تصادف غداً، السابع من أكتوبر، ذكرى وفاة المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وتعد المناسبة محطة لاستذكار مسيرة الخير والرخاء والأمن والاستقرار.
فالمغفور له بإذن الله، الشيخ راشد، باني نهضة دبي، رحل قبل 31 عاماً عنا مخلفاً وراءه قلوباً عامرة بمحبته، وإرثاً عظيماً من الإنجازات والمكتسبات، وبصمات في مختلف القطاعات الحيوية في دبي التي وضع اللبنة الأولى في بنائها، ورسم خريطة طريق لتميزها وريادتها العالمية التي هي عليها الآن، فكان تركيزه، رحمه الله، على بناء الإنسان، والاستثمار فيه، وخدمة شعبه ووطنه، وتحقيق الخير والرخاء لهم واستغلال الإمكانات والفرص المتاحة له في ذلك الوقت من أجل التخطيط لحاضر ومستقبل الإمارة التي أصبحت اليوم مدينة عالمية بكل امتياز ومحط أنظار واهتمام الباحثين عن الريادة والتقدم والازدهار.
قاد المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، مسيرة التخطيط والبناء في دبي في وقت مبكر، بنظرة ثاقبة تستشرف المستقبل، فكان قائداً استثنائياً، اهتم بإنشاء البنى التحتية التي تمثل أهم عامل نجاح لجميع القطاعات مثل التجارة والصناعة والسياحة والاستثمار، سواء كانت الطرق، أو الجسور، أو المطارات، أو الموانئ التي أصبحت بمقام بوابات واسعة لتدفق المستثمرين والسياح والباحثين عن العمل والإقامة، فكان يفكر في حاضره في ذاك الوقت، وعينه على مستقبلنا اليوم وغداً، حتى غدت رؤيته في العمل والتخطيط مدرسة، ومنارة تستلهم الأجيال منها مبادئ التميز والتغيير والتطوير مثلما بقيت نبراساً تقتدي بها الأجيال حتى يومنا هذا.
انتقل الشيخ راشد، رحمه الله، إلى جوار ربه في السابع من شهر أكتوبر عام 1990 الموافق الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام 1411هـ عن عمر ناهز 78 عاماً، قضاها، رحمه الله، في خدمة أمته ووطنه ومواطنيه، وبذل فيها كل ما يملك من طاقة في سبيل تحقيق الخير والرخاء والأمن والاستقرار، وفي عزائه قال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيب الله ثراه»:
راشد كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لا يعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا، بل سيبقى - رحمه الله - خالداً في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال، بالأمس كان المغفور له أباً للشيخ مكتوم وإخوانه، واليوم أنا أبوهم وعوضهم فيه وهم عوضي أنا في أبيهم، كما أنهم عوض شعب دولة الإمارات العربية المتحدة بما عرفته وعرفه هذا الشعب منهم من حب وحرص وتفانٍ في خدمة هذا الوطن.
مدرسة
وقال عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في تقديم سموه لكتاب: «مشاهد من فكر وحياة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم»، لمؤلفه المستشار إبراهيم بو ملحة: لقد كان الشيخ راشد مجموعة رجال في رجل واحد يملك إرادة وعزيمة وفكراً، ورؤية وطموحاً.
ولقد تعلمت شخصياً منه، ومن خلال مجلسه وتوجيهاته ما لم يكن ليحصل شيء من ذلك لولا قربي منه وحرصه على أن يزرع بين جنبي تلك الميزات والصفات التي كان عليها رحمه الله، إن دبي لتدين بما تحقق فيها من إنجازات للشيخ راشد بما لم يكن لحاكم قبله أن يقوم بما قام به من الإنجازات والنجاحات في مجال البناء والتنمية في المجتمع، ولك أن تعدد ما تحقق من هذه المشاريع العملاقة، لتكتشف أنها من فكر وصنع وقرار الشيخ راشد وحده.
