أوصى المشاركون في مؤتمر تجديد الخطاب الديني الذي نظمته جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، واختتم أعماله أمس تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، بإنشاء برامج علمية للخطاب الديني الأمثل والأقوم.

وتقدموا بجزيل الشكر وخالص الامتنان لدولة الإمارات العربية المتحدة على استضافة المؤتمر هذا الاحتضان المعهود منها من التكريم والإكرام، وعبروا عن أسمى مشاعر العرفان لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإلى أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات.

مشاركون

وهنأ المشاركون في المؤتمر جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بنجاح مؤتمرها العلمي الأول الذي عقد برئاسة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي رئيس المجلس الأعلى للجامعة، وشارك فيه نخبة من القيادات الدينية، وعلماء الدين، ورجال الفكر، والخبراء والمتخصصون من داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وخارجها، وناقشوا على مدى يومين أهم الإشكالات المتعلقة بالخطاب الديني.

وثمن البيان الختامي جهود الإمارات العربية المتحدة، في نشر ثقافة السلم والتعايش والتسامح ضمن مجتمع التنوع والتعددية في هذا العالم، وتفاعلاً مع السياقات الراهنة التي تفرض نفسها على الإنسان، حيث تداخلت وتمازجت الخطابات التي تنسب نفسها إلى الدين منطلقاً ومرجعية، وسعياً إلى استعادة الدور الإيجابي للدين بمفهومه في الفضاء العام.

واعتباراً للحاجة الماسة إلى إيجاد فهم مشترك لضبط الخطاب الديني وفق معايير تراعي مضامينه وخصوصياته وتأثيره المباشر على حياة الناس، وتتجنب الغلو والتطرف وتسهم في إيصال الفهم الصحيح لقيم ومبادئ الدين الحنيف.

وأضاف البيان «جاء هذا المؤتمر لتعزيز الوعي بأهمية الخطاب الديني في الدعوة إلى الحياة، والإعلاء من شأن الإنسان في كل مكان، وترسيخ مبدأ الأخوة الإنسانية، وإشاعة روح ركاب السفينة الواحدة، لما ينتج عن هذا المبدأ وهذه الروح من ثمار إيجابية تجنيها الإنسانية كلها، انطلاقاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها».

نقاش

وأشار البيان إلى أن المشاركين ناقشوا على مدى يومين الإشكالات المتعلقة بالخطاب الديني، وذلك في إطار قيام جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بدورها الثقافي والفكري في المجتمع إلى جانب رسالتها العلمية والأكاديمية وخلصوا بعد تبادل الحوارات ووجهات النظر المتعددة إلى ما يلي:

إن راهنية الحديث عن التجديد وأهميته نابعة من كونه موضوعاً يرشحه الوضع، وحاجة يثيرها الواقع، فالتجديد وإن كان مطلوباً في كل وقت وحين، فهو في هذا الوقت أوجب والحاجة إليه أشد، فقد طرأت مستجدات وحالت أحوال وحدثت متغيرات كثيرة، جعلت البحث عن إعادة الربط والمواءمة بين الخطاب الديني، بقواطعه واجتهادياته، وبين الواقع بكلياته ومغيراته، أمراً ضرورياً، وتحدياً ملحاً.x وإن موجبات الانتهاض لمهمة التجديد ما هو مشهود من أخلال خطيرة حاقت بالخطاب الديني اليوم، حتى غدا في كثير من مظاهره جزءاً من الثقافة المأزومة الضاربة بطنبها على الأمة، الصارفة لطاقاتها في قنوات العدم الذي لا ينتج إلا عدماً.

وأتاحت ظروف الجائحة العالمية «كوفيد-19» فرصة لاستئناف محاولات تجديد الخطاب الديني، في ضوء ما استشعره العالم من خطر الوباء الذي هدد الأرواح، وأشعر البشرية حقيقة ضعفها، وذكرها بوحدة مسارها ومصيرها، وأن شعوبها جميعاً كركاب سفينة واحدة، ارتهنت نجاتهم بسلامتها، وإن تباعدت بهم الأقطار.

