حلم الإمارات الفضائي الذي بدأ منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وبلغ أوجه بوصول الدولة عبر «مسبار الأمل» إلى مدار المريخ، ووضع اللمسات الأخيرة للوصول إلى القمر عبر المستكشف راشد، يدلل كله على دولة وقيادة وشعب أصحاب طموحات وهمة تلامس النجوم، بيد أن كل هذا يتطلب مواكبة العمل بجهود ملموسة في قطاع التعليم.

وخصوصاً في الجامعات لإعداد كوادر وطنية تقود القطاع لما تصبو إليه الدولة، وهو ما أكده أكاديميون لـ«البيان»، مشيرين أنه على الجامعات في الدولة استحداث برامج جديدة وتطوير البرامج الحالية التي تدرس في علوم الفضاء حتى تواكب المشاريع الفضائية العملاقة التي تطلقها الدولة، في حين أكدت مفوضية الاعتماد الأكاديمي بوزارة التربية والتعليم أنها اعتمدت 7 برامج وتخصصات جامعية مختصة بعلوم الفضاء وصناعته في البكالوريوس والدراسات العليا، خلال الفترة الماضية في عدد من جامعات الدولة.

تخصصات

وأكد الدكتور محمد يوسف بني ياس، مستشار التعليم العالي، مدير مفوضية الاعتماد الأكاديمي بوزارة التربية والتعليم، اعتماد المفوضية 7 برامج وتخصصات جامعية مختصة بعلوم الفضاء وصناعته في عدد من جامعات الدولة.

مبيناً أن من ضمن البرامج التي اعتمدتها المفوضية ماجستير علوم الفضاء بجامعة الإمارات، وماجستير الفلك وعلوم الفضاء، وماجستير قانون الجو والفضاء بجامعة الشارقة، إضافة إلى بكالوريوس وماجستير هندسة طيران بجامعة خليفة، وبكالوريوس وماجستير في هندسة الطيران بجامعة الإمارات للطيران.

وأفاد بني ياس أن دراسة علوم الفضاء لها أهمية بالغة في المستقبل وفي بحوث الفضاء، حيث تسهم بشكل كبير في الاكتشافات التي تفيد في المجالات الأخرى، مثل الطب والزراعة، بما يعزز العلوم التي تفيد البشرية، مبيناً أن لدراسة الفضاء والاهتمام به تأثيراً ثقافياً واجتماعياً، وليس فقط في صقل مهارات الطلبة وتشجيع روح الابتكار وتعزيز مهارات البحث العلمي لديهم.

تأهيل

من جهته، أكد الدكتور حميد مجول النعيمي، مدير جامعة الشارقة، أن دور المؤسسات التعليمية في الدولة مهم جداً في تأهيل المتخصصين والباحثين والمهندسين في تطبيقات علوم وتكنولوجيا الفضاء في الصناعة والزراعة والطب والأمن القومي وخلافه، كما أن تطوير البرامج الأكاديمية والدورات التدريبية العلمية والعملية المكرسة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء وكل ما له علاقة بتلك التخصصات وتأثيرها على استقطاب الأجيال الشابة لدراسة تلك التخصصات سيؤدي بالضرورة إلى دفع التنافسية الاقتصادية في العقد المقبل وتلبية الاحتياجات المستقبلية للكوادر البشرية.

وقال إن لدى الإمارات طموحات فضائية لا مثيل لها في المنطقة، ومنها الوصول إلى القمر لاستكشاف بعض المناطق من سطحه ودراسة تربته وصخوره، وذلك من خلال التعاون مع عدد من وكالات الفضاء العالمية، مثل الأمريكية والأوروبية والصين واليابان، وأفضل مثال لذلك المستكشف راشد، الذي سيرسل إلى القمر على متن مركبة الهبوط الفضائية اليابانية.

برامج خاصة

وأضاف أن هناك برامج خاصة في علوم تكنولوجيا الفضاء والفلك تدرس بجامعة الشارقة وجامعة الإمارات وجامعة خليفة، كما أن جامعة الشارقة من خلال أكاديمية الشارقة لعلوم التكنولوجيا والفضاء والفلك، وكليتي الهندسة والعلوم بالجامعة، لديها برنامج ماجستير العلوم في علوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك، وماجستير العلوم في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، وماجستير في قانون الفضاء والجو بالتعاون مع كلية القانون، كما أننا في طور الاعتماد الأكاديمي لماجستير هندسة الطيران.

كما أنه بعد تخريج أول مجموعة في تلك التخصصات سيتم طرح برنامج الدكتوراه، لافتاً إلى أن تلك البرامج تعد الأساس في استقطاب وتعليم وتدريب شباب المستقبل، ولا سيما بعد تشغيل أقمار صناعية صغيرة لتعليم علوم الفضاء الأساسية وتطبيقاتها التشغيلية للاتصالات والموضوعات المهمة، خصوصاً بعد دخول الدولة بقوة في مجال الفضاء.

ولفت الدكتور مجول إلى أن الجامعة تخطط حالياً في تعليم علوم تكنولوجيا الفضاء ضمن الآفاق الوطنية.

كما أنها تفتح الأبواب للطلبة ضمن تلك الآفاق، ما يعد فرصة للجامعات، حتى تكون الجامعات الإماراتية جزءاً لا يتجزأ من رؤية واستراتيجية الدولة في استكشاف الفضاء والكون، كما أن من ضمن البرامج المهمة التي يجب طرحها في الجامعات الإماراتية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف وسائل تكنولوجيا الفضاء.

كما حدث في مسبار الأمل، ثم أنظمة الملاحة العالمية عبر أنظمة الأقمار الصناعية الكبيرة وصغيرة الحجم، ثم تكنولوجيا الروبوتات الفضائية واستخداماتها والحد من مخاطر الكوارث والاستجابة للكوارث وأنظمة الدفع الصاروخي وإدارة موارد الأرض الطبيعية ومراقبة البيئة وملوثاتها ودراسة تغيرات المناخ المستمرة وتطبيقات تكنولوجيا الفضاء في الطب والصحة.

لافتاً إلى أن الجامعة أصبحت، من خلال أكاديمية الشارقة لعلوم الفضاء، المركز الأساسي لمختلف علوم وتكنولوجيا الفضاء في الدولة والشرق الأوسط، كما توفر فرصاً لطلبة المدارس والجامعات للتعليم في كافة مجالات علوم الفضاء من خلال العديد من المختبرات والمراكز البحثية في أكاديمية الشارقة لعلوم الفضاء وفي جامعة الشارقة.

وقال إن مهمة الإمارات تندرج في دراسة واستكشاف القمر وبيئته ضمن الاستراتيجية الفضائية لمركز محمد بن راشد للفضاء (2021 - 2031)، التي تهدف إلى الإسهام في تعزيز تنافسية قطاع الصناعات الفضائية في دولة الإمارات إقليمياً وعالمياً، وإعادة تأهيل القدرات لديها في علوم وتكنولوجيا الفضاء وبناء شراكات عالمية في هذا المجال.

قيمة

من جانبه، أكد الدكتور جلال حاتم، مدير جامعة أم القيوين، أن انطلاق المستكشف راشد سيراقبه العالم، لأنه قيمة إضافية إيجابية للنشاط العلمي والإنساني للدولة، كما يعكس الطموح الذي غرسه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لافتاً إلى أن اهتمام الدولة بعلوم الفضاء ليس أمراً جديداً.

فمن يتتبع السجل السابق لها في ذلك المجال سيجد خطوات واسعة ملموسة، منها سبر أغوار المريخ، الذي كان له أثر إيجابي بالغ الأهمية، مطالباً الجامعات الإماراتية بدعم «المستكشف راشد»، ذلك المشروع الإماراتي الكبير الذي سيسبر أغوار القمر، وأن يتمثل الدعم في البحث في كيفية الاندماج والدمج بين العلوم القائمة من البرامج الأكاديمية الحالية التي تدرس بالجامعات وبين تلك التطورات التي تشهدها الدولة.

وقال إن بعض الجامعات ما زالت عاجزة عن اللحاق بتفكير القيادة الإماراتية ببلوغ مراتب متقدمة في علم الفضاء، وخلاف ذلك من المشاريع التي أضحت الإمارات سباقة فيها، كما أن على الجامعات أن تبادر إلى سبر أغوار عالم الفضاء من خلال تجديد وتحديث البرامج الأكاديمية القائمة وتحديث البنية التحتية حتى تكون ملائمة لذلك التقدم، مبيناً أن هناك برامج متخصصة في علوم الفضاء.

ولكن لا نستطيع أن نقول إن للفضاء علوماً خاصة به، بل إن كل علم يدرس في الجامعات يمكن له أن يرتبط بشكل أو بآخر بما يحدث في الفضاء، مثل برنامج القانون الذي يدرس في كافة الجامعات الإماراتية يمكن أن يطور من أدائه في الكليات، التي يجب عليها أن تبدأ بالتفكير في القوانين والتشريعات التي يمكن أن يتم تطبيقها في إطار سبر أغوار الفضاء، وكذلك كليات إدارة الأعمال والاقتصاد يجب التفكير في رفدها بالاستثمار في الفضاء، كما أن كل العلوم يمكن ربطها بالفضاء في حال امتلاك الأدوات حتى نتمكن من النجاح في تحقيق ذلك.

إبداع

من جهته، أكد الدكتور رياض الدباغ، رئيس أكاديمية ماجستير الدولية، أن الإمارات دخلت عصر الفضاء، حيث انطلق أول قمر صناعي حكومي يحمل اسم «دبي سات1» DubaiSat-1، ما أنبأ بدخول الدولة إلى عالم الفضاء من أوسع أبوابه من خلال السباق العالمي لاكتشافه.