كما قال سموه عنه في كتابه «قصتي»: «دروس راشد بن سعيد لا تنتهي. كان مدرسة، وكان معلماً، وكان حاكماً، وكان أباً للجميع».
وقال أيضاً في الكتاب: «تعلمت من راشد، منذ نعومة أظفاري، أن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً، والأقدر على تنفيذ المشاريع بكل كفاءة، تعلمت من راشد، أن كل درهم في دبي، له قيمة كبرى، ولا يتم صرفه إلا في مكانه الصحيح. ثقافة الحكم التي رسخها راشد بن سعيد، هي ثقافة تقوم على صرف المال بحكمة، والابتعاد عن التبذير الحكومي، أياً كان شكله». وعن رحيله، قال سموه: «برحيل الوالد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، تصدعت كثير من القلوب، وإنه في السابع من أكتوبر 1990، رحل عن دبي والدها ومهندسها، والذي كان سبباً في وجود الوطن».
وذكر سموه في تغريدة، عبر حسابه في «تويتر»: «في مثل هذا اليوم، السابع من أكتوبر 1990، رحل راشد بن سعيد آل مكتوم.. رحل عن دبي والدها ومهندسها.. تصدعت برحيله الكثير من القلوب، لم يصدق الكثيرون أن من كان أباً لهم قد رحل.. أصعب رحيل، هو رحيل الوالد.. يجعلك يتيماً.. لأنه كان سبباً في وجودك.. في حياتك.. في نجاحك.. سبباً في وجود وطنك».
مصلحة الوطن
ولد المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، في إمارة دبي، عام 1912، ونشأ في بيت والده، الذي اشتهر بالورع والزهد والتقوى، والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين، وسعة الصدر والحلم، والخلق النبيل، كما نشأ «رحمه الله»، في كنف والدته الشيخة حصة بنت المر، التي كانت لها مكانة خاصة في قلوب الناس، لما عُرف عنها من تسامح وطيبة قلب، وقد لقبت بـ«أم دبي»، فتشرّب، طيب الله ثراه، منذ نعومة أظفاره كل هذه الخصال الطيبة، والسجايا الحميدة، المستقاة من أصيل الثقافة العربية الإسلامية.
تميز منذ صغره بتواضعه ونباهته ولين معشره ودماثة خلقه، فأحبه الجميع، إذ عرف عنه كذلك أنه كان شاباً مثابراً فضولياً في البحث والمعرفة والاطلاع، وكان مسكوناً بحب رياضة الصيد بالصقور، وركوب الهجن والخيل، والرماية. أما حكمه لدبي، فقد حكم المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، هذه الإمارة خلفاً لوالده، من عام 1958 إلى 1990.
وهو الحاكم الثامن لها، وكان يشارك والده في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939، وكان يراقب من كثب كيفية حكمه للناس، فتعلم أصول الحكم الرشيد، الذي يستمع فيه الحاكم لجميع المحكومين، ويعطي الحرية لكل المواطنين، وأثبت جدارته في تحمل المسؤولية، وامتدت سنوات حكمه 32 عاماً، تطورت فيها دبي، ونمت نمواً سريعاً في كل المجالات.
نمو وازدهار
وشهدت دبي، في فترة حكمه، نمواً وازدهاراً وطفرة تنموية شملت جميع القطاعات، وكل ذلك ببصيرة نافذة متمكنة من قراءة مستقبل الإمارات عموماً ودبي خصوصاً، وثقة كبيرة بقدرته على تحويل طموحات وأحلام مواطني الإمارة إلى واقع ملموس، لا يختلف اثنان اليوم على قوة هذا النموذج، وقدرته على الإبهار والتأثير والتغيير بالرغم من بساطة الإمكانات في ذلك الزمن قياساً بالتطور الذي يشهده العالم عموماً والإمارات خصوصاً على أكثر من صعيد، والحديث هنا عن التطور التكنولوجي والثورة الرقمية التي انعكس مفعولها على قطاع الخدمات والتجارة والصناعة والإنشاء وغيرها من القطاعات المهمة واللازمة لتقدم أي دولة.