وثانياً مفهوم تجديد الخطاب الديني: إن التجديد عبارة عن فعل متعد تظهر تجلياته من خلال متعلقاته، فبقدر ما يتسع متعلقه وتتعقد علاقته وتتشعب أدوات الفعل وإمكانات الانفعال تنفسح مساحات المدلولات. كما أن تجديد الخطاب الديني باعتبار عموم مفهوم الدين وكونيته، يلج كل مجالات الحياة، بالمعنى الواسع الفسيح الذي يجعل كل نشاط إنساني موزون بميزان القيم ومصالح العباد - منتمياً من الدين.

تجديد

وأن التجديد في النسق الديني هو المقابل الوظيفي للتنوير في النسق الحداثي، فكلاهما عبور إلى عالم جديد، وتفكير يهدف إلى نفض غبار التخلف وصدأ الإهمال، فيلتقيان في السؤال والمساءلة والنقد بمعناه الإيجابي، المراجعة والتقييم، إلا أنهما يختلفان في المرجعية والوسائل. وثالثاً: موجبات وسياقات تجديد الخطاب الديني فإن لكل عصر جملة من التحديات يفرزها الواقع ويفرضها على المعنيين بمسؤولية التوجيه والقائمين بأعباء الترشيد، من علماء ذلك العصر، ارتباطاً بالسياقات الزمانية والمكانية.

وأن من أهم مشكلات العصر الحاملة على التجديد، فقد الانسجام بين الضمير الديني والواقع المجتمعي أو التساكن السعيد بين كلي مقتضيات الزمان وكلي الشريعة والإيمان.

ورابعاً: مقاصد تجديد الخطاب الديني، فإن التجديد يسعى إلى المصالحة والمواءمة بين العقل والدين، فالتجديد يعيد برمجة العقول للتفكير الإيجابي من خلال تأويلات الخطاب الديني بتفعيل مفاهيم المصلحة والحكمة والعدل والرحمة. إن التجديد في الشريعة ربط واصب بين منظومة النصوص ومنظومة المقاصد ومنظومة الواقع، وإيجاد معادلات ومرتكزات جديدة تنشئ فكراً خلاقاً مستوعباً ومضيفاً متجاوزاً الاستجابة والتكيف إلى الاختراع والإبداع، والأخذ والعطاء، والشراكة الحضارية والندية.

إن استنطاق سياق النزول، سيمكن من بناء كلي للزمان القديم، يقابله كلي للزمان المعاصر. وخامساً: خصائص الخطاب الديني المنشود، إن الخطاب الديني الذي نرنو إليه موصوف بأنه: خطاب منضبط ومستوعب استيعاباً كاملاً للتراث، قادر على استثمار الإمكانات المتاحة فيه ولا سيما في أصول الفقه بوصف المنهجية المثلى المقننة والموجهة للاجتهاد وأداة تفعيل آلة التفكير والتدبر.

وسادساً، مداخل تجديد الخطاب الديني المنشود، فقد رصد المشاركون في المؤتمر 4 مداخل لتجديد الخطاب الديني، أولها: المدخل القيمي، أما المدخل الثاني فهو المدخل المفهومي المؤثر في تجديد الخطاب الديني، والمدخل الثالث: مدخل العلوم الإنسانية، والمدخل الرابع: المواثيق والإعلانات والتحالفات.

دعوة

دعت التوصيات الختامية ليكون مؤتمر تجديد الخطاب الديني سنوياً تحتضنه رحاب جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية باعتبارها صرحاً أكاديمياً رائداً في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي توجها ووسائل ومقاصد، وتكوين لجان دائمة تشمل متخصصين في الدراسات الدينية والروحية والفلسفية والإنسانية، وكل المجالات ذات الصلة، لرصد كل مستجدات الواقع التي تحتاج بحثاً ودراسة وحفراً معرفياً وتأصيلاً منهجياً وتأطيراً دينياً لدعم جهود الإنسانية في تعزيز السلم العالمي.