شراكة في القيم والأهداف، علاقة عميقة ومتشعبة تشمل كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والإعلامية، دعم متبادل وغير مشروط.

كل ذلك «عنوان رئيس» لنصف قرن مضى، على العلاقات بين الإمارات ومصر، تعززت فيه «الشراكة الاستراتيجية الكاملة». هي منهج وخريطة طريق لخمسن عاماً مقبلة لبلدين كليهما يشكلان «الكتلة الحرجة» للأمن والاستقرار والسلام في المنطقة العربية والشرق الأوسط. رؤيتهما واحدة نحو «تهدئة التوترات»، و«تبريد الصراعات»، كما أن اكتشاف الفرص والنظر إلى المستقبل وقبول الآخر «أدوات مشتركة» يعمل من خلالها البلدان الشقيقان.

إنها العلاقة المتفردة في الشكل والمضمون، والتي أصبحت نموذجاً يحتذى به في العلاقات بين الدول، والتي تقوم على العمل بقوة من أجل مواجهة «التحديات المشتركة»، وصنع مستقبل يليق بالشعبين الإماراتي والمصري.

«الكيمياء المشتركة»، التي تربط قيادتي البلدين شكلت على الدوام «حائط صد» لحماية الأمن القومي العربي، فمصر والإمارات كانتا دوماً «الرافعة السياسية» للعمل العربي المشترك، وتعزيز «المناعة العربية»، بهدف الحفاظ على المقدرات العربية، من خلال تعزيز الصوت العربي الواحد، ولهذا شكلت مصر مع الإمارات «القلب الصلب» و«محور التفاعلات» الإيجابية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

دلالة الأرقام

«الأرقام لا بد أن تترك لك علامة على الباب»، ومن يدقق في الأرقام، التي تجمع مصر والإمارات، يتأكد له أن العلاقة بينهما ليست كأي علاقة أخرى.

فمصر من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الإمارات، كما دعمت انضمامها لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وكل المنظمات الدولية الإقليمية فور الإعلان عن تأسيس الدولة في 2 ديسمبر 1971، وكان هذا تعبيراً عن الامتنان المصري لحب وعشق المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

هذا التاريخ المشترك يتجسد حالياً، حيث عقدت العديد من اللقاءات بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ تولي السيسي رئاسة مصر في 7 يونيو 2014، ما يؤشر على عمق العلاقات بين البلدين. كما أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هو الزعيم العربي الوحيد، الذي شارك الرئيس السيسي في افتتاح القواعد العسكرية المصرية الثلاث، «محمد نجيب»، و«برنيس»، و«3 يوليو».

السر الأول، الذي يقف وراء تفرد العلاقة المصرية- الإماراتية هو «القواسم المشتركة» و«القيم الواحدة»، التي تجمع القيادتين والبلدين، فمصر والإمارات لديهما رؤية واحدة في الوقوف على مسافة واحدة من الإنسان.

فالتسامح وقبول الآخر التي تتمتع بها الإمارات يعرفه الجميع، وهو ما دفع مواطني نحو 200 جنسية للحياة والعمل في الإمارات، وهو نفس القاسم المشترك، الذي يؤكده الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي دعا «لثورة تصحيحية» ضد كل التفسيرات الدينية الخاطئة، ودائماً ما يدعو للتسامح وقبول الآخر.

كما تتفق الإمارات ومصر على ضرورة دعم مؤسسات الدولة الوطنية، واحترام القانون الدولي، وحل الخلافات بين الدول بالطرق السياسية والسلمية، وعبر طاولة الحوار، وهو الأمر الذي جعل من التعاون المصري- الإماراتي «قوة استقرار» في المنطقة العربية والشرق أوسطية، فالبلدان لديهما رؤية مشتركة، تقوم على أن «الاستثمار في الاستقرار» هو أفضل طريق لبناء المستقبل العربي.

كما تتقاسم الإمارات ومصر العمل بقوة وبمنهجية متكاملة في محاربة الإرهاب والأفكار الظلامية والمتطرفة، فكلا البلدين لديه رؤية متشابهة في محاربة الإرهاب تبدأ من محاربة الأفكار الخاطئة، مروراً بتجفيف مصادر تمويل التنظيمات والجماعات الإرهابية، وصولاً إلى التعاون الكامل من أجل هزيمة ودحر الإرهاب والقضاء على الإرهابيين.

شراكة اقتصادية

منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة قبل 5 عقود، كانت المشروعات الاقتصادية المشتركة ركيزة أساسية في تنمية العلاقات بين البلدين، فخلال العقد الأول من العلاقات الثنائية، وفي عام 1973 تم توقيع اتفاقية للتعاون العلمي والتقني في المجالات الزراعية، وفي عام 1976 تم افتتاح مدينة الشيخ زايد في محافظة الإسماعيلية.

حيث قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، ببناء 4500 وحدة سكنية، وفي العقد الثاني (من 1981 - 1991) أسس البلدان «اللجنة العليا المشتركة»، وفي العقد الثالث (1991 - 2001) تم تأسيس «مجلس الأعمال المصري- الإماراتي» الذي لعب دوراً كبيراً في اكتشاف الفرص الاستثمارية والتجارية بين البلدين.

بينما في العقد الرابع (من 2001 - 2011) أخذت العلاقات بين البلدين الطابع الاستراتيجي، وتم توقيع اتفاقية حول «الآلية المشتركة للتشاور السياسي» عام 2008، وشهد العقد الخامس من العلاقات بين البلدين الإعلان عن مشروعات عملاقة.

ليس هذا نهاية المطاف، ففي المستقبل تنتظر البلدين مجالات واعدة مثل إنشاء مراكز الخدمات الحكومية المتميزة، وتعزيز ثقافة الابتكار، والتعاون في إطار صندوق مصر السيادي.

حيث تأتي المنصة الاستراتيجية المشتركة بين صندوق مصر السيادي، وشركة أبو ظبي القابضة، ضمن أهم الفرص الواعدة للاستثمار المشترك، والتي تمت تحت مظلة البروتوكول الموقع في 2019 لضخ استثمارات تصل إلى 20 مليار دولار.

30 يونيو

لا يمكن للشعب المصري أن ينسى وقوف الإمارات وقيادتها مع مصر، خلال نصف قرن، فعلى سبيل المثال، شكّل الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الإماراتي للشعب المصري في ثورة 30 يونيو، «العلامة الكاملة» في نجاح الثورة المصرية، وهو ما أشار إليه الرئيس السيسي في مناسبات عديدة، حيث قال:

إن «سفن النفط التي كانت في البحر، كانت تغير مسارها وتأتي إلى مصر، ومن دون مقابل»، وكانت الكهرباء تقطع عن غالبية البيوت المصرية قبل ثورة 30 يونيو، لذلك، كان دعماً شعر به كل مواطن وبيت في مصر، كما أن الدبلوماسية الإماراتية المعروف عنها نشاطها وحيويتها وفاعليتها، نجحت مع باقي الأشقاء العرب، في تعديل مواقف دول كبرى كانت تعادي مصر، وتقف ضد إرادة شعبها.