ومما لا شك فيه أن رؤية المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، عبدت الطريق لدفع عجلة التنمية في دبي والتي وضعتها في خريطة العالم التنافسية في المجالات التنموية كافة.
وكان المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رجل دولة وسياسة بامتياز، أحد رموزها ورواد وحدتها وقوتها، امتازت شخصيته بالعفوية والبساطة والتواضع، وأجمع أبناء الوطن على محبته والالتفاف حوله قيادته بعد أن أزال، طيب الله ثراه، جميع الحواجز بينه وبينهم، وكان يعد نفسه أباً ومعيناً لهم، ومسؤولاً عن توفير الحياة الكريمة والعزيزة لهم، وكذا الأمن والاستقرار والرخاء، كما ربطته علاقات أخوية متميزة بجميع حكام منطقة الخليج العربي.
شخصية مؤثرة
يعد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، من الشخصيات المؤثرة في دولة الإمارات، إذ توافقت رؤيته مع رؤية إخوانه حكام الإمارات، في ضرورة قيام اتحاد بين الإمارات، التي تجمعها سمات مشتركة، تمثلت بوحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية، وعمل مع رفيق دربه، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانهما حكام الإمارات، على تأسيس الدولة.
ففي الفترة ما قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، عمل المغفور لهما، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراهما، يداً بيد، لتحقيق حلم الوحدة، الذي صار حقيقة واقعة، بالإعلان عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتّحدة، في عام 1971.
إعلاء لمصالح الإمارات وقضايا الأمتين العربية والإسلامية
حرص الشيخ راشد بن سعيد، طيب الله ثراه، على مصالح الإمارات وقضايا أمتيه العربية والإسلامية إيماناً منه بعدالة قضاياها، فقد عارض بقوة احتلال إيران جزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وقدم مذكرات عديدة للمسؤولين الإيرانيين وأصدر بيانات بانتظام بهدف إبقاء هذه القضية حية في أجهزة الإعلام والمحافل الدولية ولدى الجماهير.
وكان الشيخ راشد داعماً للعديد من المشروعات فقدم المساعدات المالية لبناء المستشفيات والمساكن في الضفة الغربية وقطاع غزة وإفريقيا وآسيا.
وساهم الشيخ راشد بعد توليه منصب نائب رئيس الدولة ورئاسة مجلس الوزراء، في التطوير العمراني والنهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات في بداياتها من بناء المرافق العامة والبنى التحتية، وحرص على تقوية العلاقات بدول الخليج والدول الأخرى وبرزت اهتماماته في مناقشة قضايا أمته وشعبه العربي والإسلامي، وأبرزها قضية احتلال الجزر الثلاث «طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى»، والقضية الفلسطينية والحرب العراقية الإيرانية، ودعا إلى إنشاء مجلس يضم دول الخليج العربي.
مواقف وطنية
وتميز المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بمواقفه الوطنية من القضايا العربية، ومن أقواله في ذلك: «سنستمر في تقديم المساعدات للفلسطينيين، وذلك لأننا نؤمن بأن قضيتهم عادلة، وهذا من واجبنا»، و«قررنا وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية، وسنقوم بالإجراء نفسه ضد أي دولة تتخذ الموقف الأميركي نفسه إزاء قضيتنا العادلة».
ومن أقواله أيضاً: «نتابع باهتمام كبير أنباء القتال الذي يخوضه إخوان لنا على الجبهتين المصرية والسورية في سبيل تحرير أرضنا المحتلة وكرامة أمتنا وعزتها، ودولة الإمارات تضع كل طاقاتها ومواردها كافة في خدمة هذه المعركة». وكانت الأعمال الإنسانية، حاضرة في فكر ونهج الشيخ راشد بن سعيد، ويسجل التاريخ، العديد من الأعمال الإنسانية التي قام بها، كما رعى المغفور له بإذن الله العديد من المشروعات الخيرية.