لافتاً إلى أن هذا الإبداع الإماراتي المتميز يستمر بإطلاق «المستكشف راشد»، استمراراً للإبداعات المتتالية التي تسير عليها الدولة، فبعد الحكومة الذكية والمدن الذكية والتقدم المعماري المتميز، تستمر الإمارات بدخولها بثقة عالية عصر الفضاء من خلال استمرار إطلاقها الأقمار الصناعية، منها «المستكشف راشد»، الذي يعتبر أول مركبة فضائية عربية لاستكشاف سطح القمر والمركبة الرابعة عالمياً، والذي أطلقه «مركز محمد بن راشد للفضاء»، والنقطة المهمة أن من قام بتصميم هذه المركبة الفضائية هم مجموعة متميزة من الشباب الإماراتي.

وقال إن هناك بعض الجامعات في الدولة اهتمت بتخصصات علوم الفضاء، كأكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء، وكلية العلوم في جامعة الإمارات، إضافة إلى مركز محمد بن راشد للفضاء، وهذه المؤسسات تعمل حالياً على تأهيل وتدريب الطلبة في هذا الاختصاص المهم.

إضافة إلى إجراء البحوث العلمية في مجال الفضاء، كما أن هنالك برنامج الشيخ محمد بن راشد للمنح الدراسية في مشاريع الفضاء، الذي يأتي مع استراتيجية دولة الإمارات لتشجيع البحث العلمي في مجال علوم الفضاء، ولتأهيل الكوادر الوطنية للمساهمة في البحوث وعلوم الفضاء، لافتاً إلى أنه على الجامعات الإماراتية التنسيق مع مركز محمد بن راشد للفضاء لتطوير عمل المركز.

إضافة إلى فتح تخصصات جديدة وتوفير البنية التحتية المطلوبة لدعم المشروع الإماراتي في علوم الفضاء، خصوصاً وأن تخصصات علوم الفضاء في الجامعات الإماراتية محدودة جداً، وفي جامعتين، هما الشارقة والإمارات، ولذلك يفترض أن تفتح الجامعات تخصصات علوم الفضاء لكي تؤدي دورها العلمي والبحثي في دعم مشروع دولة الإمارات في مجال علوم الفضاء ومواكبته.

من جانبه، قال الدكتور فارس الهواري، عميد كلية العلوم الطبيعية والصحية في جامعة زايد، إن الجامعة تحرص على طرح تخصصات تتواءم مع استراتيجية الدولة الرامية إلى مواكبة الثورة الصناعية الرابعة، كما أن جامعة زايد قامت بتدريب ما لا يقل عن 25 طالباً على تطبيقات عملية لعلوم الفضاء.

وأضاف أن البرامج التعليمية والبحثية المتعلقة بدراسة علوم الفضاء والاستشعار عن بعد تهدف إلى تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا الرقمية، لافتاً إلى أهمية مثل هذه البرامج البالغة الأهمية، التي من شأنها تطوير صناعة معلومات جديدة.

وأوضح أنه يمكن الاستفادة من البيانات التي نحصل عليها من الأقمار الصناعية، لا سيما «المستكشف راشد» في تخطيط مدن المستقبل، وإدارة المياه والغذاء عبر تطوير قواعد بيانات مستندة على منظومات رقمية مشتقة من صور الأقمار الصناعية.

مرونة

وذكر الدكتور محمد المصلح، أستاذ مساعد في هندسة السيارات بكلية الهندسة والعلوم الفيزيائية بجامعة هيريوت وات دبي، أنه بينما تتطلع الدولة إلى صنع التاريخ مرة أخرى، لا يمكننا إلا أن نكون أكثر فخراً بأن نكون جزءاً من بلد خطا خطوات كبيرة في البحث العلمي واستكشاف الفضاء، مبيناً أن المستكشف راشد مشروع ضخم آخر يجسد مرونة وروح الأمة في المساهمة في تطوير أبحاث الفضاء وتقدمها.

مؤكداً أهمية بعثة المستكشف راشد، كونها ستعمل على تصميم واقع علمي جديد للإماراتيين وللعرب وجيل الشباب، وتمهد الطريق لعصر جديد من دراسة الفضاء واكتشافه، مشيراً إلى حرص الجامعة على مواصلة الاستثمار بكثافة في البحث والتطوير، وإعطاء الطلاب الفرصة المناسبة للتواصل مع الصناعات ذات الصلة لتجهيزهم وإعدادهم لمواجهة المستقبل وبناء مستقبل مهني يمكنهم من تحقيق أحلامهم.

وأشار إلى أن الجامعة تقدم برامج درجات علمية واسعة مستنيرة بالبحوث في بيئة دراسة عالمية مع روابط قوية للأعمال والصناعة، كما تقدم دورات في مجالات الهندسة الميكانيكية المتقدمة، وهندسة البرمجيات، وعلوم البيانات الإحصائية، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من الموضوعات ذات الصلة، كما نعمل باستمرار على تحديث برامجنا التي تتناسب مع سوق العمل العالمي الديناميكي.