعداتها للدول المتضررة، وأهمية التضامن والتعاون الدولي في محاربة فيروس «كورونا» المستجد، كما جرى استعراض تطور العلاقات الثنائية، والتعاون المشترك بين البلدين، وسبل تعزيزها، وتناول الجانبان المستجدات والتطورات الإقليمية والدولية الراهنة، ومواقف الطرفين إزاءها.
وتنظم دولة الإمارات ومملكة هولندا «الأسبوع الإماراتي - الهولندي»، في الفترة من 30 مايو حتى 5 يونيو 2021، وذلك في إطار تعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين البلدين.
ويأتي تنظيم الأسبوع الإماراتي- الهولندي، بمناسبة احتفال البلدين بمرور خمسين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، فضلاً عن الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات.